كتب المحلل السياسي في صحيفة “أوبزيرفر” سايمون تيسدال مقالا مطولا تحت عنوان “حزازات قديمة وأسلحة جديدة.. هل تقف الولايات المتحدة على حافة حرب مع إيران”.
وقال إن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية القائدة في العالم حيث دار جدل في الأسبوع الماضي بواشنطن حول الطريقة المثلى لاستخدام هذه القوة. ففي الماضي استخدمت القوة الضاربة ضد روسيا السوفييتية والقاعدة في أفغانستان وصدام حسين في العراق. أما اليوم فالبعبع الدولي الذي يتصدر اهتمامات البيت الأبيض هو إيران.
ومرة أخرى تعيش الولايات المتحدة نقاشات حول الذهاب إلى الحرب التي تظل كما هي عملا فوضويا وغير صادق ومورط. فعلى الجانب الذي يطالب بعقوبات عسكرية بقايا المحافظين الجدد وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي جون بولتون ومايك بومبيو، المسيحي الإنجيلي الذي عمل مديرا للإستخبارت المركزية (سي آي إيه) ووزير الخارجية الحالي إلى جانب مايك بنس، نائب الرئيس الزاهد.
وعلى الجانب الآخر قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس وعدد من المرشحين الأملين للرئاسة وقادة البنتاغون المتشككين والذين لا يثقون ببولتون والإتحاد الأوروبي والناتو وروسيا والصين، الدولتان اللتان تعارضان استعراض أمريكا قوتها في العالم.
وفي مركز الخلاف الحالي معلومات أمنية جمعتها الأقمار الصناعية وقدمت للمسؤولين في 3 أيار (مايو) وتظهر قوات الحرس الثوري الإيراني وهي تقوم بتحميل صواريخ بقوارب صغيرة في الخليج، والهدف على ما يبدو القوات الأمريكية أو إغلاق مضيق هرمز الذي تعبر منه معظم إمدادات النفط العالمي.
وظلت الصور سرا خاصا قبل أن يكشف عنها يوم الأربعاء. ومن ثم أعلنت بطريقة غريبة السعودية، عدوة إيران عن تعرض أربع ناقلات نفط قرب المضيق. والغريب أن لا أحد أعلن المسؤولية ونفت إيران العلم بها. فيما اتهمت قوات المارينز المتمردين الحوثيين حلفاء إيران في اليمن بالعملية. وكان الرد من بومبيو وبولتون حاسما حيث تحدثا عن معلومة جديدة تقول إن الحرس الثوري عبأ الميليشيات العراقية الموالية له وطلب منها “التحضير للحرب” وأرسلت حاملة طائرات ومقاتلة للخليج فيما قطع بومبيو زيارته لألمانيا وتوجه إلى بغداد.
وفي أعقاب الهجوم على الناقلات زادت الإدارة من الرهان حيث تم تسريب معلومات من البيت الأبيض تحدثت عن تقديم وزير الدفاع المعين باتريك شانهان تقضي بنشر 120.000 جندي في الخليج. وخطة أخرى تحت النقاش بضرب المنشآت النووية الإيرانية والمناطق العسكرية. ومنذ ذلك الوقت تحدث المسؤولون الأمريكيون عن عملية عسكرية محتومة، وقدم بومبيو تفاصيل لنظرائه الأوروبيين حيث كان ردهم باردا.
وما يثير في كل هذا التصعيد أن الولايات المتحدة لم تقدم ولا حتى دليلا عن الفعل الإيراني العدواني. ويعلق الكاتب أن أي شخص يتذكر التضليل والكذب والتعمية التي سبقت غزو العراق فالتشابه مع إيران خارق ومثير للقلق.
