قال وزير خارجية باكستان، عزيز أحمد تشودري، في وقت سابق من هذا الشهر عندما سُئل عمّا إذا كانت بلاده تدرس بيع الأسلحة النووية إلى المملكة العربية السعودية، إنّ ذلك “ليس له أساس من الصحة”، و في وقت سابق من هذا الربيع، أكد وزير الدفاع، خواجة محمد آصف، على تعهد باكستان “بحماية سلامة الأراضي السعودية”، وذلك ردًا على طلب الحصول على مساعدة عسكرية ضدّ خصوم السعوديين من الحوثيين في البلد المجاور.
لكن في غضون أيام، صوت البرلمان الباكستاني بالإجماع ليس فقط ضدّ إرسال قوات الى اليمن، لكن أيضًا ضدّ التحيز إلى جانب أي من طرفي النزاع. وعلى الرغم من عقود من التمويل السخيّ لباكستان، ربما يتساءل السعوديون على ما حصلوا عليه مقابل دعمهم المادي لباكستنان.
مع كل المشاكل التي يواجهها الباكستانيون في منطقتهم، قد يصيبهم الدهشة أن أحدًا يتوقع منهم أن يغرقوا في مستنقع الشرق الأوسط الغادر. ماذا نفهم من تلك الصداقة الحميمة بين أغنى دولة في العالم الإسلامي السُني، وأكثر دولة مدججة بالسلاح؟
هذا السؤال مهم لسبب بسيط: تُعَد كل من باكستان والسعودية هي الورقة الرابحة بالنسبة إلى الأخرى. كل منهما هو الطرف الذي قد يأتي من خارج منطقته ليغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى الآخر، وهذا عامل يجب أن يؤخذ في حسابات جميع اللاعبين الآخرين في الشرق الأوسط وجنوب آسيا على حد سواء.
هل تعتقد أنك حللت المعادلات المعقدة للعرب مقابل الفرس، والسُنة مقابل الشيعة، والبعثيين مقابل الإسلاميين؟ حسنًا، إذا قررت باكستان أن ترمي ثقلها في الشرق الأوسط، سيكون عليك إعادة جدولة الاحتمالات التي وضعتها.
هل تعتقد أنك تفهم التوازن الدقيق بين نيودلهي وإسلام آباد وكابول وبكين؟ حسنًا، لقد ظلّت الرياض منذ فترة طويلة تدعم لاعبًا واحدًا بعينه على تلك الطاولة، وسواء اختارت مضاعفة رهانها أو سحب استثماراتها، فذلك سيؤثر على رهانات أي شخص آخر. لفهم استراتيجيات كل من السعودية وباكستان، لا بُدّ من فهم ما يكمن وراء علاقتهما المستمرة وغير المتوازنة.
ماذا تريده السعودية
إنّ الحفاظ على علاقة عميقة مع باكستان يفيد طموح السعودية في توسيع نطاق أيديولوجيتها خارج العالم العربي، وتحاول الرياض تحقيق ذلك الهدف على الصعيد العالمي، سواء من خلال الاستثمارات الواضحة للغاية أوبشكل أكبر من خلال الوسائل السرية.
وفي وسط هذا الضجيج العالي، تبني الحكومة السعودية مساجد كبرى وتقدِّم المنح الخيرية الإنسانية؛ وبشكل أكثر هدوءً، وتنشر مذهبها السلفي من خلال تمويل المدارس الدينية التي تركز على تلك الأيديولوجية، ومن خلال دفعها أموالًا لرجال الدين وصانعي الرأي لزيارة المملكة أو الدراسة فيها أو الحج.
