حذّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال استقباله في طهران الإثنين نظيره الألماني هايكو ماس من أنّ “الحرب الاقتصادية” التي تشنّها الولايات المتحدة على بلاده قد تنعكس سلباً على “أمن” واشنطن وحلفائها، في “تهديد” سارعت الخارجية الأميركية إلى تسخيفه.
ويأتي التحذير الإيراني وسط توتر بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية فيما عبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن “قلقها ازاء تصاعد التوتر” الحالي.
وقال ظريف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ماس: “لا يمكن توقّع أن تكون هناك حرب اقتصادية جارية ضد الشعب الإيراني وأن يظلّ الذين شنّوا هذه الحرب أو يدعمونها في مأمن”.
وأضاف أن “التوتر الجديد في المنطقة هو نتيجة الحرب الاقتصادية على إيران”، في اشارة الى حملة “الضغوط القصوى” التي تشنّها الولايات المتحدة ضد إيران وخصوصاً عبر العقوبات الاقتصادية التي أعادت واشنطن فرضها على الجمهورية الاسلامية أو شدّدتها منذ 2018.
ولكن ردّ الفعل الأمريكي على تصريح ظريف لم يتأخر كثيراً، إذ اعتبرت المتحدّثة باسم الخارجية الأمريكية مورغن أورتيغاس أنّ “التهديدات” الإيرانية لن تقدّم أو تؤخّر شيئاً وأنّ الحلّ الوحيد أمام طهران هو تغيير سلوكها.
وقالت أورتيغاس: “هذا لا يثير دهشتنا (…) فإطلاق التهديدات والابتزاز النووي وترويع الدول الأخرى هو سلوك نظام طهران الثوري”.
وأضافت أنّ “الخيار السهل” أمام إيران هو “أن تتصرف كدولة طبيعية أو ترى اقتصادها ينهار”.
ولكنّ الوزير الإيراني اعتبر في مؤتمره الصحافي الذي أعقب اجتماعه بنظيره الألماني على مدى قرابة ساعة أنّ “السبيل الوحيد لخفض التوتر في المنطقة هو وقف الحرب الاقتصادية”.
ولفت ظريف إلى أنّ “ألمانيا والاتحاد الأوروبي يمكنهما لعب دور مهم لخفض هذا التوتر ونحن ندعمهما في هذا الدور”.
من جهته قال ماس: “نحن في منطقة تعاني من أوضاع خطيرة وحساسة جدا، ولا أعتقد أن تصعيد التوتر وبلوغ المراحل العسكرية هي في مصلحة الجميع، ولهذا السبب نحتاج إلى منع مثل هذا التوتر” كما أوردت وكالة الانباء الايرانية الرسمية.
وكان ماس حض في وقت سابق ايران على احترام الاتفاق النووي المبرم بينها وبين القوى الكبرى وعلى “الحفاظ على الحوار” مع أوروبا.
وفي وقت تقول إيران إن الأوروبيين ليسوا على مستوى التزاماتهم التي تعهدوا بها بموجب الاتفاق الذي أبرم في فيينا عام 2015، ذكّر ماس قبل اللقاء بأن هذا الاتفاق ينطوي “على أهمية قصوى” بالنسبة لأوروبا. وقال: “لا نريد أن تمتلك إيران أسلحة نووية”.
وأكد ماس أن ألمانيا وشركاءها الأوروبيين “بذلوا أقصى جهودهم للوفاء بالتزاماتهم” بموجب هذا الاتفاق، المهدّد منذ أن قررت الولايات المتحدة الانسحاب منه من جانب واحد في أيار/مايو 2018 وإعادة فرض سلسلة عقوبات اقتصادية على إيران.
ومنذ الانسحاب الأمريكي، لا تزال ألمانيا إلى جانب فرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين، واحدة من الدول الأطراف في هذا الاتفاق.