وقالت نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الديمراطية “هل تعلمنا من دروس العقد الماضي” وقال تشاك تشومر، زعيم الاقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ “هناك غياب في الوضوح وغياب في الإستراتيجية والمشاورة”. ولأن الديمقراطيين شموا رائحة عفنة فقد بدأوا بالتحقيق في مزاعم قيام وزارة الخارجية الأمريكية بتحريف تقرير سنوي عن التحكم بالسلاح صور إيران بطريقة سلبية. وبهذه المثابة فدور بولتون مثيرا للشك. فبعد الحرب الكارثية في العراق اتهم بالتلاعب وحرف المعلومات الأمنية لكي يقوي من موقف الداعين إلى الحرب. ففي مزاعم غير دقيقة قالت إن صدام حسين يملك ويجهز لاستخدام أسلحة الدمار الشامل وهي المزاعم التي رددها في ذلك الوقت رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير.
ويعلق تيسدال أن ذكريات مهزلة العراق ربما كانت وراء قرار الجنرال كريس غيكا، نائب قائد قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة عندما سئل عن مزاعم الأمريكيين في الأسبوع الماضي ورد “لم نلحظ أي زيادة تهديد من القوات المدعومة إيرانيا في العراق وسوريا”. ومع أنه يعمل من بغداد إلا أن البنتاغون أصدرت ردا ناقض كلامه وجاء فيه أن تعليقاته “تتناقض مع التهديدات الموثوقة التي تم تحديدها”.
وفي تكرار لما جرى في العراق رفضت الحكومة البريطانية تصريحات الجنرال ورضخت للضغوط الأمريكية. وقالت إنها مع التقييم الأمريكي.
ويعتقد أن الأزمة بدأت العام الماضي عندما قررت إدارة ترامب رمي المعاهدة النووية الموقعة عام 2015 وفرض العقوبات الأقصى على طهران والتي شملت حظر تصدير النفط. وتعهد بمعاقبة الدول التي تواصل التعاون معها.
وبرر ترامب سياسته بأن الصفقة سيئة لأنها تعني استمرار إيران في بناء القنبلة النووية ولأنها لم تشمل على برامج الصواريخ الباليستية وتأثيرها المضر في المنطقة. وقال ترامب إنه يريد إيران “دولة طبيعية” في المنطقة.
وفسرت هذه السياسات في الخارج على أنها محاولة لتغيير النظام في إيران، فقد شجع ترامب تظاهرات الشوارع وتحدث عن ثمن المغامرات العسكرية التي يدفع النظام كلفتها من أموال دافعي الضرائب.
وفي الأسابيع الماضية زادت واشنطن من حملة الضغط الأقصى حيث صنفت الحرس الثوري كمنظمة إرهابية والغت الإعفاءات الممنوحة لاستيراد النفط الإيراني والذي تراجع تصديره إلى مليون برميل في اليمن في انخفاض حاد عن فترة الذروة وهي 2.8 مليون برميل.
ويمكن أن ينخفض التصدير إلى نصف مليون برميل في اليوم هذا الشهر. وزاد كل من بومبيو وبولتون من التعقيد بوضع مصيدة جديدة لطهران وهي تحميلها مسؤولية أي فعل تقوم بها الميليشيات الموالية لها في العراق وسوريا واليمن وأي مكان آخر ضد المصالح الأمريكية وحلفاء واشنطن وفي أي مكان.
ويرى الكاتب ان العدوانية الصلبة من الولايات المتحدة تركت أثرها على الوضع الداخلي وجعلت إيران محاصرة عسكريا واقتصادها منهار وسكانها يعانون. وفي الوقت نفسه اصطف الأعداء بالمنطقة للمشاركة في الهجوم. ولا شيء على ما يبدو قادر على إسكات طبول الحرب في واشنطن.
وبهذه الطريقة يتعامل المتشددون والمحافظون الدينيون ومؤسسة القضايا والوسائل الإعلامية والحرس الثوري مع الأزمة الحالية. وتزداد قوتهم على حساب الرئيس المعتدل حسن روحاني وحلفاؤه الذي بدا واضحا عجزهم عن مواجهة الضغوط الأمريكية.