بالنسبة إلى العائلة المالكة السعودية، تعتبر باكستان هي الجائزة الكبرى: إنّ بها ثاني أكبر عدد سكان من المسلمين في العالم، وعلى عكس إندونيسيا التي تحتل المرتبة الأولى، تعتبر باكستان “جمهورية إسلامية” طبقًا للدستور. لقد تأسست باكستان بشكل صريح حتى توفّر وطنًا لمسلمي جنوب آسيا. على عكس الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل بنجلاديش، وجمهوريات آسيا الوسطى، وتركيا؛ وتلك التي يقترب فيها عدد المسلمين من الأغلبية مثل نيجيريا؛ أو تلك ذات الأقلية المسلمة ضخمة العدد مثل الهند، باكستان لديها هوية إسلامية تشكل جزءًا من هويتها الوطنية ورسالتها. إلا أن كيفية ترجمة تلك الرسالة إلى واقع عملي لا يزال متاحًا أمام من يريد الاستفادة منه. ويود السعوديون بشدة أن يستفيدوا منه.
بالإضافة إلى ذلك، ترى السعودية باكستان باعتبارها عنصرًا حاسمًا في خطتها لكبح إيران. جزء من اللقب الرسمي لكل حاكم السعودي هو مسمى “خادم الحرمين الشريفين”: وذلك يعني، راعي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهما أكثر المواقع المقدسة في العالم الإسلامي. إنّ هوية النظام ليست مجرد كونه أمّة عربية غنية بالنفط، لكن اعتباره أيضًا حامل لواء الإسلام. المنافس الأقوى لهذه الهوية، من الناحيتين الروحية والسياسية، هو إيران، فهي أيضًا أمّة غنية بالنفط وذات ثقل ديني، لكنها فارسية وليست عربية، وشيعة وليست سُنية. من وجهة نظر السعوديين، أحد أفضل الطرق لجعل إيران تفقد اتزانها هو تعزيز منافس سُني قوي على حدودها الشرقية. ما مدى شدة تلك المنافسة؟ في عام 2008، نقلت وثيقة نشرت عبر ويكيليكس عن العاهل السعودي، الملك عبد الله، حثّه الولايات المتحدة على مهاجمة إيران و”قطع رأس الأفعى”.
تقول باكستان إنّها لن تقدم التكنولوجيا النووية للسعوديين، وتقول السعودية إنّها غير مهتمة في أن تطلبها. لكنهم مهتمون بالطبع. لكن الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني، عبد القدير خان، كان يدير أوسع دائرة انتشار نووي في العالم على الإطلاق، ويبقى بطلًا قوميًا. في عام 2004، بعد ضغوط شديدة من الولايات المتحدة على الحاكم العسكري الباكستاني، الجنرال برويز مشرف، اعترف خان ببيع المعلومات والتكنولوجيا النووية الى إيران وليبيا وكوريا الشمالية؛ حصل على عفو فوري، ووضع تحت الإقامة الجبرية في منزله الفاخر، ثم عاش بحرية منذ الإفراج عنه في عام 2009.
قد يشعر السعوديون أن هذه العملية التي كانت تسمى يومًا ما “المتجر النووي” لن تبقي أبوابها مغلقة لفترة طويلة. مع ميزانيتهم العسكرية التي تبلغ 80 مليار دولار، قد يرى السعوديون أي سعر على أنه “ثمن رخيص”.
ماذا تريد باكستان
أفضل الأشياء في الحياة تكون مجانية، لكن باكستان تشعر أنه من الأفضل ترك تلك الاشياء المجانية للطيور والنحل. ما تريده هو المال، وقد قدَّم السعوديون الكثير من ذلك: لا يوجد رقمًا شاملًا متاحًا للجمهور، لكن على مدى العقود الأربعة الماضية قدَّمت المملكة لباكستان مليارات الدولارات على سبيل مساعدات في شكل نقد وائتمان وخفض لسعر النفط. خلال الثمانينات، موّلت السعودية ما يقرب من نصف التكاليف التي وصلت إلى مليارات الدولارات عبر باكستان لحرب المجاهدين ضدّ السوفييت. في عام 1998، عندما كان رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، يدرس ما إذا كان سيرد على التجربة النووية التي أجرتها الهند بواحدة من جانبه، يقال إن ولي العهد السعودي، الأمير عبد الله، وقتها وعد بتوفير 50 ألف برميل من النفط يوميًا لمساعدة إسلام اباد في مواجهة أي عقوبات محتملة.
