ثلاث قمم في مكة تستهدف ترتيب الأولويات في المنطقة

ثلاث قمم في مكة تستهدف ترتيب الأولويات في المنطقة

مكّة المكرمة – كثفت المملكة العربية السعودية تحركاتها السياسية، تمهيدا لإعادة ترتيب الأولويات الخليجية والعربية والإسلامية على قاعدة معادلات جديدة أملتها مسارات طارئة تزدحم بتحديات تراكمت حتى تحولت إلى تهديدات جدية باتت تستدعي مقاربات بإضافات نوعية.

وأخذت تلك التحركات نسقا مُتسارعا على وقع التحولات التي تشي بمتغيرات لاحقة قد تعصف بمنظومة التوازن التي تحكم المشهد الإقليمي بحيث لن تنتهي عند المتغيّر في العلاقة بين مكونات دول الخليج وإيران، وحالات الشك والريبة التي تُحيط بها، بل تتجاوز ذلك لصياغة مشهد جديد بأبعاد دولية.

وتندرج القمم الثلاث التي تستضيفها مكة المكرمة في نهاية الشهر الجاري، في سياق هذه التحركات التي تسعى السعودية من خلالها إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي وفقا لحجم تلك التهديدات التي تجاوزت الكثير من الخطوط التي كانت حتى وقت قريب ترسم الحد الأدنى من الاستقرار في المنطقة.

وكانت المملكة العربية السعودية قد دعت في وقت سابق إلى عقد قمة إسلامية، وأخرى عربية طارئة، وثالثة خليجية في مدينة مكة المكرمة، يُنتظر أن يُشارك فيها أكثر من 57 رئيس دولة، بحسب فهد بن حسن آل عقران، رئيس اللجنة الإعلامية للقمم الثلاث.

وقال في تصريحات للصحافيين إن هذه القمم الثلاث سيُتابع أعمالها نحو 390 إعلاميا وصحافيا من مختلف دول العالم، و59 قناة تلفزيونية عالمية، وذلك في إطار الجهود المبذولة “لتحقيق تغطية إعلامية غير مسبوقة، ترتقي إلى حجم هذا الحدث” الذي وصفه بـ“العالمي”.

وتكتسي هذه القمم الثلاث أهمية استثنائية بالنظر إلى توقيتها الذي يأتي وسط تطورات ساخنة تباينت فيها التكهنات حول مسارها التصاعدي سياسيا وأمنيا، وحول ما ستُفرزه من سيناريوهات، بعد أن تأكد بما يدع مجالا للشك أن إيران ليست في وارد التعقل بعد أن رمت بكل الأوراق السياسية خارج الحسابات الراهنة.

وتُشير كل الدلائل الميدانية إلى أن إيران التي فقدت القدرة على التحكم في هذه التطورات المُتسارعة، ما زالت تُحاول كسب الوقت من خلال الدفع بالأمور إلى حائط مسدود، علّها بذلك تُعيد المواجهة المُرتقبة إلى مربع الاشتباك السياسي.

وقالت بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، التي انتقلت من تونس إلى مكة المكرمة لمتابعة هذه القمم، إن انعقاد القمم الثلاث في مكة، وبهذا التوقيت، يعكس حجم التحدي والرهانات التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية في خضم التحولات الجيواستراتجية، و الصراعات القائمة حول التموقع وقيادة المنطقة.

واعتبرت في تصريح لـ“العرب” أن إيران “تريد أن تتموقع لتُهيمن على المنطقة كقوة إقليمية، مُستخدمة في ذلك أدوات بالوكالة كالحشد الشعبي والحوثيين وغيرهم، تماما مثل تركيا التي تريد بدورها الهيمنة على المنطقة عبر تنظيمات الإخوان المسلمين التي حولتها إلى أذرع لها”.

وتُعد قمة مكة الطارئة التي ستُعقد في سياق الحراك السياسي السعودي المذكور، الأولى منذ 19 عاما، بعد قمة القاهرة عام 2000، فيما تسجل رقم 14 في تاريخ القمم العربية الطارئة، والثانية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية. واعتبر المحلل السياسي العراقي، باسم الشيخ، أن هذه القمة “ذات دلالة هامة وتأتي في وقت حرج تمر به المنطقة العربية”، لافتا إلى أنها بادرة “تؤكد دور المملكة العربية السعودية تجاه القضايا العربية لاحتواء تداعيات الأحداث الأخيرة قبل أن تنفلت الأمور”.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على “أن هذه القمم الثلاث تُعد بتوقيتها رسالة مهمة لجميع أطراف الصراع تفيد بأن خلق الأزمات لن يورث الإنسانية إلا المزيد من المعاناة، وتعقيد إيجاد الحلول”.

وستجمع هذه القمّة القادة العرب حول هدف رئيسي وهو التصدي للاستفزازات الإيرانية وما تحمله من مخاطر مباشرة، وأخرى عبر أدوات وظيفية، أصبحت تُهدد بتقويض أسس وأركان الأمن القومي، ليس فقط من خلال إطلاق الصواريخ نحو دول الخليج العربي، وإنّما أيضا من خلال تهديد مصالح غالبية الدول العربية الأخرى من الخليج إلى المغرب العربي.

ويُدرك قادة الدول العربية أبعاد تلك التهديدات، وما تستدعيه من ضرورة العمل على تغيير المعادلات السياسية الراهنة، حيث تضج الكواليس المرافقة لهذه القمة بالكثير من الاتصالات والمشاورات، التي تزداد وترتفع وتيرتها، لبلورة موقف عربي موحد يقطع مع حالة الارتباك الراهنة في التعاطي مع الخطر الإيراني.

وبالتوازي مع ذلك، ستُركز القمة الخليجية الطارئة على سبل معالجة اهتزاز البيت الخليجي بسبب الموقف القطري، الذي فتح الباب أمام إيران وغيرها من الدول الأخرى، وخاصة تركيا، لاختراق منظومة العمل في منطقة الخليج العربي بأبعادها السياسية والأمنية والعسكرية. ويُنتظر ألا تخرج مداولات القمة الإسلامية العادية في دورتها الرابعة عشرة التي ستُعقد في مكة المُكرمة تحت شعار “يدا بيد نحو المستقبل”، عن سياق هذا الملف الشائك، وبالتالي الخروج بموقف واضح في مواجهة تلك التهديدات، بما يُجسد التكامل السياسي بين الدول الإسلامية والعربية.

وعلى هذا الأساس، يُرجح المُراقبون أن يأخذ قادة الدول العربية والإسلامية في حسابات مداولاتهم ونقاشاتهم خلال هذه القمم الثلاث، كل ما تقتضيه التحديات الماثلة من حزم وتصميم للتصدي لها، وبالتالي توجيه رسائل واضحة تفيد بضرورة العمل من أجل دفع إيران إلى تغيير سلوكها بما يُوقف تهديداتها وممارساتها الاستفزازية.

العرب