المقابلة التي منحها السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان لـ «نيويورك تايمز» (8/6/2019) تخرج عن فكر وزارة الخارجية الأمريكية، ولكنها تعبر عن قبول الواقع والمصلحة الأمريكية. فعلى حد قوله: «العالم لا يحتاج إلى دولة فلسطينية فاشلة بين إسرائيل والأردن… السيطرة الأمنية لإسرائيل ليست عائقاً… لإسرائيل الحق بحيازة قسم من ـ ولكن ليس كل الضفة الغربية..»..
صحيح أن المؤسسة القديمة في وزارة الخارجية الأمريكية (باستثناء وزير الخارجية بومبيو ومستشار الأمن القومي بولتون) تتحفظ على أقوال السفير، ولكن أداء الماضي يوثق فشلاً منهاجياً للوزارة:
1. في 1948 عارضت وزارة الخارجية الأمريكية إقامة دولة إسرائيل بدعوى أنها ستكون مؤيدة للسوفيات، سيمحوها العرب وستمس بالعلاقات الأمريكية العربية. ولكن في 2019 إسرائيل هي الحليف الأكثر مصداقية للولايات المتحدة في المنطقة والعلاقات الإسرائيلية ـ العربية في ذروتها.
2. في الخمسينيات رأت وزارة الخارجية في عبد الناصر المصري حليفاً بالقوة، ولكن الطاغية المؤيد للسوفيات عمل على إسقاط كل نظام عربي مؤيد لأمريكا.
3. في 1978 ـ 1979 خانت وزارة الخارجية الأمريكية الشاه الفارسي، الذي كان حليفاً استراتيجياً حتى ذلك الوقت، ورأت في آية الله الخميني مبشر الديمقراطية في إيران. وساعدت في إقامة النظام الحالي في طهران، الذي شدد الإرهاب ومس بمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة.
4. في تموز 1990، عشية اجتياح العراق للكويت، رأت وزارة الخارجية الأمريكية في صدام حسين حليفاً، قللت من تصميمه ووحشيته ومنحت ضوءاً أخضر للاجتياح في رسالة نقلها السفير الأمريكي في بغداد: «الولايات المتحدة لن تتدخل في نزاع الحدود بين العرب… ولن تخوض حرباً اقتصادية ضد العراق..»..
5. في 1993 انضمت وزارة الخارجية الأمريكية إلى حفلة أماني أوسلو وجلبت عرفات لتلقي جائزة نوبل للسلام.
6. انفجار «التسونامي العربي» في كانون الأول 2010 وصفته وزارة الخارجية الأمريكية بأنه «ربيع عربي» كان يفترض به أن يبشر بحلول الديمقراطية. ومنذئذ ملايين اللاجئين، أي نحو مليون قتيل، وضرر بالمليارات، تجسد انقطاع الخارجية الأمريكية عن واقع المنطقة.
7. في 2015 قادت الخارجية الأمريكية قصة الغرام الدبلوماسية مع إيران، التي أدت إلى الاتفاق النووي البائس. في ضوء التجربة البشعة لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن فريدمان يدفع إلى الأمام بالمصالح الأمريكية على أساس قراءة واعية للواقع الشرق أوسطي. ففريدمان ومرسله، الرئيس ترامب، يعترفان بالتأثير الهامشي للعامل الفلسطيني على الشرق الأوسط وعلى علاقات العرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، وبالتأكيد مقارنة بتهديدات آيات الله، والإخوان المسلمين وداعش. الروح الجديدة من واشنطن تفهم أيضاً التأثير الهدام للدولة الفلسطينية على المنطقة، على الأردن وعلى باقي الأنظمة العربية المؤيدة للأمريكيين. فالسيطرة الإسرائيلية على تلال يهودا والسامرة شرط للردع الإسرائيلي وبوليصة تأمين للزعماء العرب المؤيدين لأمريكا. أما الانسحاب من هناك، لا سمح الله، فسيحول إسرائيل من ذخر استراتيجي إلى عبء على الولايات المتحدة. انطلاقاً من الوعي بأهمية يهودا والسامرة لتطوير قوة إسرائيل كحليف ناجع للولايات المتحدة، يجب استخدام الظروف لإحلال السيادة على الأقل على التلال الاستراتيجية، كتعبير عن المصالح الأمنية المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة.
القدس العربي