مع تصاعد التوتر في المنطقة ، وفي سياق الحرب بالوكالة ، يبدو أن إيران اختارت العراق كحلبةٍ مفضلةٍ لخوض صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك دلائل واضحة تدل على ذلك ، فقبل أسبوعين أطلق صاروخ على السفارة الأمريكية في بغداد من شارع (52) بالقرب من الجامعة التكنولوجية، ومن جانبها سلمت كتائب حزب الله الحليفة لإيران رسالة تهديد إلى محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي والذي بدوره اطلع القوى السياسية عليها. ومع فجر الجمعة الفائت ، تم استهداف قاعدة “بلد” بأربعة صواريخ ، وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط ، فإن ثلاثة من تلك الصواريخ سقطت على مركز القاعدة ، بينما الصاروخ الرابع لم ينفجر ، كما أطلق من قضاء يثرب في محافظة صلاح الدين صواريخ كاتيوشا باتجاه نفس القاعدة أيضاً .
ربما مطلق تلك الصواريخ ظنّا منه ، أنه يستهدف المصالح الأمريكية في العراق، لا يعرف بأن قاعدة “بلد” هي قاعدة عسكرية عراقية وليست أمريكية ، ففي هذه القاعدة يوجد طائرات (F16) التي تعود ملكيتها للقوات الجوية العراقية ، ويوجد بها مقر شركة “لوكهيد مارتن Lockheed Martin” الأمريكية ، وهي أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم ، وتتخذ من قاعدة “بلد” في العراق مقرًا لها ، كما تُقدم الخدمات المناسبة للخبراء والفنيين العسكريين العراقيين في المجال العسكري ، كما يوجد في هذه القاعدة الشركات الأمنية الأمريكية والدعم اللوجستي “الإمداد والنقل” المتعدد الجنسيات ، ويشرف على القاعدة قائد عسكري عراقي.
الحرب بالوكالة التي ينفذها حلفاء إيران ضد المصالح الأمريكية في المنطقة ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر “قصف مطار أبها ، وتفجير ناقلات النفط سواء في الفجيرة أو في خليج عُمان” ، وحتى في العراق مستمرة ، وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط ، تشير إلى أنه في صباح يوم السبت الفائت ، وتحديدًا الساعة السابعة صباحًا ، سقطت قذيفة على الجانب العسكري المعني بتقديم الدعم اللوجستي في مطار بغداد الدولي ، وعن طريقه يتم سفر مسؤولي أو قوات بعض دول التحالف ، وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط أيضاً ، فقد اكتشفت القوات العراقية الكثير من القواعد الصاروخية في منطقة قريبة من التاجي ، المنطقة الواقعة ما بين بغداد وسامراء.
وللوقوف على هذه التطورات العسكرية والأمنية الخطيرة في العراق ، وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط ، تشير إلى أنه في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت المنقضي ، اتصل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو برئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ، وأبدى قلقه من التطورات العسكرية والأمنية ومخاطرها على التواجد الأمريكي في المنطقة عموماً وفي العراق على وجه الخصوص، ومن خلال اتصال أيضًا، أكد مايك بومبيو فيه على ثقته الكاملة بكل ما يقوم به رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بذات الشأن، وبالمقابل أبدى رئيس الوزراء العراقي تفهمه العميق من قلق الإدارة الأمريكية من تلك التطورات، وأكد بأنه سيباشر بفتح تحقيق فوري للوقوف على خلفية تلك الاعتداءات ، كما تطرقا للقضايا المشتركة ، والترتيبات المتعلقة بزيارة الأخير – أي عادل عبد المهدي – إلى البيت الأبيض في الخامس عشر من تموز/ يوليو المقبل.
وفي تطورٍ لافت في سياق الحرب بالوكالة ، وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط ، فقد جددت الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثالثة ، ودون شروط أو قيود ، تمديد إعفاء العراق من العقوبات الأميركية المفروضة علي إيران ، وتحديداً ما يخص استيراد العراق للغاز الإيراني ولمدة أربعة أشهر (120) يوماً بدلاً من مدة الإعفاء السابقة والممنوحة للعراق والمحددة بثلاثة أشهر فقط (90) يوماً ، وبما تتيح للعراق استيراد الكهرباء والغاز اللذين يعتمد عليهما كثيرا من إيران ، ويعد هذا الإعفاء أمرا حيويا بالنسبة للعراق ، حيث تتجاوز درجات الحرارة هذا العام المعدلات الموسمية بكثير ، مما يزيد استهلاك الكهرباء ، مع الخشية من تجدد المظاهرات المنددة بنقص الخدمات العامة والتي تنطلق في بداية كل صيف.