بالإضافة إلى الأموال، تأمل باكستان في تعزيز مصداقيتها في العالم الإسلامي. تأسست باكستان بهوية مسلمة ولكنها ليست بالضرورة إسلامية. ما هو الفرق؟ إنه الفرق بين الثقافة والإيمان. قال الأب المؤسس لباكستان، محمد علي جناح، – عندما دافع من أجل إنشاء أمّة منفصلة عن الهند – إنّ الإسلام والهندوسية “ليستا ديانتين بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن في الواقع، إن الإسلام والهندوسية نظامان اجتماعيان مختلفان ومتمايزان”. لم يكن جناح نفسه ممارسًا متشددًا للممارسات الإسلامية، وانتقال بلاده من وطن للمسلمين إلى جمهورية إسلامية لم يحدث إلا بعد وفاته. حتى الآن كانت الفترة التي شهدت أكثر دليل على الأسلمة هي بين عامي 1977-1988 في عهد الجنرال ضياء الحق، وهي الفترة التي تناظر – سواء عن طريق القصد أو الصدفة – ازدهار العلاقة بين باكستان والسعودية. في الواقع، قيل إن شريف قد أصبح “عضوًا في العائلة المالكة السعودية” وفقًا لوثيقة دبلوماسية، عندما تزوجت ابنته حفيد الملك فهد.
بالإضافة الى تعزيز الهوية الإسلامية في البلاد، تتطلع باكستان لتنويع أنصارها من القوى العظمى. على الرغم من أنه يقال إن الصين هي “صديق باكستان فى السراء والضراء”، فالمعنى الدقيق لهذه الصداقة بعيد المنال. هل وقفت الصين إلى جانب باكستان في صراعات دبلوماسية صعبة؟ لا. على سبيل المثال، ظلت على الهامش أثناء أزمة كارجيل عام 1999. هل تنقذ الصين باكستان من المصاعب الاقتصادية؟ ربما تفعل ذلك في المستقبل (إذا أوفى الرئيس “شي” بالوعود الأخيرة)، لكنها لم تفعل ذلك كثيرًا في الماضي. هل دعمت الصين باكستان بشكل فعال خلال حروبها الثلاثة مع الهند في أعوام 1948، 1965، و 1971؟ لا. أما الولايات المتحدة الأمريكية – لا أحد متأكد تمامًا – هل هي صديق لباكستان؟ عدوها؟ كلاهما؟ لا هذا ولا ذاك؟ حتى لو لم تهرب باكستان من أي من رعاياها التقليديين، فمن دواعي سرورها أن تكون السعودية ثالثهما. على سبيل المثال، في العام الماضي ساعدت الرياض إسلام اباد في درء أزمة مالية بقرض ميسر بقيمة 1.5 مليار دولار. على عكس المساعدات التي تقدّمها واشنطن، جاءت مساعدات السعودية دون شروط. وعلى عكس العرض الذي قدّمته بكين، كل وعود التمويل السعودي تتحقق في الواقع.
ثم ماذا بعد ؟
شهدت العلاقات بين باكستان والمملكة العربية السعودية نجاحاتها واخفاقاتها. تميل العلاقات إلى أن تكون أكثر قربًا عندما يحكم باكستان قائد عسكري (تحت قيادة الجنرالات ضياء ومشرف)، أو الرابطة الإسلامية الباكستانية (بقيادة شريف – وهو ربيب ضياء وقد حاول منح نفسه سلطة تطبيق الشريعة). بعد أن أطاح مشرف بشريف عام 1999، قضى رئيس الوزراء – السابق والمستقبلي – وعائلته سبع سنوات في المنفى، حيث عاشوا بشكل مريح في مدينة جدة الساحلية.
