البصرة تفتتح موسم الاحتجاجات الصيفية على تردي الخدمات

البصرة تفتتح موسم الاحتجاجات الصيفية على تردي الخدمات

الاحتجاجات الشعبية التي أصبحت تنطلق كل صيف وبشكل منتظم في شوارع العراق، وإذ تأخذ طابعا مطلبيا يتعلق بتحسين الخدمات ومعالجة الظروف الاجتماعية، إلاّ أنها تعكس بشكل أعمق تناقص ثقة رجل الشارع بالحكومات التي تقودها أحزاب دينية، الأمر الذي يبقي على احتمال تطوّر الحراك الاحتجاجي إلى ثورة شاملة ضدّ تجربة الحكم القائمة.

البصرة (العراق) – فشلت الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي في تفادي اندلاع موجة احتجاجات جديدة على الفساد وتردّي الخدمات وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وافتتحت محافظة البصرة، الخميس، “موسم” الاحتجاجات الصيفية حيث تجمّعت أعداد من الأهالي جلّهم من الشبان أمام المبنى الحكومي في مركز المحافظة للمطالبة بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد، فيما أغلقت القوات الأمنية مداخل المحافظة تحسبا لاتساع رقعة المظاهرات، في وقت أطلقت فيه الدعوات والنداءات للتظاهر في باقي محافظات جنوب العراق التي تعاني الظروف ذاتها من سوء الخدمات واستشراء البطالة وارتفاع نسب الفقر.

وخلال السنوات الأخيرة أصبح اندلاع مثل تلك الاحتجاجات ظاهرة ملازمة لفصل الصيف الذي يكشف بحرارته اللاهبة هشاشة البنى التحتية وتردّي خدمتي التزويد بالماء والكهرباء، الأمر الذي يذكّر العراقيين بظاهرة الفساد المتغلغلة في مفاصل الدولة وبفشل تجربة الحكم التي تقودها الأحزاب الدينية وتبديدها الثروات الضخمة للبلد المصنّف ضمن كبار منتجي ومصدّري النفط العالميين فضلا عن امتلاكه ثروات أخرى فشلت الحكومات في استغلالها وتطويرها فتراجعت وقلّت مردوديتها على غرار ما جرى للقطاع الزراعي.

وأخذت احتجاجات الصيف الماضي في البصرة مدى أوسع إذ تخللها العنف وسقط فيها قتلى وجرحى ونجم عنها إحراق مقرات حزبية ودوائر حكومية، ما كاد يؤدي إلى إسقاط الحكومة.

ومنذ تولي رئيس الوزراء الحالي مهامه، صارت البصرة في أعلى قائمة الأولويات، إذ وجهت وزارة الكهرباء جهودها لتحسين أداء المنظومة الوطنية في هذه المحافظة، التي تسجل في بعض فترات الصيف درجات حرارة تناهز الخمسين درجة، مصحوبة بارتفاع معدلات الرطوبة.

تظاهرات الصيف تشكل رافعة جماهيرية لحراك المعارضة الذي أطلقته عدّة قوى سياسية ضد حكومة عادل عبدالمهدي

ولا تقتصر أزمة البصرة على انقطاع التيار الكهربائي، بل تتجاوزه إلى شحة كبيرة في إمدادات المياه الصالحة للشرب، بسبب تأثير اللّسان الملحي المتصل بالخليج على عذوبة المياه في شط العرب.

وتداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ونشطاء، صورا لإطارات عجلات مستعملة، وزّعها منظمو التظاهرات في شوارع البصرة لإحراقها إيذانا ببدء الاحتجاجات التي جرى التحشيد لها طيلة أسابيع على شبكة الإنترنت تحت وسم “#راجعيلكم” في إشارة إلى نية المتظاهرين العودة إلى الشوارع خلال الصيف.

وبدورها استعدت الأجهزة الأمنية لمواجهة التظاهرات وقامت ليلا بنشر عناصرها بشكل مكثف في الطرق الرئيسية ومحيط المباني الحكومية والحزبية والعُقد المرورية الرئيسية.

