قال وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، إن أوروبا التي تواجه ضغوطا هائلة من الولايات المتحدة بشأن التجارة مع إيران، لن تخضع لتحذيرات طهران، في رسالة تعكس اقتراب الموقف الأوروبي من التشدد الأميركي حيال طهران والذي بدا معزولا في أول المطاف.
وأضاف لومير “لا أعتقد أن أوروبا ستنجر إلى فكرة التحذيرات هذه”، مشيرا إلى أن “الأوروبيين يواجهون ضغوطا هائلة من واشنطن في ما يتعلق بالتجارة مع إيران، وأن التهديدات الإيرانية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع القوى العالمية غير مفيدة”.
ويأتي التحذير الفرنسي بعد تلميح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إثر لقائه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأسبوع الماضي، إلى أن روسيا ليست فرقة إطفاء ولا يمكنها إنقاذ الجميع.
ويرى مراقبون أن الموقف الروسي المفاجئ من إيران يحمل ملامح “صفقة” بين واشنطن وموسكو تتم بموجبها تسوية الخلافات في سوريا مقابل نأي موسكو بنفسها عن تداعيات التهديدات الإيرانية.
ويشير محللون إلى أن تصريحات القادة الفرنسيين حيال طهران تمثل رسالة غير مباشرة إلى قادة إيران مفادها أن باريس ستنأى بنفسها أيضا عن تداعيات الانسحاب من الاتفاق النووي إذا غامرت طهران ونفذت تهديدها.
والأسبوع الماضي، أعلنت طهران تعليق بعض تعهداتها بموجب الاتفاق النووي، وهددت بإجراءات إضافية، خلال 60 يوما، في حال لم تطبق الدول الأخرى التزاماتها.
وجاء القرار الإيراني في ذكرى مرور عام كامل على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين طهران والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا.
ومنذ الانسحاب الأميركي، ترفض طهران التفاوض على اتفاق جديد، خاصة في ظل إعلان بقية الأطراف مرارا التزامها بالاتفاق.
ويتجه الموقف الأوروبي من الملف النووي إلى الاقتراب أكثر فأكثر من الموقف الأميركي المتشدد الذي بدا معزولا في أول المطاف، غداة تهديد طهران بنقض تعهداتها الدولية.
ولمحت كبرى الدول الأوروبية الداعمة للاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران ما لم تحترم التزاماتها، في خطوة تؤكد أن ما تبديه هاته الدول من دعم للملف النووي لا يحجب مخاوفها من أنشطة طهران المزعزعة لاستقرار المنطقة.
وقوبل تهديد إيران بخرق بنود الاتفاق النووي عبر مواصلة تخصيب اليورانيوم بتشدد أوروبي غير مسبوق ينذر بنفاد صبر الحلفاء الأوروبيين تجاه أجندات طهران، فيما صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من لندن بأن واشنطن تتابع عن كثب التصعيد الإيراني في المنطقة قبل التحرك.
وعلى غير العادة واجهت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا التهديد بتهديد، فيما كانت مواقفها في السابق من التهديدات الإيرانية تأتي تباعا في شكل دعوات إلى ضبط النفس.
وأعلنت إيران الأربعاء أنها ستعلق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى ردا على انسحاب الولايات المتحدة منه قبل سنة.
وهددت أيضا بتعليق تعهدات أخرى في حال لم تتوصل الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق إلى حل خلال ستين يوما لتخفيف آثار العقوبات الأميركية التي أعيد فرضها على البلاد وخصوصا في قطاعي النفط والمصارف.
واتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدول الأوروبية بعدم الوفاء بالتزاماتها الواردة في الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه.
ويأتي ذلك في أجواء من التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة التي أعلنت الثلاثاء إرسال قاذفات بي-52 إلى الخليج، فيما اتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو طهران خلال زيارة مفاجئة إلى بغداد الثلاثاء بالتحضير “لهجمات ” ضد القوات الأميركية.
وأعلن المجلس الأعلى للأمن القومي في بيان نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن إيران أوقفت اعتبارا الحد من مخزونها من المياه الثقيلة واليورانيوم المخصب والذي كانت تعهدت به بموجب الاتفاق النووي، وفرض قيودا على أنشطتها النووية.
