رغم أن الوقت اللازم لبلوغه منزله لا يستغرق سوى دقائق، إلا أن إغلاق إسرائيل للبوابة الحديدية على مدخل قريته “دير نظام” وسط الضفة الغربية المحتلة، يجعل رحلته تمتد لنحو ساعتين.
فبعد يوم عمل شاق، كان التميمي (47 عاما) يقود مركبته عائدا إلى منزله، ليتفاجأ بإغلاق الجيش الإسرائيلي البوابة الحديدية المنصوبة على مدخل القرية، الأمر الذي اضطره لاتخاذ طريق بديلة طويلة، مرورا عبر قرى أخرى، لبلوغ مدخل ترابي ينتهي به في قريته.
سجن كبير
وقال التميمي إنّ لقرية دير نظام ثلاثة مداخل رئيسية، وآخر ترابي لكنه وعر، وإسرائيل نصبت بوابتين حديديتين على مدخلين منها، وهما مغلقان معظم الوقت، إلى جانب برج عسكري وحاجز على المدخل الثالث.
وأضاف التميمي وهو مدير مدرسة دير نظام الثانوية، أن “القرية تحولت إلى سجن كبير، وفي حالات الإغلاق، يصيب الحياة في القرية شلل تام، كما يلقي ذلك بتداعياته على المدرسة”.
وبإغلاق البوابة، يتابع، يضطر سكان لسلط طرق التفافية تمر عبر قرى أخرى تضاعف المعاناة والمسافة وتكلفة السفر أيضا، وبدلا من 3 كيلومترات تصبح المسافة 40″.
وأردف قائلا: “معظم الأساتذة هم من خارج القرية، وفي وقت الإغلاق وعدم تمكنهم من الوصول تتعطل الدراسة تقريبا، أو يتم اختصار الحصص المدرسية”.
وفي مارس/ آذار الماضي، بقيت القرية لمدة أسبوع كامل شبيهة بسجن مفتوح، حيث لم تتمكن أي سيارة من دخولها أو مغادرتها، ما انعكس بشكل كبير على حياة السكان.
وشدد التميمي على أن لهذا التضييق أهداف عدة، بينها العقاب الجماعي للأهالي، وردعهم عن أي مقاومة للاحتلال، ودفعهم للهجرة من أراضيهم.
معاناة جراء البوابات
ولا تعتبر “دير نظام” القرية الوحيدة التي تواجه مثل هذه العراقيل، فذات المعاناة تتكبدها مناطق فلسطينية عدة بالضفة الغربية، في ظل نصب الجيش الإسرائيلي نحو 165 بوابة حديدية على مداخل القرى والمدن، وعلى الطرق الواصلة بينها، نصفها مغلق في الأحوال العادية، وفق تقرير أصدره مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة “أوتشا”.
المعاناة تتكبدها مناطق فلسطينية عدة في الضفة الغربية، في ظل نصب جيش الاحتلال نحو 165 بوابة حديدية على مداخل القرى والمدن، وعلى الطرق الواصلة بينها
وسجل التقرير الصادر في 8 أكتوبر/ تشرين أول 2018، وجود 705 عوائق دائمة (حواجز أو بوابات أو سواتر ترابية) في مختلف أنحاء الضفة الغربية، تقيّد حركة المركبات والمشاة الفلسطينيين.
وفي 2017، أشارت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية، أن “341 حالة شهدت فرض القيود على الوصول على الحواجز المقامة في الضفة الغربية، في زيادة كبيرة بالمقارنة مع العام السابق (131 حالة)”.
أدوات قمع وتضييق
وفي مخيم “الفوار” للاجئين قرب الخليل، جنوبي الضفة، حاولت هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، قبل شهور، التدخل بلا جدوى، لدى السلطات الإسرائيلية، لـ”إنقاذ” مراسم زواج بالمخيم، بعد إغلاق الجيش البوابة الحديدية، ومنع المركبات أو المارين من اجتيازها.
زيدان خلاّف من المخيم، هو والد العرسان الثلاثة، بينما زوجاتهم كنّ من خارج المخيم، قال إن مراسم الفرح كادت أن تلغى بعد إغلاق الجيش الإسرائيلي البوابة المنصوبة على مدخل المخيم، قبل حفلة العرس بيوم واحد.
ولفت خلاف إلى أنّ “إغلاق البوابة أعاقنا بشكل كبير في إكمال الترتيبات المتعلقة بصالون التجميل، والوصول لصالة العرس، ودخول الضيوف، وكذلك إحضار الهدايا وغير ذلك”.
وتابع: “كان البديل لدينا هو تأجيل الحفلة، أو استخدام طرق جبلية وعرة من أجل الانتقال إلى مدينة الخليل لاستكمال المراسم، لكن أصررنا على مواجهة الاحتلال، حتى لا يحرمنا الاحتفال والبهجة”.
واعتبر أنه “لم يكن هناك أي مبرر لدى الاحتلال لإغلاق البوابة، كانت الأمور هادئة تقريبا، لكن الهدف هو التنغيص علينا وحرماننا من الفرحة”.
وبلهجة متحدية، مضى يقول: “حتى لو أغلقوا علينا كل الطرق والممرات، فسنجد مسالك جديدة لنعيش حياتنا، ونستمر في الصمود على أرضنا”.
من جانبه، أشار رئيس هيئة شؤون الجدار الفلسطينية، وليد عساف، إلى أن تلك البوابات والحواجز تستخدم أداة من أدوات قمع الشعب، والتضييق عليه ومحاصرته.
وأضاف أن “الحواجز والبوابات تقسم الضفة إلى 100 كانتون (جزء)، وهدفها تعميم نظام الفصل العنصري والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مترابطة”.
وأوضح أن جزءا من تلك الحواجز يستخدم للتضييق على تحركات الناس، وتكون مغلقة بشكل دائم، وجزء آخر مرتبط بالحالة الأمنية لدى الاحتلال”.
وأكّد أن “كل القرى التي لها مدخل على شارع يسلكه المستوطنون، جرى نصب بوابة أو حاجز عليه، ويتكرر إغلاقه”.
مزاعم واهية
ووفق عساف، فإن “هناك حواجز وبوابات تستخدم لفصل منطقة الأغوار وشرق الضفة الغربية وعزلها، وأخرى لفصل شمال الضفة عن جنوبها، إلى جانب عزل القرى داخل المدينة الواحدة”.
أما وليد وهدان، مدير الإعلام في هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، فأشار أن “الهيئة (حكومية) نجحت عبر التواصل مع الجانب الإسرائيلي، في فتح عدد من الحواجز، وإزالة بعض البوابات الحديدية”.
وأوضح أن “الجيش الإسرائيلي يسوق ذرائع أمنية لتبرير الإغلاق، أو نصب بوابات حديدية جديدة”.
ولفت إلى أن الجيش يقول إن قواته تعرضت لإلقاء حجارة أو زجاجات فارغة في المنطقة التي يجري فيها نصب بوابة وإغلاقها معظم الوقت.
وأردف: “هناك مزاعم إسرائيلية دائمة بالتعرض لإلقاء الحجارة في مناطق بورين والساوية (جنوب نابلس)، ومخيم العروب (شمال الخليل)، ودير نظام (شمال غرب رام الله)”.
وشدد وهدان على وجود تضييقات إسرائيلية إضافية، بالسنوات الأخيرة، على حركة الفلسطينيين، معتبرا أن ذلك أدى لخنق حياة الفلسطينيين اجتماعيا واقتصاديا، ومنع التواصل بين المواطنين ومراكز المدن.