معمر فيصل خولي
لأول مرة منذ عقود لم يشعر صانع القرار السياسي في إيران بالحرج الشديد كالذي شعر به في الوقت الراهن، حتى مقتل قاسم سليماني في بغداد في كانون الأول/ يناير عام2020م، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لم يضعها في هذا الموقف المحرج أمام حلفائها وخصومها على حدّ سواء.
جاء هذا الحرج مع فجر يوم الاربعاء 31 تموز/يوليو الفائت، حينما اقدمت اسرائيل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية”حماس” إسماعيل هنية في طهران، في هذا الاغتيال،رأت القيادة الإيرانية وحلفاؤها وخاصة حزب الله اللبناني أنه يمثل مساسًا مباشرًا بالسيادة الإيرانية وأمنها القومي وهيبتها وشرفها.
ولتجنب هذا الحرج والإهانة على حد سواء،كان يُفترَض على صانع القرار في إيران أن يوفر الحماية الخاصة لضيفهه، وأن يكون حريصًا على ألا تصل إليه هيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة في إسرائيل، التي تعرف اختصارا باسم “الموساد”.
الاغتيال سلوك أساسي لدى إسرائيل، طالما انشغلت فيها أدمغة وعقول وصرفت بها طاقات ضخمة، فقد ظلت إسرائيل وعبر جهازها الموساد أكثر قدرة على اغتيال شخصيات عربية وفلسطينية بارزة، رأوا بأنها تؤثر في مجرى الصراع. قائمة طويلة من الأسماء التي تم تصفيتها، لم يستثنوا أحد من المطلوبين. فالموساد الإسرائيلي يصبح أكثر شراسة عندما يتعلق الأمر بشخص بدى كإسماعيل هنية قادر على التأثير في منظومة إسرائيل الأمنية.
مما لاشك فيه، أن اغتيال إسماعيل هنية وضع صانع القرار السياسي في إيران في حرجٍ بالغٍ وإهانة بالغة، وجعله مضطرًا أو مجبرًا على الرد قوي عليه – هكذا يفترض-، لكن من دون أن يقود ذلك إلى حرب مفتوحة وواسعة مع إسرائيل، وذلك للعوامل التالية:
أولا: الوضع الداخلي في إيران: إذ تعيش إيران صعوبات اقتصادية واجتماعية وانعدام للحريات السياسية – فهي أشبه بالصعوبات التي كان يعيشها العراق قبيل العدوان الأمريكي عليه في آذار/مارس عام 2003م، لا تمكنها من خوض غمار حرب إقليمية.
ثانيًا: حلفاء إيران من غير الدول: على الرغم من إقامة إيران شبكة عسكرية من الحلفاء في لبنان والعراق واليمن، فإن الذهاب إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل وحلفائها، ترى إيران من الصعوبة بمكان التعويل على قدرات حلفائها العسكرية، فهي متواضعة إذا ما قورنت بقدرات الطرف الآخر من الحرب. أضف إلى ذلك بأن اسرائيل ستعتمد في حربها ضد حلفاء إيران سياسة الأرض المحروقة بمعنى تدمير كل مرافق الدولة الحيوية ولاسيما لبنان.
ثالثًا: العامل الدولي: يدرك صانع القرار السياسي في إيران بشكل عميق أن الحرب المباشرة مع إسرائيل يعني أن علىها أن تواجه أيضُا الغرب بشقيه الأوروبي والأطلسي وما يمتلك هذا الغرب من تفوق عسكري وتقني يفوق بكثير ما تمتلكه إيران، إضافة إلى ذلك أن إيران ليس بوسعها في الحرب الاعتماد على روسيا والصين فهي ليست حربهما، وربما يقتصر الدور الروسي والصيني في تقديم الدعم العسكري لها لكن دون دخول في الحرب بشكل مباشر، وهذا الدعم لا يكف في مواحهة الترسانة العسكرية الإسرائيلية والغربية.
رابعًا: الدول الإقليمية: يدرك صانع القرار السياسي في إيران أن انفتاحه الإقليمي خلال الفترة الماضية على بعض الدول العربية المؤثرة كالمملكة العربية السعودية وغياب التوتر عن علاقاتهم مع مصر وتركيا قد يذهب أدراج الرياح حال التصعيد غير المحسوب مع إسرائيل نظرا لتداعياته الخطيرة على الأمن الإقليمي وحالة عدم اليقين الكارثية التي يسببها.
خامسا : الحفاظ على الثورة والدولة: يدرك صانع القرار السياسي في إيران من أجل الحفاظ على الثورة والدولة والنفوذ والتأثير الإقليميين” اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان” التي حققها خلال وخاصة في السنوات السابقة والتي جعلت منها دولة عظمى على المستوى الإقليمي، فمن أجل الحفاظ على تلك المكانة، ينبغي على إيران تجنب الحرب المباشرة مع إسرائيل، لاسيما وأن الأخيرة تتحين الفرصة لإشعالها، وجر الولايات المتّحدة الأمريكية للمشاركة معها في حرب ضدّ إيران.
يرغب صانع القرار السياسي في إيران الرد على اغتيال إسماعيل هنية لاعتبارات تتعلق بها في المقام الأول والأخير، وكما وضحنا آنفًا، فهو ما بين الرد الأكثر احتمالية” المنضبط” والرد الأكثر خطورة، لكنه ومع ذلك، وبغض النظر عن تلك العوامل السابقة، فهو غير معني تمامًا في المضي إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل، فالهدف من الرد هو إعادة الاعتبار لمفهوم الردع المتبادل، والعودة مجددا لقواعد الاشتباك السابقة، وأن يتجنب صانع القرار الإيراني الظهور بمظهر الضعيف أمام حلفاءه وخصومه على حد سواء، والهدف الأهم هو استعادة الهيبة لصورة إيران كقوة إقليمية في بيئة الشرق الأوسط التي هزتها عملية الاغتيال.
خلاصة القول أن حدث سياسي كبير كاغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة «حماس»، في قلب طهران، قد يقود منطقة الشرق الأوسط، أو كما قالَ عنها أحدُهم يومًا «منطقة الشرخ الأوسط»، إلى حرب واسعة ومفتوحة. فإسرائيل في حالة تعبئة شاملة، ولأنّ جميع الإدارات الأميركية المتعاقبة ترى أنّ أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي، فمن الطبيعي أن تقوم إدارة بايدن بالدفع بالأساطيل الأميركية وقوتها الجوية نحو المنطقة، وفي المقابل اصطفت روسيا إلى جانب إيران، وقدّمت لها السلاح والدعم السياسي، وأوفدت الجنرال شويغو سكرتير مجلس الأمن القومي إلى طهران. وإما الوصول إلى هدنة في الحرب الجارية كتسوية سياسية كان ثمنها اغتيال هنية، وهو الاحتمال الأقرب إلى الواقع.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة