التوتر بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر يهدد التسوية في لبنان

التوتر بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر يهدد التسوية في لبنان

التسوية في لبنان باتت على المحك على ضوء استمرار استفزازات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ومحاولاته إحراج تيار المستقبل، ورئيس الوزراء سعد الحريري الذي التزم الصمت، فيما تولى المقربون الرد.

بيروت – تمر العلاقة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر في الفترة الأخيرة بمطبات كثيرة، وسط خشية من تأثيراتها على التسوية السياسية في لبنان، خاصة مع بروز أصوات تدعو إلى إعادة النظر فيها.

وتقول دوائر سياسية لبنانية إن رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل يتحمل المسؤولية الأساس في التوتر المتصاعد بسبب تصريحاته الأخيرة ومساعيه لفرض تغييرات في أجهزة الدولة بما يضمن له ولحزبه السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة اللبنانية، دون أن يقيم وزنا للتوازنات القائمة، والتي شكلت على علاتها حائط صد لعدم جر لبنان مجددا إلى مربع اللاستقرار.

وتشير الأوساط إلى أن باسيل يحاول الاستثمار في حاجة رئيس الوزراء سعد الحريري إلى استمرار التسوية السياسية، لحشره في الزاوية وإحراجه أمام أنصاره، بغية الحصول على المزيد من المكاسب، الأمر الذي لم يعد من الممكن السكوت عنه.

وفي خطوة مثيرة شن باسيل مؤخرا هجوما على ما أسماها بالسُّنية السياسية التي قال إنها جاءت على جثث المارونية السياسية في إشارة إلى اتفاق الطائف الذي تم إبرامه في العام 1989 لإنهاء حرب أهلية دامية اندلعت في سبعينات القرن الماضي.

ومعلوم أن التيار الوطني الحر يرى في الطائف استنقاصا لحقوق المسيحيين ويراهن على إضعاف الاتفاق عبر خلق أعراف جديدة تقوّضه، فعلى سبيل المثال لا الحصر تمسكه بالحصول على الثلث المعطل خلال تشكيل الحكومة الأخيرة بما يسمح له أن يكون صاحب اليد الطولى في الحكومة.

تقول الدوائر السياسية إن باسيل يحاول استغلال وجود الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا لتعزيز نفوذه في السلطة،

وواصل باسيل هجومه الأحد خلال لقاء شعبي قائلا “أمامنا ‘عصفورية’ (يقصد مستشفى للأمراض عقلية) جنت، ولا يمكنهم أن يبتزونا بشيء وسنقوم بمشكلة مع كل من يحاول مد يده علينا وعلى البلد وكلما تكاثروا سنكون أكثر وكلما صاروا أقوياء سنكون أقوى”.

ولفت في رد على دعاة إنهاء التسوية الحالية “لا أحب كلمة تسوية فاليوم هناك تفاهم أساسه الاعتراف بالآخر وبشرعيته التمثيلية وهناك منزعجون لوجود عهد قوي ومن عودة بعبدا إلى بعبدا”، مؤكّدا أنّه “ليس ثمن الحفاظ على التفاهم هو الحفاظ على الفساد في لبنان وإذا كان هذا التفاهم مقصرا في شيء اليوم فهو ضرب الفساد أكثر”.

وأضاف “نحن نريد تفاهم الأقوياء، وهذه هي الشراكة الحقيقية في البلد، وليس من أجل أن يغطوا الفساد بل أن يكشفوا من يضعف البلد ويكشفوا الفساد، ونحن لا نقبل إلا أن يكون شريكنا قويا لكن كل فترة المتضررون يهجمون”.

وكان لتصريحات باسيل المتتالية وقع الصدمة على تيار المستقبل الذي كان لوقت قريب ينتهج سياسة مرنة في التعاطي مع “شطحات” رئيس التيار الوطني الحر واستفزازاته، ما دفع ببعض قيادات تيار المستقبل على غرار وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق إلى الرد بقوة من خلال الدعوة إلى ضرورة إعادة النظر في التحالفات الحالية المكلفة.

كما انتفض عدد من الشخصيات السنية التي اعتبرت أن ما جاء على لسان رئيس التيار الوطني الحر بشأن السنية السياسية يعكس وجود تمش لاستهداف كامل الطائفة وحقوقها، وقال وزير العدل الأسبق أشرف ريفي لباسيل دون أن يذكره “لست من المارونية السياسية بل أنت ابن الاستزلام السياسي لدويلة السلاح. تطلّ علينا من باخرة العمولات وتحاضر بمكافحة الفساد. تُسقط حكومة سعد الحريري بأمر من حزب الله وتحاضر بالميثاقية والشراكة. تتفاخر بكونك ضد الميليشيات وتأتمر بأجندة السلاح. عهد الشعبوية الممزوج بالتبعية حتى خراب لبنان”.

وفي تصريح آخر قال ريفي “أعتقد أن لبنان قد اختنق جرّاء التسوية الرئاسية. هذه التسوية التي تكاد تضعه بشكل كامل في حضن إيران”.

وتقول الدوائر السياسية إن باسيل يحاول استغلال وجود الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا لتعزيز نفوذه في السلطة، حيث يطمح الرجل إلى خلافة الأخير في قصر بعبدا، ويرى بأن التمايز عن باقي الطيف السياسي، واعتماد نهج شعبوي، مع التركيز على فرض مسؤولين موالين له في أجهزة الدولة قد يكون التوليفة التي ستقوده إلى تحقيق طموحه السياسي.

وتشير الدوائر إلى إن مساعي باسيل لفرض سطوته على الحياة السياسية بدأت مع معركة قانون الانتخابات التي نجح فيها إلى حد بعيد، وترجم ذلك في حصوله على كتلة وازنة داخل البرلمان، ثم انتقل باسيل مسنودا بدعم مطلق من الرئيس عون لمعركة تشكيل الحكومة وحرص على فرض صيغة الثلث المعطل، وقد حقق مراده إلى حد كبير.

ويعتبر كثيرون أن نجاح باسيل في جل المعارك التي خاضها مرده الأيادي المرتعشة على الطرف المقابل، التي لا تزال تراهن على ذات السياسة في تعاطيها مع جموح التيار ورئيسه، وهو ما يهدد ليس فقط حقوق الطائفة السنية بل وصيغة التعايش في لبنان.

ويشير هؤلاء إلى أنه ليس من المتوقع أن يتخذ رئيس الوزراء سعد الحريري موقفا حازما حيال ما يحصل، حيث إنه يتمسك باستمرار التسوية بصيغتها الحالية، محاولا قدر الإمكان تجنب الدخول في صدام مع باسيل وهو ما يفسر صمته خلال الفترة الماضية تاركا لمدير مكتبه أحمد الحريري الرد.

العرب