أما حزب الشعب الباكستاني (PPP)، وهو منافس لكل من الرابطة الإسلامية الباكستانية والجيش، فقد كان على مدى التاريخ أقل قربًا من السعوديين. قدَّم حزب الشعب ثلاثة من القادة الوطنيين المعروفين: ذو الفقار علي بوتو (من عام 1971 حتى إعدامه من قِبل ضياء في عام 1977) وابنته بينظير بوتو (التي قضت فترتين كرئيسة للوزراء في التسعينات، وقتلت في تفجير إرهابي عام 2007)، وأرملها آصف علي زرداري (الذي قاد أول حكومة منتخبة ديمقراطيًا – والوحيدة حتى الآن – في باكستان التي تكمل فترة ولاية كاملة). أحد أسس الدعم التقليدية لحزب الشعب كانت الأقلية الشيعية في البلاد، وهي تمثل حوالي خمس السكان. لطالما كان آل بوتو منجذبين تقليديًا تجاه إيران أكثر مما يفضله السعوديون، وشهدت فترات وجودهم في السلطة برودًا طفيفًا بين إسلام أباد والرياض.
شهد التعاون ضدّ الإرهاب أيضًا فترات انحسار وتدفق. يُذكر أن كلًا من باكستان والسعودية قد وقعوا ضحايا للإرهاب، كما اعتبروا أيضًا بلادًا حاضنة له. وشنّت الحكومتان حملات صارمة ضدّ تنظيم القاعدة، لكن لقي التنظيم بعض الدعم من أفراد ذوي صلات كبرى في كل منهما أيضًا: كان أسامة بن لادن سليل إحدى العائلات الأقوى في السعودية، وبالنسبة إلى النصف عقد الأخير من حياته، وجد ملاذًا آمنًا بجوار الأكاديمية العسكرية الباكستانية في أبوت أباد. تغذي الأموال السعودية الخاصة بعض الجماعات الإرهابية الأكثر دموية في باكستان، بما في ذلك جماعة عسكر جنجوي (قوة سُنية طائفية توجه أغلب عنفها تجاه الشيعة) وجماعة عسكر طيبة (التي تمثل الهند هدفها الأساسي، وكانت مسؤولة عن هجمات مومباي عام 2008). رغم أن الحكومة الباكستانية عادة ما تكون غاضبة بسبب الدعم السعودي للمليشيات الطائفية على أراضيها، فعسكر طيبة مسألة أخرى. في الماضي، كانت الجماعة مدعومة من قِبل المخابرات الباكستانية لأسباب نفعية سياسية (كانت بمثابة وكيل على الأرض في كشمير والمناطق المحيطة في التسعينات، وربما حتى بعدما حظرها مشرف عام 2002)، ومن قبل الرعاة السعوديين لأسباب أيديولوجية (تمثل مدرسة أهل الحديث – التي تتبعها – جزءًا من مذهب السلفية أكثر من أي أيديولوجية أصلية في جنوب آسيا.
مهما كانت المصالح المتداخلة التي قد تكون لديهم في مجموعات خطيرة مثل عسكر طيبة، فالسعوديون والباكستانيون لديهم أسباب أكبر بكثير للبحث عن صداقة بعضهما البعض. قد تكون هذه الأسباب تمثل صفقة إلى حد كبير، إلا أن هذه الصفقة ظلّت متبادلة المنفعة منذ ما يقرب من 40 عامًا. ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن العلاقات ستتحسن بشكل ملحوظ في المستقبل القريب، أو حتى تسوء.
ماذا نفهم، إذًا، من إحجام باكستان عن الانضمام إلى الحملة السعودية ضدّ المتمردين الشيعة في اليمن؟ أو عن فتح الباب أمام التعاون النووي في حال أن إيران نجحت في الانضمام للنادي الأكثر تميزًا في العالم؟ ما هو بالضبط ما اشتراه السعوديون ثمنًا لمساعدتهم التي بلغت 1.5 مليار دولار؟ وكم من الأموال الإضافية سيكونون مستعدين لدفعها؟
للحصول على إجابات لهذه الأسئلة، ربما يكون أفضل مكان للبحث هو طاولة البوكر: تحظر ألعاب الحظ رسميًا في كل من السعودية وباكستان، لكن تعرف الحكومتان في البلدين أهمية الحفاظ على الورقة الرابحة جانبًا.
جونا بلانك
موقع إسلام أون لاين