والاتفاق النووي الذي صادق عليه مجلس الأمن في قرار، أتاح لإيران الحصول على رفع جزئي للعقوبات الدولية المفروضة عليها. وفي المقابل وافقت إيران على الحد بشكل كبير من أنشطتها النووية وتعهدت بعدم السعي إلى امتلاك السلاح الذري، لكن الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق قبل سنة، أعادت فرض عقوبات على طهران ما أضر باقتصاد البلاد وبالعلاقات التجارية بين إيران والدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.
وكانت طهران حدت في هذا الإطار مخزونها من المياه الثقيلة بـ130 طنا كحد أقصى واحتياطها من اليورانيوم المخصب بـ300 كلغ وعدلت عن تخصيب اليورانيوم بدرجات تفوق 3.67 بالمئة.
وأعلنت فرنسا إثر ذلك أنها لا تستبعد فرض عقوبات على إيران، وذلك بعد إعلان الأخيرة خروجها جزئيا من الاتفاق النووي الدولي.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، ردا على سؤال عن احتمال فرض أوروبا عقوبات على إيران في حالة عدم وفاء إيران بالتزاماتها “ربما كان ذلك أحد الأشياء التي ستناقش”.
وأكدت الوزيرة أن فرنسا تعتزم التمسك بالاتفاق مع إيران، وقالت إنه عند النظر لسياسة “استعراض القوة التي تقوم بها الولايات المتحدة، فلن يكون هناك شيء أسوأ من أن تدير إيران ظهرها للاتفاق”.
وحضت ألمانيا بدورها إيران على الالتزام بالاتفاق النووي، داعية إياها إلى عدم إثارة المشكلات. وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن الحكومة الألمانية قلقة من إعلان إيران أنها ستقلص القيود المفروضة على برنامجها النووي، مضيفا أنه يجب تجنب أي إجراء من شأنه تهديد استقرار المنطقة.
ولا تنتهك الخطوات التي أعلنتها إيران حتى الآن الاتفاق المبرم مع القوى العالمية، لكن طهران هددت باتخاذ خطوات أخرى إذا لم توفر لها الدول الموقعة على الاتفاق حماية من العقوبات الأميركية.
وقال ماس “نشدد على موقفنا بأننا نريد الالتزام بالاتفاق وخصوصا لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي”، مؤكدا أن الاتفاق مهم لأمن ألمانيا وأوروبا.
وعبر الوزير الألماني في المقابل عن قلقه من أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة بالقول “ترى هل أن البرنامج الصاروخي لطهران يتسم بدرجة عالية من الإشكالية؟”.
إيران
وأكدت بريطانيا أن إيران ستواجه عواقب إذا تراجعت عن اتفاقها النووي مع القوى العالمية المبرم عام 2015.
وقال مارك فيلد وزير الدولة بوزارة الخارجية أمام البرلمان البريطاني “إعلان طهران اليوم، خطوة غير مرحب بها”. وأضاف “لا نتحدث في هذه المرحلة عن إعادة فرض العقوبات، ولكن يجب أن نتذكر أنه تم رفعها مقابل القيود النووية”.
ورغم ما تبديه الدول الأوروبية من دعم للملف النووي الإيراني ومن تفهم متعلق بانفتاحها على السوق الإيرانية، إلا أن حساباتها تتجه للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة بخصوص خطورة الأنشطة الباليستية الإيرانية. ويرى مراقبون أنّ مساعي طهران لتوظيف الخلاف التجاري بين واشنطن وأوروبا لإحداث اختراق في المواقف قد فشلت بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرا عقوبات جديدة عليها بسبب برنامجها الصاروخي.
وفشلت إيران في توظيف الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا لخدمة ملفها النووي وفصله عن برنامجها الصاروخي، حيث يبدو الموقف الأوروبي بخصوص أنشطتها الباليستية أكثر تأييدا لموقف واشنطن.
ويرى مراقبون أن تمسّك الطرف الأوروبي بالاتفاق النووي الإيراني لا يحجب مخاوفه من أنشطتها الباليستية والمزعزعة لاستقرار المنطقة وحتى داخل بلدان الاتحاد، بعد توجيه التهم للاستخبارات الإيرانية بتنفيذ اغتيالات في كل من فرنسا والدنمارك وهولندا، ما يقرّب الموقف الأوروبي أكثر فأكثر من الموقف الأميركي الذي بدا معزولا في بداية المطاف.
العرب