حاولت طهران التقليل من أثر العقوبات الاقتصادية الجديدة التي وقّعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس، على الرغم من أن التدابير تستهدف المرشد الأعلى علي خامنئي، الشخصية الأولى في الدولة، إضافة إلى قادة عسكريين رئيسيين. وفي حال إضافة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى القائمة هذا الأسبوع، كما يؤكد وزير الخزانة الأميركي، فإن رحلاته إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك ستتوقف، وسيتقلص ظهوره المتكرر على محطات التلفزة الأميركية التي طالما استخدمها لمخاطبة الرأي العام الأميركي والعالمي. لكن بعد هذه النقطة، باتت إيران أمام مخاطر التصعيد المستمر مع الولايات المتحدة، إن لجهة تكرار الحوادث في مضيق هرمز، أو عبر تصميم قيادتها على خرق التزاماتها النووية في اتفاق يوليو (تموز) العام 2015.
إغلاق الأبواب
القنصل العام الإيراني في دولة الإمارات، عبد الرسول دوكاهكي، اعتبر أن واشنطن بفرضها عقوبات تستهدف مسؤولين بارزين، على رأسهم المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، تكون بذلك قد أغلقت الأبواب في وجه الدبلوماسية. وقال دوكاهكي لـ”إندبندنت عربية” إن “الولايات المتحدة تسعى إلى فرض شتى أنواع الحصار على إيران، وإن كل حصار يُفرض على بلاده سيواجه بمقاومة من القيادة والشعب الإيراني على حدّ سواء”، واعتبر الحصار “جائراً ومنافياً للقوانين الدولية، ويمهّد للمواجهة بين البلدين”، ودعا الولايات المتحدة إلى تحسين أخلاقيات التعامل مع بلاده، نافياً الاتهامات بأن أموال المسؤولين الإيرانيين تصبّ في تمويل وكلاء طهران من الجماعات الإرهابية.
خامنئي وظريف
الصحافة الإيرانية ردّت بتهكم على القرار الأميركي. وقالت إن “خامنئي لا يسافر أبداً إلى الخارج، والمنظومة التي يديرها لا تعتمد كثيراً على الخدمات المصرفية الدولية”. واعتبرت أن “الحظر على دخوله الولايات المتحدة أو التعامل مع المؤسسات المالية الأميركية لا معنى له”، وأضافت أن الأمر نفسه ينطبق على معظم ضباط “الحرس الثوري” الذين فُرضت عليهم عقوبات الاثنين. ولفتت إلى أنه بموجب النظام السياسي الإيراني، تُعدّ موافقة خامنئي أساسية في أي محادثات مع واشنطن، والعقوبات لن تسهّل عليه منحها. لكنها رأت أن الأمر الأكثر دهشة هو إضافة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لائحة العقوبات. فالدبلوماسي الإيراني تلقّى تعليمه في الولايات المتحدة، ويُصنّف في خانة المعتدلين ضمن النظام، إضافة إلى أنه سيكون القناة الرئيسة لأي مفاوضات مقبلة، ورأت أن معاقبة ظريف ستقوض دعوات ترمب إلى إعادة فتح المحادثات النووية.
ورقة النووي
ومن خلال لعب الأوراق على الطاولة، سرّعت الحكومة الإيرانية في المقابل خطى أزمة أخرى، وصعدت القضية النووية، معلنة أنها ستبدأ في التحرّر من التزاماتها بحلول السابع من يوليو (تموز) المقبل. وستعمل على إحياء أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها إذا لم يعمل الموقّعون الآخرون على اتفاق العام 2015 على موازنة التأثير الاقتصادي للعقوبات الأميركية. فمن الواضح أن الحصار المفروض عليها منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق في مايو (أيار) العام 2018، قلّص صادراتها النفطية.
