لندن- ارتفع منسوب الرسائل الأميركية والبريطانية إلى إيران واتهامها بالضلوع في هجمات الناقلتين في خليج عمان، في وقت تعهدت واشنطن بضمان حرية الملاحة عبر ممرات الشحن الحيوية.
وزادت الولايات المتحدة من فعالية تنسيقها مع الدول الحليفة في منطقة الخليج العربي بعد أن حلقت القوات الجوية الملكية السعودية والقوات الجوية الأميركية في تشكيل مشترك الأحد على منطقة الخليج العربي. في رسالة سياسية جديدة إلى إيران. وتحمل واشنطن ولندن، طهران مسؤولية الهجومين الذي استهدف ناقلتي نفط في خليج عمان الخميس الماضي.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأحد إنه على الرغم من أن إيران مسؤولة “بلا شك” عن الهجمات التي استهدفت ناقلتين الأسبوع الماضي إلا أن الولايات المتحدة لا تريد حربا مع طهران.
وتعهد بومبيو ان بلاده ستضمن حرية الملاحة عبر ممرات الشحن الحيوية وقال “ستتأكد الولايات المتحدة من اتخاذ كل الإجراءات الضرورية الدبلوماسية وغير الدبلوماسية لتحقيق تلك النتيجة”.
وتزامن كلام بومبيو مع تحذير وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت من وجود “خطر كبير” للتصعيد حاليا في منطقة الخليج. وردا على سؤال لشبكة “بي بي سي” عن احتمالات تصعيد في المنطقة، قال هانت “انه الخطر الكبير (القائم) في الوضع الحالي”.
وأضاف ان المملكة تعتبر انه “من شبه المؤكد” ان طهران تقف وراء الهجومين. موضحا “لدينا تحليل أجهزة مخابراتنا ولدينا أشرطة فيديو لما حدث. رأينا أدلة. لا نعتقد انه ثمة جهة أخرى فعلت ذلك”.
وزاد التنسيق السعودي الأميركي في المنطقة مع الإعلان عن تحليق طائرات سعودية ومع طائرات للقوات الجوية الأميركية من نوع (ف15- سي) في تشكيل مشترك على منطقة الخليج العربي، تساندها طائرات تزود بالوقود جواًتابعة للقوتين.
وأشارت وكالة الانباء السعودية إلى أن المهمة تهدف إلى الاستمرار في تعزيز بناء العلاقات العسكرية والعمل المشترك بين الطرفين.
وتدرس واشنطن وحلفاءها سوياً الخطوات التي سيتخذونها، وان اعلان واشنطن التشاور مع الحلفاء لحماية المعابر الدولية ينقل المعركة من ثنائيتها الأميركية الإيرانية الى مستوى متعدد الجنسيات.
ويخلص خبراء عسكريون إلى أن موقف بريطانيا سواء بالمصادقة على اتهامات واشنطن لطهران بالمسؤولية عن الاعتداءات ضد ناقلات النفط او قرار لندن ارسال 100 من جنود البحرية الملكية الى المنطقة، هو الواجهة الأولى لخطة ستشارك بها دول أخرى هدفها رفع مستوى الضغوط على إيران وجعلها متعددة الجنسيات، خصوصا ان مواقف روسيا والصين ليست بالمستوى الذي يمكنها من توفير حصانة مهمة وإستراتيجية لإيران.
وقال وزير الدفاع البريطاني توبياس إلوود، ، إن التوترات السياسية في منطقة الخليج مع إيران أصبحت تشكل مصدر قلق لبلاده، مشيرا في مقابلة مع قناة سكاي نيوز، إلى أن المملكة المتحدة مصممة على حماية أصولها في المنطقة.
وأوضح أنه يتفهم إحباطات إيران الناتجة عن إلغاء الاتفاق النووي، مؤكدا أن ذلك لا يمنح لإيران الحق في مهاجمة السفن في منطقة الخليج. إلا ان بعض المراقبين يحمّل الولايات المتحدة مسألة تمادي إيران في انتهاج سياسة عدوانية لا تعرضها لأخطار وجودية كبيرة.
ويرى هؤلاء أن خيارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالذات رغم طابعها الهجومي ضد طهران، أوجت للساسة في طهران أن ترامب هو رجل صفقات تجارية وليس رجل حرب ممكن ان يهدد بقاء النظام في إيران
ويرى المحلل السياسي البريطاني مارتن شولوف أن حكام طهران يتحركون على قاعدة التصدي لمحاولات ترامب خنق إيران اقتصاديا وعلى قاعدة أن ليس للرئيس الأميركي أي نية لخوض الحرب ضد إيران.
