رغم ما تعرضوا له على مدار قرن من الزمن، ابتداءً بالانتداب البريطاني عام 1920، مرورًا بنكبة 1948 ونكسة 1967؛ يواصل الفلسطينيون مواجهة محاولات سلب ما تبقى لهم من حقوق.
ويقرأ العديد من المراقبين، في هذا الإطار، ما يدور من حديث حول “خطة سلام أمريكية”، يُطلق عليها إعلاميًا “صفقة القرن”، بدءا بشقها الاقتصادي، المتمثل بمؤتمر المنامة، والمقرر أن تستضيفه العاصمة البحرينية يومي الثلاثاء والأربعاء.
ويعيش جل الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو 13 مليونًا حول العالم؛ في حالة هجرة ولجوء، ويقطن أغلبهم في مخيمات بالضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان؛ في ظروف إنسانية قاسية، إلا أن إسرائيل تواصل اعتبارهم “تهديدًا وجوديًا”.
من “ماكغي” إلى “كلينتون” وصولًا إلى “كوشنر”
وأشار “علاء البرغوثي”، الباحث والمتخصص بقضايا اللجوء وحقوق الإنسان؛ أن المشاريع الأمريكية التي تهدف إلى “تعزيز أمن إسرائيل” بإزالة “شبح العودة”؛ بدأت من اليوم التالي لتهجير الفلسطينيين.
وقال البرغوثي: “إن تلك المشاريع المشبوهة مستمرة منذ عام 1948، وجلها برعاية من واشنطن؛ سعت إلى توطين الفلسطينيين في الشتات”.
وأضاف أن من تلك المشاريع خطة مستشار وزير الخارجية الأمريكي جورج ماكغي (1949-1951)، ورؤية الرئيس الأسبق بيل كلينتون (1993-2001)”.
وأوضح أن مشروع “ماكغي” كان قائمًا على أساس تقديم دول غربية دعمًا لإنشاء مشاريع اقتصادية، بهدف توطين اللاجئين في أماكن وجودهم، مع الاكتفاء بإعادة عدد محدود، وهو ما تضمنته لاحقًا، بشكل أو بآخر؛ “رؤية كلينتون”، عام 2000.
وتابع أن تلك الخطط، وغيرها، باءت بالفشل جراء رفض شعوب المنطقة أي حل لا يضمن الحقوق الفلسطينية، مؤكدًا أن “صفقة القرن” ستفشل هي الأخرى، والتي يعد “جاريد كوشنر”، مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ عرابها.
وحول سبب “الذعر” الإسرائيلي من تلك المخيمات “المسحوقة”، أشار البرغوثي إلى دور اللاجئين الفلسطينيين في مسيرة النضال والثورة، وهباتهم للوقوف إلى جانب إخوانهم في الأراضي المحتلة، فضلًا عن احتفاظهم بحق العودة والتعويض، المكفول أمميًا، ومصابرتهم على البقاء قرب أراضيهم.
كما ذكّر بلحظة تاريخية فارقة، بعثت برسائل لما قد يشكل “كابوسًا وجوديًا” لإسرائيل، عندما أطلق لاجئون في سوريا “مسيرات العودة” قرب الجولان المحتل عام 2011، وتمكن بعضهم اختراق الحدود، مؤكدين عدم نسيان الأجيال لحقهم وحق آبائهم وأجدادهم.
“خزّانات الثورة”
أشار الباحث والناشط الفلسطيني إلى أن رحلة اللجوء بدأت عام 1948 “بعد مجازر مروعة قامت بها عصابات صهيونية ضد الفلسطينيين، حيث تم تهجير نحو 900 ألف فلسطيني إلى خارج وطنهم”.
واليوم، يضيف البرغوثي: “يقارب عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم نحو 8.5 مليون لاجئاً، وتتركز مخيماتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الطوق وتحديداً سوريا ولبنان والأردن”.
وتابع أن لبنان تضم 12 مخيما، وأكبرها مخيم عين الحلوة، فيما تضم سوريا 11 مخيماً وأكبرها “اليرموك”، والأردن 12 أكبرها مخيم البقعة، إلى جانب 8 مخيمات في قطاع غزة و24 مخيماً في الضفة الغربية.
