شهدت الأيام القليلة الماضية أحداثا لافتة سياسية وعسكرية في منطقة الخليج العربي، وكان طرفا المعادلة الأساسيان هما الولايات المتحدة وإيران.
تمثّل التحرّك الأمريكي بإرسال واشنطن تعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط ضمّت حاملة الطائرات «أبراهام لنكولن» وخمس سفن حربية أخرى، وبنشرها قاذفات استراتيجية من طراز «بي 52» في قاعدة العديد القطرية (حيث يتمركز نحو عشرة آلاف عسكري)، وإعادتها بطارية صواريخ باتريوت، وكذلك بتعزيز قواتها بسفينة هجومية برمائية، في استعراض كبير لجبروت أمريكا التي تملك، إضافة إلى الآليات والقوات الآنفة، شبكة واسعة من القواعد العسكرية تعود إلى حرب الخليج عام 1991، من ضمنها قاعدة للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، ومقر الجيش الأمريكي الثالث في الكويت (16 ألف جندي)، وقوات أخرى في قاعدة الظفرة في الإمارات (5 آلاف جندي)، ولديها اتفاقية لاستخدام موانئ ومرافق ومطارات عُمانية، كما أن لديها قوات خاصة في اليمن.
أمام هذا الحجم الهائل من القواعد والمعدات والترسانة الأمريكية فإن حظوظ إيران في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع أمريكا ضعيفة جدا، وإذا أضفنا إلى ذلك أثر العقوبات الاقتصاديّة المتراكمة على الجمهورية الإسلامية فإن الحرب لا يمكن أن تكون خيارا واقعيّاً لدى قيادتها السياسية (على اختلاف أجنحتها)، غير أن هذه المعادلة العسكرية غير المتوازنة إطلاقاً لم تمنع طهران من إظهار نماذج من قدراتها على إرباك خصومها وإدهاشهم بطرق لم يتحسبوا لها.
شهدنا في هذا السياق حركتين مهمّتين، تمثّلت الأولى في هجوم على ميناء الفجيرة الإماراتي استهدف أربع ناقلات نفط، بينهما اثنتان سعوديتان، وبعدها هجوم بطائرات مسيّرة على محطتي ضخ نفط سعوديتين، وفي حين أنكرت إيران علاقتها بالحادث الأول (رغم أن أحد إعلاميي الحرس الثوري تسرّع بنسبته لـ«المقاومة الإسلامية»)، فقد تكفّل حلفاؤها الحوثيون في اليمن بإعلان مسؤوليتهم عنه، بل إن الناطق باسم قواتهم الجوية، العقيد عبد الله الجفري، هدّد بالوصول إلى «غرف نوم» المسؤولين السعوديين، «إذا لم يوقفوا عدوانهم» على اليمن، وفي الحالتين فإن إيران غير مسؤولة بشكل مباشر عن الحادثتين رغم أنهما رسالتان واضحتان تقولان إن كل الأساطيل والقواعد الأمريكية لا تستطيع حماية السعودية أو الإمارات أو طرق إمداد النفط، وأن إيران غير مضطرة، كما قال أحد خطبائها، لصرف المليارات على الأسلحة فصاروخ واحد من صواريخها يمكن أن يحقق أهدافا كبيرة.
طهران، كما هو حال الأضعف في أي معادلة عسكرية، لن يصعب عليها إيجاد طرق كثيرة للرد على الجبروت الأمريكي بالدهاء المعروفة به، فقد أدّت هاتان النقلتان البسيطتان على شطرنج الخليج، على سبيل المثال، إلى طلب السفارة الأمريكية من رعاياها الخروج من العراق، كما طلبت من «موظفي الحكومة غير الضروريين» الرحيل «بأسرع وقت ممكن»، فيما حذرت سفارتها في الإمارات مواطنيها من «هجمات إرهابية»، وعلقت ألمانيا وهولندا تدريباتهما للجيش العراقي.
إضافة إلى منطقة الخليج فإن شبكة نفوذ إيران واسعة جدا، ولديها قدرات على استهداف الجنود الأمريكيين في سوريا والعراق، كما أنها قادرة على تحريك الأحداث في اليمن، حيث عادت المعارك للاندلاع في مدينة الحديدة وغيرها، وكذلك في لبنان، وإلى حدّ ما في غزّة الفلسطينية.
ورغم تصريحات الطرفين الأمريكي والإيراني عن عدم الرغبة في الحرب فإن الإيرانيين يظهرون قدرة على المبادرة والمفاجأة فيما ترد أنباء عن استعدادات أمريكية ممنهجة للحرب (منها وصول المستشفى الحربي الأمريكي Mercy Class الذي يضم 1000 سرير إلى الخليج)، في مبارزة واضحة بين الجبروت والدهاء.
القدس العربي