وظهر الكلام المتحدي والتهديدات التي تطلق كل يوم من مثل إطلاق “رصاصة في رأس أمريكا” وتهديدات الجنرال في الحرس الثوري صالح جوكر لضرب السفن الحربية الأمريكية في الخليج و”بسهولة”. ولكن حديثه عن عدم قدرة أمريكا على شن حرب جديدة هو وهم وقع فيه صدام حسين من قبل.
وتم التخلي عن سياسة روحاني الداعية “للصبر الإستراتيجي” باعتبارها فاشلة. ففي رضوخ لضغوط المتشددين قال إن إيران قد تتوقف عن الإلتزام ببنود في اتفاقية عام 2015. ودعا الأوروبيين الذين لا يزالون يدعمونها عمل شيء للتحايل على العقوبات الأمريكية، وحصل على ردود قصيرة من بريطانيا وفرنسا فيما رفضت دعوته في الداخل بأنها لا تفيد. ويواجه روحاني الذي لا يزال أمامه عامان في الحكم مشاكل، فلم تلق دعوته للتضحيات كما حدث أثناء الحرب العراقية- الإيرانية قبولا. فيما زاد القمع والإعتقالات التعسفية التي تعهد بالقضاء عليها.
وتلاشت أحلام الديمقراطية وانتعاش “ربيع فارسي” عام 2009.
ويرى الكاتب أن العداوة بين أمريكا وإيران ليست جديدة فهي تعود للثورة التي أطاحت بالشاه عام 1979 والحصار الطويل للسفارة الأمريكية في طهران. ويرى البعض في إيران أن أمريكا لم تغفر لهم تلك الإهانة.
ولهذا السبب يرى البعض أن أمريكا وفرت السلاح لصدام ودعمته في حربه ضد إيران. ويرى آخرون أن السبب هو التأثير الإيراني المتزايد في المنطقة والذي أغضب أمريكا وحلفاءها مثل السعودية.
ويعتقد الكاتب أن الجمهورية الإسلامية تتبع طريقا مسارا قديما حيث توسع قوتها بنفس الطريقة التي وسعت فيها أمريكا نفوذها في القرن التاسع. فبعد فوضى العراق عام 2003 وسعت إيران من نفوذها الذي رأت فيه دول سنية تأثيرا خبيثا أما إيران فلا تتسامح مع من يتحدى قوتها الدولية. فدور إيران مع روسيا وحزب الله في سوريا وحمايتها لنظام الأسد ليس مدعاة للفخر، فقد ارتكبت فيه عدة مجازر.
وهناك يد لإيران في القتال بين الحوثيين وبين السعوديين والإماراتيين في اليمن. وتتهم البحرين جارتها القوية بإثارة المشاكل الداخلية لكن في كل هذه المشاكل يلعب الإنقسام السني- الشيعي دورا. وترى الولايات المتحدة في زيادة التأثير الإيراني بالمنطقة تهديدا لحليفتها إسرائيل. وتتهم هذه إيران ببناء قواعد عسكرية قرب حدودها.
وفي النهاية، ليس من الصعب على أمريكا العثور على سبب أو أسباب للخوف من إيران. وهل هذا مبرر لشن الحرب عليها؟ فمثل عام 2003 هناك كل المكونات التي أدت للحرب في العراق وهي موجودة اليوم في عام 2019: كراهية وحقد، أسلحة جديدة، معلومات أمنية غير دقيقة، عداوات شخصية وأيديولوجيات متضادة وتنافس حدودي وإقليمي وديني وتنافس على المصادر خاصة النفط. ويرى المتفائلون أن التصعيد هو مجرد تهديدات ولن يقود إلى الحرب أما المتفائلون فيقولون إن الحرب بدأت فعلا والتصعيد قادم. والغريب أن ترامب هو الشخص الذي يمكنه وقف المسيرة نحو الحرب. وهو يرغب بحكومة موالية للغرب مع أنه لا يكترث بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. ويريد حلفاؤه السعوديون والإسرائيليون نزع أنياب إيران لكنه احاط نفسه بمجموعة من الصقور مما يجعل احتمال الخطأ من الطرفين قائما.
القدس العربي