وأضاف: “شكل لجوء الفلسطينيون حالة فريدة، حيث حافظوا على تمسكهم بحقهم بالعودة، وحولوا مخيماتهم إلى خزانات للثورة، فكانت رغم بعدها ذات تأثير قوي على المسيرة النضالية للشعب في الداخل ضد غطرسة الاحتلال”.
لجوء الفلسطينيون شكل حالة فريدة، حيث حافظوا على تمسكهم بحقهم بالعودة، وحولوا مخيماتهم إلى خزانات للثورة، فكانت رغم بعدها ذات تأثير قوي على المسيرة النضالية للشعب في الداخل ضد غطرسة الاحتلال
التهجير إلى “ما وراء البحر”.. أو ربما إلى أعماقه!
بالتوازي مع مشاريع “التوطين”، أتت نيران العديد من الأحداث في المنطقة على مخيمات الفلسطينيين، سيما في حرب لبنان الأهلية (1975-1990) التي شهدت مجازر بشعة بحق اللاجئين، قبل أن يتجدد ذلك السيناريو بعد الغزو الأمريكي للعراق، وفي حرب سوريا المستمرة منذ عام 2011.
وبهذا الخصوص، أكد “البرغوثي” أن المخيمات في سوريا ما تزال تتعرض للقصف والحصار والتدمير منذ 2011؛ “وأبشعها ما تعرض مخيم اليرموك بدمشق”.
وذكّر الباحث الفلسطيني بتصريح لـ”استيفان دوغريك”، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في مايو/ أيار 2018، قال فيه إن مخيم اليرموك “في حالة دمار كامل”، مؤكدًا أن مبنىً واحدًا فيه لم يسلم من التدمير الكلي أو الجزئي.
ولفت البرغوثي أن “اليرموك”، الذي كان يضم أكثر من 120 ألف لاجئ قبل الحرب، لم يعد فيه سوى المئات، وربما العشرات، وهو المخيم الذي توعده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون (2001-2006)، في إحدى خطاباته، عام 1982.
وتابع أن فلسطينيي سوريا، الذين يختزلون ما جرى وقد يجري في عموم المنطقة؛ باتوا بين قتيل ومُهجّر “من جديد”، والأخطر من ذلك أن الإحصاءات غير الرسمية تشير أن 100 ألف منهم سلكوا البحر الأبيض المتوسط على “قوارب الموت” نحو أوروبا، من أصل نصف مليون لاجئ.
وأضاف أن أكثر من 55 لاجئًا لقوا مصرعهم غرقًا في مياه المتوسط، بحسب تقارير متفرقة، مؤكدًا أن العدد يفوق ذلك بكثير، في ظل صعوبة التوثيق وتتبع من يحاولون خوض البحر.
ويثير ذلك المشهد مخاوف كبيرة على مستقبل الفلسطينيين قرب ديارهم الأصلية، وعلى “حق العودة المقدّس”، سيما وأن أولى ملامح صفقة القرن “لا تبشر بخير” بحسب البرغوثي، إذ يبدو أنها لن تكتفي بدعم مسار “التوطين”، وربما تتضمن التهجير والتعويض وكل ما من شأنه اقتلاع من رابطوا على حدود بلادهم منذ 7 عقود.
ويشير البرغوثي أن إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة؛ لا تكتفيان بما حصل للاجئين وبما تدبران لهم من “مشاريع”؛ حيث تشنان حملة كبيرة على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، التي بالكاد توفر الحد الأدنى من أساسيات الحياة للمخيمات، وصولًا إلى إعلان واشنطن قطع تمويلها بشكل كامل في أغسطس/ آب 2018.
توقيت “الصفقة” وأولى خطواتها العملية “المؤتمر”
رأى “البرغوثي” أن الحديث عن “صفقة القرن”، وأولى خطواتها العملية المتمثلة بعقد “مؤتمر المنامة”، يتزامن مع “واحدة من أكثر المراحل تفككًا على المستوى الفلسطيني”، في إشارة إلى الانقسام الحاد بين حركتي فتح وحماس.