وبناء على ما تقدم ، ينبغي على صانع السياسة في إيران أن يدرك بأن العراق رئته الاقتصادية التي يتنفس منها ، فالأعمال العسكرية والأمنية التي يقوم بها حلفائه ضد المصالح الامريكية في العراق ، تسبب الحرج الكبير لحكومة العراق ممثلةً برئيس وزرائها عادل عبد المهدي ، من جانب ، ومن جانب آخر تضر بالاقتصاد العراقي ضررًا بالغًا ، فالصواريخ التي اطلقت على قاعدة “بلد” كان يمكن أن تصيب المقاتلات العراقية حتى وإن كانت أمريكية الصنع ، إلا أن ملكيتها تعود إلى القوة الجوية العراقية ، وتحطيم تلك المقاتلات سيكلف الخزينة العراقية أمولاً طائلة ، سواء لصيانة ما يمكن منها ، أو لشراء بديلاتٍ عنها ، وهنا يتبادر سؤال مهم ، لماذا يعبث – أو يحاول العبث – صانع السياسة الإيرانية من خلال حلفائه بأمن العراق واقتصاده؟.
كما أن على صانع القرار السياسي في إيران ، أن يُدرك أنه ليس من مصلحة بلاده أن تتوقف تلك الرئة العراقية الاقتصادية المنعشة لاقتصاد بلاده ، لأن من مصلحته أن تستمر في إنعاش اقتصاده المتهالك ، لكن إذا توقفت تلك الرئة عن عملها فإن أي تنفس اصطناعي للاقتصاد الإيراني لن يغني عن تلك الرئة الطبيعية ، ولن يكون بديلاً كافياً عنها ، ما يعني أن من مصلحة إيران أن تدعم رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي ، وتحترم خياراته وإدارته لشؤون العراق الداخلية والخارجية ، فهو أشبه بالفرصة الأخيرة للنهوض بالعراق بما يخدم الداخل العراقي في المقام الأول ، ودول الجوار والعالم في المقام الثاني ، كونه سياسي وطني عراقي منفتح على الجميع لخدمة شعبه وبلاده ، ولأنه كذلك ، فإن خطاب المرجعية الأخير شكل سندًا قويّا له.
لكن ما يزيد من خطورة الأمر ، أن هناك جناح متشدد في إيران لن يبقى مكتوف الأيدي ، في الوقت الذي يرى فيه اقتصاد بلاده يمر في حالة اختناقٍ كبير ، وهذا الاختناق بالتأكيد سيضر بالأنشطة الخارجية العسكرية ، ولن يبقى أمامه من خيارٍ آخر سوى التصعيد العسكري ضد المصالح الأمريكية في المنطقة عموما والعراق خاصة ، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ، وبما تملكه من خبرة عسكرية واسعة اكتسبتها من خلال حروب الوكالة التي خاضتها ضد الفيتناميين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، تحتم عليها أن لا تنجر إلى حرب أو مواجهة عسكرية يكون لحلفاء إيران دور بارز فيها ، لذلك ، فإن واشنطن تفضل خيار الضغط الاقتصادي الصارم ضد إيران.
في المقابل ، على إيران والجناح المتشدد فيها ، أن يدركا بأن الأعمال التي يقوم بها حلفاؤها في العراق وفي المنطقة ، من استهدافٍ لناقلات النفط ، أو غيرها من الأفعال التي تزعزع الاستقرار والأمن في المنطقة ، إنما تعزز من مكتسبات الموقف الأمريكي دولياً ، لأن الدول الكبرى ترفض المساس بأمن ناقلات النفط ، كما أنها ترفض أي تهديد للملاحة الدولية ، وهذه الأعمال تظهر إيران بمظهر الدولة التي تهدد السلم والأمن الدوليين.
وخلاصة ما تقدم .. يسعى العراق بكل ما أوتي من قوة وحكمة يمارسها رئيس وزراءه عادل عبد المهدي ، لتجنيب بلاده ويلات الصراع الأمريكي الإيراني ، ويظهر حرصه الكبير ، ووطنيته العالية ، بأن لا يكون العراق حلبة لذلك الصراع ، فهو لا يقبل أن يكون أحد أدوات الاعتداء على إيران أو خنقها ، كما أنه لا يقبل أيضاً أن تستخدم إيران عبر حلفائها للاعتداء على الأهداف الأمريكية في العراق.
وهنا نؤكد أنه على صانع السياسة في إيران ، مراجعة سياسته إزاء العراق ، فلعلها تأتي بنتائج إيجابية ، وعليه أن يتذكر ، أنه ليس من مصلحة إيران أن تستخدم العراق كورقة ضغط ضد واشنطن في سياق صراعمها في البيئة الإقليمية.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: لماذا تصر إيران – إذا كانت تنظر إلى العراق على أنه حليف – على خسارته ؟ ففي الوقت الذي تقدم فيه إيران الدعم المالي واللوجستي لحلفائها – سواء في العراق او في المنطقة ، يمثل العراق الركن الأساس في دعم الاقتصاد الإيراني ، وعليه .. أين تكمن الحكمة من خسارة إيران للعراق ، على الأقل في هذه المرحلة الحساسة والحرجة من تاريخها؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية