زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى قطر في هذا الظرف المتوتّر أثارت الأسئلة بشأن ما يمكن أن تجده بغداد الفزعة والمرتبكة إزاء التطورات المتسارعة في المنطقة لدى الدوحة المعزولة عن محيطها القريب، من إضافة لجهود الوساطة التي تقول الحكومة العراقية إنّها تبذلها لنزع فتيل نزاع عسكري محتمل في المنطقة.
الدوحة – شملت الجهود التي تقول بغداد إنّها تبذلها لنزع فتيل صدام محتمل في المنطقة على خلفية التوتّر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة، تحرّك حكومة عادل عبدالمهدي باتجاه قطر، التي تصفها دوائر عربية وخليجية بأنّها غير مؤهّلة للقيام بأي دور في ملفّ بمثل هذا التعقيد نظرا لانعدام وزنها الدبلوماسي وعزلتها في محيطها القريب، فضلا عن علاقتها الشائكة بكلّ من طهران وواشنطن حيث تحاول الدوحة التوازن بين الطرفين المتضادّين.
وشملت محادثات عبدالمهدي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأربعاء في الدوحة “مسائل ثنائية إضافة إلى التطورات الإقليمية”، في إشارة إلى تصاعد التوتّر وتزايد التراشق الإيراني الأميركي.
ويقول المشكّكون في فعالية “الوساطة” التي تريد بغداد إجراءها، إنّ محاولة عبدالمهدي الاستعانة بقطر ليست سوى دليل ارتباك وذعر من تبعات الصدام المسلّح المحتمل تفجّره والذي سيجد العراق نفسه طرفا فيه وقد تدور فصول منه داخل أراضيه إذا فكّرت طهران في استخدام الميليشيات العراقية الموالية لها ضدّ القوات والمصالح الأميركية في العراق.
وحاولت بغداد أن تتحرك بسرعة خلال الأيام القليلة الماضية على الصعيدين الداخلي والخارجي لتقديم إسهامها في عملية نزع فتيل التوتر في المنطقة.
وبينما أسهم الانقسام السياسي الداخلي في إضفاء الكثير من الضبابية على الموقف العراقي إزاء الأزمة، لم يسفر الحراك الخارجي المستعجل عن نتائج واضحة، بالرغم من الزيارات المكوكية لرئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، مع دخول رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على خط الراغبين بالمشاركة في الوساطة، عبر زيارة قريبة إلى إيران.
ويقول نواب في البرلمان العراقي لـ”العرب”، إن “تنافس المواقع السياسية في العراق، على مختلف الملفات، لن يسمح لأي منها بإحراز نجاح، وهو ما بدا جليا في ملف الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران”. ففضلا عن إعلان كل من واشنطن وطهران أنهما ليستا بحاجة إلى وساطة من بغداد، يبدو العراق في الأساس عاجزا عن بدء وساطة مؤثرة.
ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي حاول في قطر، التي وصل إليها مساء الأربعاء في زيارة قصيرة، أن يجد ما لم يجده لدى الدول الأخرى التي زارها مؤخرا.
ويأخذ مراقبون على الساسة العراقيين اهتمامهم المبالغ فيه بالعلاقات مع قطر، بالرغم من مواقفها الملتبسة إزاء قضايا الإرهاب والتطرف التي دفع العراق بسببها ثمنا باهظا طيلة سنوات.
أطراف شيعية عراقية تحولت من الهجوم على قطر إلى خدمتها طمعا في التمويل واستجابة للتحول في علاقة الدوحة بطهران
ولا يرتبط العراق بحدود مع قطر، ولا يشكل التبادل التجاري بينهما ثقلا يذكر في الميزان التجاري، فيما يبدو التمثيل الدبلوماسي بين البلدين تقليديا.
لكن الحزب الإسلامي العراقي، الفرع العراقي لجماعة الإخوان، ينظر إلى الدوحة بوصفها عاصمة لـ”الجماعة”.
وعمليا يبدو أن الإسهام القطري الأوضح حتى الآن في الشأن العراقي يتمثل في الملايين من الدولارات التي قدمتها الدوحة لزعماء ميليشيات مقربين من إيران للإفراج عن رعاياها الذين اختطفوا أواخر سنة 2015 بجنوب العراق ومن بينهم أعضاء بالأسرة الحاكمة ما يفسر “السخاء” القطري الكبير في دفع الأموال لأجل تحريرهم ما ورّط الدوحة مجدّدا في عملية تمويل للإرهاب أضيفت لسجّلها الثقيل في هذا المجال.
ويسجّل متابعون للشأن العراقي حدوث تحوّل في علاقات قطر بالميليشيات والأحزاب الشيعية في العراق، تبعا للتطور الذي حدث في علاقات الدوحة بطهران.
ويقول هؤلاء إنّ زعماء شيعة نافذين أصبحوا يتلقّون تمويلات من قطر، خصوصا وقد تناقص تمويلهم من قبل إيران بحكم المصاعب المالية والاقتصادية التي تواجهها بفعل العقوبات الأميركية الشديدة الممفروضة عليها.
ويلمس التحوّل في علاقة قطر بالميليشيات والأحزاب الشيعية العراقية في تحوّل الآلة الدعائية لتلك الأطراف من الهجوم المستمر على قطر واتهامها بدعم الإرهاب وتمويل المشاريع الانفصالية في العراق، إلى الدفاع غير المباشر عن مواقف الدوحة.
ويقول مراقب عراقي إنّ قطر دأبت منذ سنوات على تمويل الأحزاب والشخصيات السنية المرتبطة بنظام المحاصصة والتي تملك علاقات خفية بإيران.
ولم يكن القيام بذلك الدور سوى نوع من الغطاء على ما كانت تقدمه الدوحة من هبات إلى ميليشيات وأحزاب وشخصيات شيعية، كانت تفضل ألا تُظهر أمر ذلك التمويل إلى العلن بسبب ما كان رائجا في الأوساط الشعبية من نقد حادّ موجه إلى قطر.
ويضيف ذات المتحدّث “أما اليوم وبعدما انهارت علنا أسباب الاختلاف بين أتباع إيران ومستخدَمي الدوحة فإن الجميع صار يتوجه إلى قطر باعتبارها الدولة المانحة التي يمكن تضليلها وخداعها بيسر. وهي بالتأكيد ليست كذلك. فما لا يدركه السياسيون العراقيون أن الدوحة عن طريق هباتها التي تبدو كما لو أنها مجانية، إنما تقوم بدور موكول لها من أجل الحفاظ على القاعدة التي يقوم عليها نظام المحاصصة الطائفية، من خلال تمويل قادة المشروع الطائفي، سنّة وشيعة، بالمال الذي يغريهم بالاستمرار في ظل نقص التمويل الإيراني أو غيابه”.
العرب