ولم يُخلف النشطاء وعدهم، إذ خرج المئات منهم صباح الخميس للتجمع في منطقة قبالة مبنى الحكومة المحلية، وسط البصرة، مطالبين بتوفير الخدمات وفرص العمل.

وراهنت السلطات الأمنية على ارتفاع درجات الحرارة، لثني المتظاهرين عن الخروج خلال ساعات النهار، لكن الوقائع برهنت على قدرة النشطاء على تنظيم التظاهرات حتى تحت حرارة تناهز الـ40 درجة مئوية، فضلا عن تجاهل الإجراءات الأمنية المشددة التي شملت إغلاق عدد من الطرق الرئيسية المؤدية إلى موقع التجمع بالأسلاك الشائكة، وتجهيز العربات المحملة بالغاز المسيل للدموع، إضافة إلى اصطفاف قوات مكافحة الشغب على بعد أمتار من المتظاهرين.

وخلال الصيف الماضي امتدت الاحتجاجات إلى محيط المباني والمنشآت ذات الصلة بقطاع النفط التي حاول المحتجون اقتحامها احتجاجا على تبديد الثروة النفطية التي يُنتَج القسم الأكبر منها في البصرة، وعلى عدم استفادة أبناء المحافظة منها.

ويعني المساس بقطاع النفط كارثة لحكومة عادل عبدالمهدي التي تعاني أصلا صعوبات مالية.

ويخشى محافظ البصرة أسعد العيداني أن تتكرر أحداث الصيف الماضي، التي اعتبرت على نطاق واسع إهانة لوجود الأحزاب الموالية لإيران في هذه المدينة، بعدما أحرق المتظاهرون عددا منها، فضلا عن إحراق مبنى القنصلية الإيرانية هناك، مطالبا بأن “تكون مطالب المتظاهرين واضحة وصريحة”.

وقال العيداني، الخميس، إن “المطالب، إذا كانت تتعلق بتوفير فرص العمل والخدمات فهي مشروعة”، محذّرا من أنه “لن يتم السماح بالتجاوز على مؤسسات الدولة أو تخريبها أو التعدي على المال العام أو الخاص”.

ولفت العيداني إلى أن “قيام المتظاهرين برفع علم العراق يعد علامة إيجابية تشير إلى سلمية التظاهرة”، فيما وجه الأجهزة الأمنية بـ“التركيز على حفظ أمن المتظاهرين السلميين أولا ومن ثم حفظ مؤسسات الدولة”. وأعرب العيداني عن تخوّفه من “استغلال البعض لتلك التظاهرات لأجل تخريب مؤسسات الدولة”.

وجاءت تصريحات العيداني بعدما أعلنت الشرطة المحلية في البصرة “وضع خطة أمنية لحماية التظاهرات السلمية”، فيما أكدت أنها “ستتخذ أقصى الإجراءات الرادعة ضد كل من يعبث بممتلكات الدولة”.

ويقول مراقبون إن تظاهرات الصيف، ربما تشكل رافعة جماهيرية لحراك المعارضة الذي أطلقته قوى سياسية بارزة، بينها ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم.

وسبق لـ“العرب” أن سلطت الضوء، في تقارير عديدة، على مواقف أطراف سياسية عراقية، تراهن على احتجاجات الصيف، للدفع نحو الإطاحة بحكومة عبدالمهدي.

وفي حال صحت هذه التقديرات، وازداد ضغط الشارع على الحكومة، متسلحا بإسناد من تيار المعارضة الذي يجتذب المزيد من القوى السياسية الغاضبة، فإن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي قد يلجأ إلى حلفاء إيران، الذين يقودون ميليشيات قوية، لإسناد بقائه، وسط توقعات بأن تحجم أجهزة الأمن عن التورط في أعمال واسعة لقمع المحتجين. وربما تتعزز هذه التقديرات، في حال نزل أنصار رجل الدين الشيعي واسع التأثير مقتدى الصدر، إلى الشارع، لإسناد متظاهري البصرة، ما سيضع الميليشيات في مواجهة حركة الاحتجاج.

العرب