ويرى دبلوماسيون غربيون أن ما شهدته المنطقة مؤخرا من هجمات تعرضت لها السفن في مياة الخليج يندرج في سياق قيام إيران بالرد المدروس على الضغوط القاسية التي تفرضها الإدارة الأميركية، وأن طهران ستستمر بالإيحاء بانها وراء هذه الهجمات وستستمر بنفي أي مسؤولية مباشرة عن الأمر.
ويرى مراقبون ان طهران مضطرة إلى انتهاج سياسة حافة الهاوية وتجنب الوقوع بهذه الهاوية. ويجمع هؤلاء على أن العقوبات باتت مؤلمة تشل الاقتصاد الإيراني كما تشل قدرات طهران على تمويل وسائل نفوذها في المنطقة، لا سيما في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
ويخلص المراقبون إلى أن الخيارات الامنية والعسكرية غير المعلنة هدفها الانخراط في خيارات تجريبية لطالما لجأت القيادة الإيرانية لها في استحقاقات خطيرة سابقة.
ويقول شولوف إن نظام العقوبات الأميركية استطاع هذه المرة اخراج ايران من السوق النفطي بمستويات غير مسبوقة، فيما يقوم خصوم إيران ببيع النفط إلى زبائن إيران السابقين. وتتراوح الخطط التي تنتهجها واشنطن بين مسارات متعددة ملتبسة.
وتراقب دول المنطقة مواقف ترامب التي قد تنقلب بين ليلة وضحاها من خطاب ناري إلى خطاب تصالحي، دون أن تدرك العواصم حقيقة مرامي ترامب من هذه الحملة التي بدأها ضد إيران منذ إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقع في فيينا عام 2015.
وكان ترامب قد دعا إيران إلى التفاوض والحوار معتبرا ان بلاده يهمها التعامل مع ايران مستقرة ومزدهرة. وقد اعاد وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو دعوة ايران الى المفاوضات دون شروط مسبقة.
وفي مقابلة مع برنامج (فوكس نيوز صنداي) قال بومبيو “بذل الرئيس ترامب كل ما في وسعه لتجنب الحرب. لا نريد الحرب” في إشارة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
والظاهر ان قنوات التواصل الخلفية او حتى تلك العلنية التي ظهرت من خلال زيارات وزيري خارجية عمان والمانيا، كما زيارة رئيس الوزراء الياباني، إضافة الى الجهود التي تبذلها سويسرا بصفتها الممثلة للمصالح الأميركية في إيران، لم تنضج فكرة الجلوس على طاولة المفاوضات.
ويرى محللون أن ايران لن تذهب الى التفاوض وفق الشروط الـ 12 التي اعلنها بومبيو بعد ايام على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
ويضيف هؤلاء أن طهران قد تكون محتاجة الى صدام عسكري ما، تذهب بعده الى التفاوض من موقع العمل على تجنب التصعيد العسكري، بما يمكن تسويقه داخل الرأي العام الداخلي كما لدى التيارات الموالية لها في المنطقة.
وترى صحيفة الغارديان البريطانية إن هناك قناعات في إيران أن “ترامب بعيد كل البعد عن وهم المفاوض الماهر الذي يبدو عليه، ويبدو أنه أكثر بيعاً للسجاد من هنري كيسنجر، غير مدرك لنفوذ إيران، فيما يتعلق ببرنامجها النووي، والجهل بثقافتها”.
ويقول شولوف إن “المسؤولين الإيرانيين ينظرون إلى ترامب على أنه مثال على أوجه القصور في الولايات المتحدة، وأنه زعيم لا يتمتع بالصبر الكافي ولا بالرؤية الناضجة لإبرام الصفقات”.
وتهول طهران في تهديدها لأوروبا بانها بعد المهلة التي منحتها للشركاء الأوروبيين في الاتفاق النووي والتي تنتهي في 8 يوليو فانها ستكون بحل من التزاماتها بهذا الاتفاق. وفيما تعتبر طهران ان هذا التهديد سيخيف دول العالم، يرى مراقبون أن إيران تدرك ان اوروبا لن تقدم لها ما تريده وإنها تسعى للهروب للأمام لإسقاط الاتفاق نهائيا والعودة الى ما قبله.
ويجزم خبراء في الشؤون الإستراتيجية أن العالم مدرك لخطورة الانجرار الى الملعب الذي تريده إيران ومدرك لسياسة الارتجال التي ينتهجها ترامب في مقاربة ملف شائك وخطير بهذا الحجم.
العرب