وأضاف أن ذلك الانقسام، المستمر منذ عام 2007 “انعكس سلبًا على الوضع الفلسطيني داخليًا وخارجيًا”.
وتابع أن المرحلة الراهنة تشهد أيضًا إحكام إسرائيل حصارها على قطاع غزة، “وتخلي الكثير من الأنظمة العربية عن القضية، بل وسعي بعضها للتنسيق مع إسرائيل علنًا”.
وأشار الباحث والحقوقي إلى أن “تولي ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة شكل دعماً غير محدود للاحتلال، وبلغ أوجه بقراره نقل سفارة واشنطن لدى إسرائيل إلى مدينة القدس”.
وقال: “هنا نرى أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على استغلال الأوضاع المحلية والإقليمية والدعم الأمريكي غير محدود لتسريع عملية تصفية الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة، في ظل تخاذل رسمي عربي معلن وغير مسبوق”.
وأضاف: “عوضاً عن متابعة اجتماعات عربية لدعم صمود الشعب الفلسطيني، فقد بتنا هذه الأيام نسمع عن مؤتمرات وورش عمل تطبيعية تضع الشعب الفلسطيني ككبش فداء لتحقيق مصالح ضيقة لهذا النظام أو ذاك”.
إلا أن البرغوثي أعرب في الوقت نفسه عن اعتقاده أن “الفارق الكبير بين الموقف الرسمي لبعض الدول العربية والموقف الشعبي سيحول دون اختراقات كبيرة”.
وتابع: “علينا ألا نغفل الحراك الشعبي المعارض لأي من تلك المواقف المتخاذلة، فالشعوب العربية اليوم في حالة تباين واضحة مع أنظمتها الحاكمة، وهو ما يراهن عليه بإيقاف مساعي سلب الحقوق”.
“مؤتمر المنامة لن يضر سوى المشاركين فيه”
أكد البرغوثي أن “مؤتمر المنامة، رغم خطورته؛ فلن يضر سوى من شاركوا فيه، إذ سيكون شاهداً واضحاً على غياب الأمانة والمسؤولية لدى بعض الأنظمة، والتي كانت تدعي منذ فترات قريبة أنها مساندة للحق الفلسطيني وحامية للقدس ومصالح المسلمين”.
وقال: “اعتماداً على التاريخ، ورغم حالة الضعف التي نمر بها، سيكون مصير ما يصدر عن مؤتمر المنامة مشابهاً لأي مشاريع طرحها حلفاء الاحتلال في الماضي، فهي بنهاية المطاف ستفشل”.
إلا أنه حذّر من أن ذلك “الفشل” لا يعني الإضرار بالقضية والحقوق، واصفًا تلك الخطوات بـ”الطعنة في الظهر”.
وأوضح أن مُخرجات المؤتمر ستضاعف الحصار على رافضي “صفقة القرن”، و”الكل الفلسطيني”، ما يؤكد ضرورة التنسيق بين مختلف الفصائل، سيما حركتا فتح وحماس.
وتابع: “الشعب الفلسطيني اليوم بحاجة ماسة لمواقف صادقة وحازمة من أصدقائه والدول الداعمة لحقوقه، وللعمل على التصدي لأي مشاريع من شأنها تعريضها للخطر”.
وشدد البرغوثي أن “العودة” حق قانوني تم التأكيد عليه في القرار 194 للأمم المتحدة.
وأوضح أن القرار “أكد على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، فيما صدر منذ عام 1949 أكثر من 30 قرارًا عن الأمم المتحدة تؤكد على ذلك الحق”.
وبشأن إمكانية تغير الموقف الأمريكي، قال إن واشنطن “تبحث دائمًا عن مصالحها، وما كانت لتخطوا هذه الخطوات المتسارعة لولا وجود غطاء من بعض الدول العربية”.
وخلص إلى أن “الأمر مرهون أكثر بتغير المواقف الإقليمية منه بتغيير الإدارة الأمريكية”، مؤكدًا أن قرارًا عربيًا حازمًا من شأنه تغيير المعادلة.