وبموجب بنود الاتفاق، تعهدت إيران بعدم السعي لحيازة القنبلة الذرية، ووافقت على تقليص برنامجها النووي بشكل كبير، مقابل رفع جزء من العقوبات الاقتصادية الدولية التي تخنق اقتصادها.
لكن بعد انسحاب واشنطن، هددت إيران في ايار/مايو بالخروج تدريجيا من هذا الاتفاق ما لم يساعدها شركاؤها، ولا سيما الأوروبيين، في الالتفاف على العقوبات الأمريكية.
وأمهلت الجمهورية الإسلامية الأوروبيين والصينيين والروس شهرين “لتفعيل التزاماتهم خصوصاً في قطاعي النفط والمصارف”.
وتجعل العقوبات الأمريكية عمليا أبسط معاملة دولية مع مصرف إيراني مستحيلةً وتهدف تدابير اتخذتها واشنطن مؤخراً إلى منع إيران نهائياً من تصدير نفطها الذي يعدّ أول مصدر لإيرادات الدول.
وفي حال لم تحصل إيران على استجابة مرضية من شركائها بحلول الثامن من تموز/يوليو، هدّدت بوقف بعض التزاماتها ضمن الاتفاق بشأن “مستوى تخصيب اليورانيوم” وباستئناف مشروعها بناء مفاعل للمياه الثقيلة في آراك (وسط) الذي أوقف العمل به تطبيقاً لاتفاق فيينا”.
والاثنين، أعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها إزاء “تصاعد التوترات”.
وقال المدير العام للوكالة يوكيا أمانو “آمل في إيجاد طرق لخفض التوترات الحالية من خلال الحوار”.
وأكد للصحافيين أن “معدل إنتاج (إيران من اليورانيوم) يزداد” دون تحديد نسبة ذلك.
من جهته، علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان: “لن نسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية تهدد وجودنا وتشكل خطراً على العالم بأسره”.
وفيما منعت الشركات الأوروبية الكبيرة من إقامة أدنى علاقة تجارية مع إيران جراء الطابع العابر للحدود للعقوبات الأمريكية، بدا الاتحاد الأوروبي حتى الآن عاجزاً عن جعل إيران تستفيد من المنافع الاقتصادية التي كانت تتوقع الحصول عليها بموجب الاتفاق.
وأطلقت باريس وبرلين ولندن في مطلع العام “أداة دعم المبادلات التجارية” (انستكس) تهدف إلى الالتفاف على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران، إلا أنها لم تُستتبع بأي تعامل ملموس حتى الآن.
واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي صباح الاثنين أن الأوروبيين “لم يرغبوا أو لم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم، وهو أمر مؤسف للغاية”.
من جهته، كتب مدير صحيفة “جوان” المحافظة عبدالله غانجي ساخراً عبر “تلغرام” أن “ملخّص تصريحات ماس: “نحن لا شيء من دون أمريكا ولسنا قادرين على القيام بشيء فلا تتوقعوا منّا الكثير”.
وكان ماس الذي زار قبل وصوله إلى إيران، العراق والأردن والإمارات، اوضح أنه يريد ان يناقش مع ظريف مسألة الصواريخ البالستية الإيرانية ودور إيران في المنطقة، الذي يعتبر الأوروبيون أنه مزعزع للاستقرار خصوصاً في سوريا واليمن.
ورفضت طهران الجمعة اقتراح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إبرام اتفاق جديد مع إيران يهدف إلى توسيع اتفاق فيينا عبر إدخال مزيد من القيود للحدّ من نشاط إيران البالستي وسياستها في المنطقة.
وقال ظريف الأحد إن “الأوروبيين ليسوا في وضع يسمح لهم بانتقاد إيران، حتى في القضايا التي لا علاقة لها” باتفاق فيينا. واعتبر أن سياسات أوروبا والغرب “لم تكن لها أي نتيجة أخرى في منطقتنا سوى إحداث أضرار”.
القدس العربي