د. سليم محمد الزعنون*
ارتفعت حدّة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران خلال الفترة الأخيرة، وفي الوقت الذي شددت فيه واشنطن عقوباتها الاقتصادية لدرجة سحق الاقتصاد الإيراني، انتقلت طهران من استراتيجية الانتظار القائمة على الصبر لحين الإنتخابات الأمريكية القادمة على أمل مجيئ إدارة أكثر مرونة؛ إلى استراتيجية التصعيد المتدرج القائمة على استخدام أذرعها لضرب حلفاء واشنطن، وتحديداً المصالح النفطية، بهدف خلق هزة في سوق النقط العالمي، وتفرض التحركات الإستفزازية للجانبين، ثلاث سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: استمرار التوتر.
ويعتبر السيناريو المرجح بنسبة 50% وفقاً لتقديرات مجموعة أوروآسيا، وفيه يواصل الطرفين الحرب الكلامية، ودق طبول الحرب دون الوصول إليها، ومن المتوقع استمرار التوتر بين الجانبين حتى نهاية العام الحالي، ولكنه توتر متوازن يخضع للسيطرة والحسابات الدقيقة، في إطاره تُحكم واشنطن العقوبات الاقتصادية، وتفرض عقوبات جديدة تستهدف قطاعات إخرى غير النفط، في المقابل تدعم طهران وكلائها لتنفيذ هجمات غير متماثلة على البنية التحتية النفطية لدول الخليج بهدف هز اسواق النفط.
النقطة المهمة في هذا السيناريو والتي يُمكن أن تُفجر الوضع تكمن في اختراق طهران للاتفاق النووي، بتجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم المحددة في الاتفاق، ولكن لا زالت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى أنها تفي بالتزامها على أكمل وجه، وبناء على تقيمات أولية فإنها ستبقى ضمن حدود الاتفاق على المدى القصير.
السيناريو الثاني: المواجهة العسكرية.
الإدارة الأمريكية منقسمة حول أهداف سياستها تجاه إيران، وفي هذا الإطار يوجد مدرستين، الأولى يقودها مستشار الأمن القومي “جون بولتون”، وترى ضرورة الضغط من أجل تغيير النظام الإيراني أو انهياره، وبالتالي تعمل لإثارة طهران لدفعها باتجاه اتخاذ إجراء يستلزم رداً عسكرياً أمريكياً، الثانية يقودها وزير الخارجية “ميك بومبيو” وترى ضرورة التركيز على المفاوضات، ويتنقل الرئيس “ترامب” بين المدرستين فأحياناً يتحدث عن المفاوضات، وأحياياً أخري يتناول الحرب، في المقابل يوجد في إيران مدرستين، الصقور ويطالبون باتخاذ خطوات تصعيدية، بالانسحاب من الاتفاق النووي 2015، ومعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية 1968، ومدرسة الوسط ويطالبون بالتفاوض حول الملفات المختلفة.
تصرفات كلا الجانبين تزيد من مخاطر المواجهة العسكرية، نتيجة لسوء حسابات، أو سوء فهم، أو عدم وجود قنوات تواصل، أو نتيجة تحرك الوكلاء على الجانبين، وفي هذا الإطار فإن سيناريو المواجهة العسكرية يأخذ احتمالين:
الإحتمال الأول: مواجهة عسكرية واسعة، ويُعتبر هذا الإحتمال الأقل ترجيحاً، ويُشكل نسبة 9% ووفقاً لتقديرات مجموعة أوروآسيا، ويتضمن إغلاق مؤقت لمضيق هرمز، والتدمير الكبير للمنشآت النفطية والنووية الإيرانية، تعتمد واشنطن على هجوم (جوي وبحري) وليس (بري) على إيران، وتعمل على تعزيز تواجدها في الخليج كرادع، ولتسهيل الدعم اللوجستي للحملة، من المتوقع أن تهاجم إيران المنشآت والقواعد الأمريكية في المنطقة، والبنية التحتية النفطية لدول الخليج، بما يؤدي إلى ارتفاع سعر برميل النفط أكثر من 150 دولاراً.
الإحتمال الثاني: مواجهة عسكرية محدودة، ويُشكل هذا الاحتمال 21% وفقاً لمجموعة أوروآسيا، ويتتضمن شن واشنطن هجمات الكترونية، تستهدف المصالح الحيوية لإيران، العسكرية والمدنية، وتنفيذ عمليات سرية تستهدف الحرس الثوري، وأذرع إيران الفاعلة والمحتمل أن تتحرك لتنفيذ هجمات، وأيضاً محاصرة عناصر القوة الناعمة الإيرانية، إذاعة جمهورية ايران، منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية، جامعة المصطفي الدولية، المؤسسات الخيرية المنتشرة دولياً، في المقابل تشن ايران هجمات على أفراد أمريكيين في دول ثالثة (خاصة العراق وسوريا) أو في البحر، هذا السيناريو يستمر لفترة بسيطة، على اعتبار أن الجانبين سيعمل على وقف التصعيد، هذا الصراع سيؤدي لإرتفاع سعر برميل النفط فوق 100$، مع ارتفاع معدلات التأمين على ناقلات النفط.
السيناريو الثالث: المفاوضات.
احتمال إجراء محادثات بين الجانبين ضعيف جداً، ويُشكل نسبة 20%، وفقاً لتقديرات مجموعة أوروآسيا، ولكن لا يمكن تجاهله، في ظل دعوة الجانبين للمفاوصات، إذا انطلقت المفاوضات فمن المرجح أن تركز بشكل كبير على مسألة تبادل الأسرى، بحيث يفي بالحد الأدنى للجانبين، بالنسبة لإيران يخفف التوترات العسكرية، ويضعف العقوبات، ويعزيز الثقة المحلية، وبالنسبة لواشنطن يوفر لـ “ترامب” “فوزًا” سريعًا في الحملة الانتخابية دون أن يخفف من تعقيدات القضايا النووية، بالنسبة للملف النووي سيصل الطرفان إلى تعديلات طفيفة تُشعر ترامب الفوز، واحتمال أن تشمل المفاوضات السياسة الإقليمية لإيران يبقى احتمال ضعيف.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية