بغداد – يعمل رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي على تثبيت أقدامه بمنصبه، في ظل الهجوم السياسي الذي يتعرض له من رجل الأعمال المثير للجدل خميس الخنجر.
ولجأ الحلبوسي إلى تحصين موقعه سياسيا، عندما شكل، السبت، تكتلا برلمانيا جديدا تحت عنوان “تحالف القوى”، ضم معظم النواب الذين يناوئون الخنجر. ونجح الحلبوسي في استحصال توقيعات نواب للانضمام إلى تحالفه، هم في الأساس أعضاء في كتلة الخنجر الانتخابية.
ويريد الحلبوسي استخدام هذا التحالف، في التصدي لعملية استبداله المتوقعة، فيما تخيم الضبابية على الأوزان الجديدة للقوى السياسية السنية، وقدرة كل منها على المضي في تحقيق أهدافه.
وأعلن تحالف القوى العراقية (يضم عددا من القوى أغلبها سنية)، عن انتخاب الحلبوسي رئيسا له، فيما أشار إلى أنه تم انتخاب فلاح زيدان رئيسا للكتلة النيابية في اجتماع ضم أربعين سنيا.
وانقسم تحالف “المحور الوطني”، الذي كان يعد أكبر كتلة سُنية في البرلمان العراقي منتصف مايو الماضي إلى تحالفين هما “تحالف القوى العراقية” وتحالف “المحور الوطني” بزعامة خميس الخنجر، إثر خلافات داخلية. وكان “تحالف المحور الوطني” قبل انشطاره إلى قسمين يعتبر التحالف السُني الأكبر في البرلمان بعدد خمسين مقعدا من أصل 329 مقعدا.
وأسهم الخنجر في دعم الحلبوسي ليصل إلى موقع رئيس البرلمان، الذي يعدّ أهم منصب مخصص للطائفة السنية، ضمن نظام المحاصصة الطائفية الذي يحكم توزيع الأدوار السياسية في العراق، لكن العلاقة بين الطرفين تحطمت بسبب خلاف حادّ على منصب محافظ نينوى.
الخنجر والحلبوسي يمثلان ظاهرة واحدة بوجهين عبارة عن قناعين، كل واحد منهما يخفي الأطماع نفسها التي تمت برمجتها في سياق الولاء لإيران من خلال الارتباط بالجماعات والأحزاب الشيعية المهيمنة على الحكم
وسعى الحلبوسي إلى تنصيب محافظ موال لنينوى، ومركزها الموصل، خلفا لنوفل العاكوب الذي أطاح به غرق عبارة نهرية في نهر دجلة، أواخر مارس الماضي، ما تسبب في وفاة العشرات.
لكنّ الخنجر نجح في تنصيب منصور المرعيد الجبوري أحد حلفائه محافظا لنينوى، ما تسبب في إغضاب الحلبوسي الذي كان يريد ضم هذه المحافظة إلى الأنبار التي سيطر عليها عبر علي فرحان الدليمي محافظ المدينة الموالي له، ليحكم قبضته على أكبر محافظتين سنيتين في البلاد، تمهيدا لتزعم المكون كلّه على المستوى السياسي.
وينحدر الخنجر والحلبوسي من محافظة الأنبار، وتحديدا من مدينة الفلوجة، لكن نفوذهما توسع كثيرا في طول البلاد وعرضها، ليتحولا إلى أرقام بارزة في خارطة التمثيل السياسي للمكون السني. وبينما استحوذ الحلبوسي على منصب رئيس البرلمان في الدورة الأخيرة، فازت كتلة الخنجر بـ13 مقعدا في مجلس النواب العراقي، ما خولها الحصول على وزارات مهمة في الحكومة.
وجاء الخنجر إلى العملية السياسية في العراق من خلفية معارضة، وسط اتهامات واسعة بتورطه في تحفيز تنظيم داعش على الظهور، عندما أنفق الملايين من الدولارات على اعتصام غاضب في مناطق سنية، ضد سياسات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، العام 2013.
لكنه سرعان ما خلع ثوب المعارضة في 2018، لينخرط في تحالف يضم معظم خصومه السابقين من صقور اليمين الشيعي المتشدد ضمن تحالف “البناء”، على غرار هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي.
