وسط خطط أمنية قاصرة وأحكام قانونية غير رادعة، تسجَّل جرائم مختلفة في العراق، ولا سيّما أنّ الأوضاع الأمنية غير مستقرّة هناك.
في ظل ارتفاع وتيرة الجريمة المنظمة في العراق، شهدت العاصمة بغداد وعدد من مدن المحافظات العراقية في الفترة الأخيرة، نشاطاً واضحاً لما تُسمّى “عصابات التأجير” التي تنفّذ جرائم مختلفة في مقابل مبالغ مالية، مع ما تمثّله تلك العصابات من خطر كبير على المجتمع العراقي، في حين تحاول الجهات الأمنية السيطرة عليها. ويشير في السياق خبراء عراقيون إلى ضعف الإجراءات الأمنية، وعدم قدرة الأجهزة المعنية على الحدّ من نشاطها الإجرامي. و”عصابات التأجير” مصطلح معروف في البلاد، يُطلق على عصابات ليست لها أجندات واضحة ضدّ جهة معيّنة، إنّما تعمل لقاء بدلات مالية فتنفّذ جرائم مختلفة من قتل وخطف وتهديد، علماً أنّ لكلّ جريمة ثمنها.
يفيد ضابط رفيع المستوى “العربي الجديد”، مفضلاً عدم الكشف عن هويّته، بأنّ “نشاطاً واضحاً لعصابات التأجير سُجّل في الفترة الأخيرة”، مشيراً إلى أنّ “تلك العصابات تعمل في معظم المحافظات وخصوصاً بغداد، بالإضافة إلى عدد من المحافظات الجنوبية”. يضيف الضابط نفسه أنّه “لا إحصاءات رسمية حول عدد تلك العصابات ولا عدد جرائمها، لكنّ نشاطها راح يتصاعد أخيراً، مع تسجيل حوادث بوتيرة يومية تقريباً”، مؤكداً أنّ “الجهات الأمنية تتتبّع تلك العصابات، وقد تمكّنت من إلقاء القبض على عدد من أفرادها وأحالتهم على التحقيق، فيما صدرت أحكام مختلفة بحقّ عدد منهم بحسب الجريمة المنفّذة، وصل بعضها إلى حدّ الإعدام”.
وتعمل تلك العصابات في المدن متستّرة بواجهات تجارية، كمحالّ صغيرة ومكاتب مختلفة متخصصة بأعمال معيّنة. ويقول مصدر حكومي لـ”العربي الجديد” في السياق، إنّ “تلك الواجهات التجارية تحصل من خلالها العصابات على عروض إجرامية، وتجري فيها اتفاقاتها مع الجهة المستفيدة من الجريمة”، موضحاً أنّ “تلك العصابات تعمل وفق مفهوم السماسرة والوسطاء، من خلال المحالّ والمكاتب التجارية، بينما يؤدّي الوسطاء دور حلقات وصل بينها وبين من يرغب في تنفيذ جريمة معيّنة”. ويشير المصدر نفسه إلى أنّ “ثمّة قدرة لدى العصابات على تنفيذ الجرائم بطريقة محكمة في معظم المحافظات”، مضيفاً أنّه “لا وجود لتسعيرة محدّدة للجرائم، بل يُتفق عليها بحسب الاتفاقات المبرمة مع الجهات المستفيدة”.
يشدّد قانونيون عراقيون على ضرورة أن تكون الأحكام الصادرة بحقّ تلك العصابات مشددة، وأن تشمل الجهات أو الأشخاص الذين تعاملوا معها لتنفيذ الجرائم. فيقول المحامي عبد الله الدليمي لـ”العربي الجديد”، إنّ “وجود تلك العصابات سبب لآلاف الجرائم في البلاد، ومن يلجأ إليها مواطنون ليست لهم أيّ ارتباطات أخرى ولا يستطيعون تنفيذ الجرائم بأنفسهم”، موضحاً أنّ الأمر “يتطلّب أحكاماً مشدّدة تكون رادعة لكلّ من يريد تشكيل عصابة تأجير، ومن يلجأ للاستعانة بها”. ويؤكد الدليمي “وجوب معاقبة كلّ من يتعامل معها، وكذلك الوسطاء الذين يرشدون هؤلاء المتعاملين إليها بأشدّ العقوبات”. في السياق، كانت محكمة جنايات محافظة ذي قار (جنوب)، قد أصدرت قبل أيام حكماً يقضي بإعدام شخصَين نفّذا جريمة مقابل مبلغ مالي. وأكّدت المحكمة في بيان صحافي أنّ “المجرمين قاما باستدراج شخص وقتله”، من دون أيّ إشارة إلى الشخص الذي استأجر العصابة ودفع لها المال.
وينتقد خبراء عراقيون ضعف الجانب الأمني، وعدم توفّر قواعد وبيانات منظّمة يتحرّك رجال الأمن استناداً إليها، بهدف الحدّ من نشاط تلك العصابات. فيقول العميد المتقاعد سعد العزاوي، الذي عمل في مكاتب أمنية وتسلّم مسؤوليات عديدة قبل غزو العراق عام 2003 لـ”العربي الجديد”، إنّ “التحرّك الأمني للسيطرة على الجريمة المنظمة في البلاد ضعيف للغاية، وليس بمستوى الإجرام وعصاباته المتنفّذة”. ويشرح أنّ “أجهزة الأمن كانت تتحرّك قبل عام 2003 وفق قاعدة بيانات مناطقية، وقد قسّمت إلى وحدات صغيرة يشرف على كلّ واحدة منها مسؤول، فيما يرتبط مسؤولو تلك الوحدات بضابط أمن المنطقة، علماً أن هذا التقسيم شمل كل المحافظات”. يضيف العزاوي، أنّ “الوحدات كانت تعمل على التعرّف إلى كل أهالي المنطقة التي تقع ضمن نطاق عملها، ولا سيّما ما يتعلّق بمهنهم ومواردهم المالية، في حين يخضع الوافدون إلى تلك المناطق لمراقبة مشدّدة”.
ويؤكد العزاوي أنّ “ذلك النسق الأمني ضبط الملفّ بصورة محكمة، ونجح في رصد الجرائم قبل وقوعها”، لافتاً إلى أنّ “تحركات القوى الأمنية اليوم تأتي عشوائية، وتستند فقط إلى البلاغ الذي تتلقاه. من ثم لا تستطيع تلافي الجريمة قبل وقوعها، ولا سيّما أنّ البلاغات تصلها متأخّرة بعد هرب المجرمين”. ويشدّد على “أهمية توفير قاعدة بيانات منظمة مناطقياً، وإعادة النظر في الخطط الأمنية بطريقة شاملة للحدّ من نشاط تلك العصابات”.
العربي الجديد