أما الحلبوسي، فهو “أحد أبناء سنة الداخل”، وهي العبارة التي تستخدم في وصف السياسيين السنة الذين شاركوا في العملية السياسية إلى جانب الشيعة والأكراد، ولم يصنفوا في خانة المعارضة كما حدث مع الخنجر.
وشكل الخنجر والحلبوسي، مع جمال الكربولي وهو طبيب سابق تلاحقه تهم فساد مالي عديدة، تحالف “المحور”، ليجمعوا مختلف القوى السياسية السنية التي تملك تمثيلا في البرلمان العراقي، ضمن تكتل واحد.
وتبنى الخنجر ترشيح الحلبوسي لمنصب رئيس الوزراء، وقيل إنه تحمل جزءا من أموال أنفقت لإقناع أطراف شيعية نافذة بدعم هذا الترشيح. لكن الوفاق لم يستمر طويلا، على عادة القوى السياسية السنية، التي اعتادت الانقسامات الداخلية.
وتعود أسباب معظم الانقسامات السياسية السنية الداخلية، إلى هامشية الدور الذي تلعبه هذه القوى في المشهد السياسي، وتبعيتها للمشاريع السياسية الشيعية.
وعلى هذا الأساس، تحوّل موقف الخنجر من المعارضة إلى الموالاة، مشيرا في أحاديث لمقربيه إلى أنه يحقق لجمهوره في المناطق السنية، جراء علاقته بالصقور الشيعة، ما لم يتمكن من تحقيقه عندما كان معارضا للعملية السياسية التي كرست السياق الطائفي في السياسة.
ويزعم الخنجر أنه يستفيد من علاقاته بالقوى الشيعية الموالية لإيران، في حل نزاعات محلية تقع في مناطق سنية يملك الحشد الشعبي الشيعي فيها نفوذا أمنيا.
ويبدو أن الخنجر يمعن في استثمار علاقاته بالأحزاب الشيعية المتنفذة، ملوحا بضرورة استبدال رئيس البرلمان بعد تعمّق الخلافات بينهما.
ويخشى الحلبوسي أن تنجح مساعي الخنجر، المعتمدة في الأساس على علاقة وثيقة بفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي والمقرب من إيران، فضلا عن قاعدة مالية عريضة تدعمها استثمارات واسعة في الخليج وتركيا.
واعتبر مراقب سياسي عراقي الخنجر والحلبوسي يمثلان ظاهرة واحدة بوجهين عبارة عن قناعين، كل واحد منهما يخفي الأطماع نفسها التي تمت برمجتها في سياق الولاء لإيران من خلال الارتباط بالجماعات والأحزاب الشيعية المهيمنة على الحكم.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، “الحلبوسي والخنجر اللذان لا يملكان تاريخا سياسيا هما في الحقيقة واجهتان سنيتان لمَن يقف وراءهما من الشيعة وما صراعهما إلا صراع منافع شخصية اتخذ من ضرورة أن يكون للسنة وجود في حكومة يديرها الشيعة بشكل كامل سندا له”.
ووصف الأمر بالسخرية إذا ما تم اعتبار ذلك الصراع جزءا من الحراك داخل المكون السني الذي جرى تغييبه وإقصاؤه من العملية السياسية في ظل إصرار الحكومة على عدم البدء بعملية إعمار المدن السنية وإعادة النازحين إلى مناطق سكنهم التي لا تزال مدمرة.
وأضاف “الصراع بين الاثنين لا يجري داخل المكون بل داخل الواجهة التي يحتاج إليها نظام المحاصصة من أجل استمرار الشيعة في الحكم وضمان استمرار الهيمنة الإيرانية”.
وقال المراقب إن التمثيل السني في الحكومة أو البرلمان لم يعد ذا قيمة تذكر بعد أن تم تدريجيا تدمير المدن ذات الأغلبية السنية في حروب متقطعة وتشريد الجزء الأعظم من سكانها.
ووصفه بالتمثيل الشكلي الذي نتج عن انتخابات صورية بناء على حاجة نظام المحاصصة الطائفية إلى التذكير دائما بأن العراق هو بلد مكونات ولن تقوم الحياة السياسية فيه على مبدأ المساواة على أساس المواطنة.
العرب