حرب اقتصادية
وتسعى إدارة الرئيس ترمب إلى جعل الصادرات النفطية الإيرانية “أقرب ما يكون إلى الصفر”، معتبرة أنها ستكون قادرة على الوصول إليه خلال هذه السنة. وتقول وكالة “بلومبيرغ” إن “الصادرات النفطية الإيرانية انخفضت من مليون ونصف مليون برميل يومياً في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 إلى 750 ألف برميل في أبريل (نيسان) هذه السنة. وفي مايو (أيار) الماضي ألغت الولايات المتحدة آخر استثناءات كانت مكنت 8 دول من مواصلة شراء النفط الإيراني. وأعلنت تركيا والهند أنهما أوقفتا تعاملاتهما مع طهران. وفي يونيو (حزيران) أعلنت إيران أنها تواصل تصدير نفطها عبر “عمليات بيع غير رسمية وغير تقليدية”، وإضافة إلى النفط الخام تستهدف العقوبات أيضا نوعا من النفط الخفيف. والقطاع الثاني المهم هو البتروكيماويات، ففي السابع من يونيو (حزيران) فرضت واشنطن عقوبات على أكبر الشركات للبتروكماويات الضخمة المرتبطة بـ “الحرس الثوري”. وهذه الشركة مع فروعها تمثل نحو 40% من الإنتاج البتروكيماوي الايراني و50% من صادرات هذا القطاع. وتعتبر واشنطن أن هذه المجموعة تقدم دعما ماليا لمجموعة “خاتم الأنبياء” التابعة لـ”الحرس الثوري” وتنشط في غالبية مشاريع البنى التحتية الضخمة الإيرانية.
اقرأ المزيد
مجلس الأمن يحض على الحوار…وطهران: العقوبات على خامنئي نهاية الدبلوماسية
ترمب يفرض عقوبات على خامنئي… وظريف سيضاف إلى القائمة قريبا
ومنعت واشنطن في أغسطس (آب) 2018 الحكومة الإيرانية من شراء الدولار، ما أدى إلى صعوبات جمة بوجه السكان والشركات. كما تم حظر التعاملات بين المؤسسات المالية الأجنبية والمصرف المركزي الإيراني وجميع المصارف الإيرانية. ولم يعد بإمكان هذه المصارف الوصول إلى النظام المالي العالمي، كما حُظر تبادل الذهب والمعادن الثمينة مع إيران. أما قطاعا السيارات والطيران التجاري اللذان استفادا من فترة انفتاح مع رفع العقوبات إثر التوصل إلى الاتفاق النووي، ففرضت عليهما عقوبات، وتخلت غالبية شركات تصنيع السيارات الأوروبية عن استثماراتها في إيران. وفرضت أيضا عقوبات على بناء السفن والنقل البحري. وحظرت واشنطن استيراد السجاد أو المواد الغذائية الإيرانية.
ثروة خامنئي
ويشرف المرشد الأعلى علي خامنئي على منظمة تُعرف باسم “سيتاد” كانت قد صادرت جميع الممتلكات المهجورة بعد ثورة العام 1979 وتحوّلت إلى “طاغوت” تجاري بمقدّرات تبلغ نحو 95 مليار دولار. وقد أُخضعت “سيتاد” للعقوبات الأميركية، لكن القرار الجديد لترامب ذهب إلى استهداف أي شخص له علاقة بخامنئي ولا سيما الذين يتولون مجالس إدارة الشركة أو المسؤولين في حكومة الظل التابعة والتي تتمتع بصلاحيات واسعة. وتنتظر الإدارة الأميركية معرفة ما إذا كانت طهران ستضطر في النهاية إلى الاستسلام وقبول المفاوضات.
يشرف خامنئي على منظمة “سيتاد” التي صادرت جميع الممتلكات المهجورة بعد ثورة العام 1979 وتحوّلت إلى “طاغوت” تجاري (أ.ب.)
نظام “سويفت”
محمد رمضان، الخبير في الشأن الإيراني، توقع أن يكون الهدف المقبل هو نظام التحويلات البنكية، بحيث يمنع تحويل أي أموال من إيران وإليها من أي مكان من العالم. وذكّر بقرار الرئيس السابق باراك أوباما وقف نظام الدفعات المالية “سويفت” عن إيران، وكانت تلك العقوبة شديدة التأثير عليها. وتوقع أن يلجأ ترمب إلى خطوة مماثلة. وقال رمضان “علينا ألا ننسى أن النظام لديه صناديق تتبع للمرشد الأعلى. وهذه الأوقاف تختبىء تحت مظلتها شركات عدة مرتبطة ارتباطاً وثيقا بالاقتصاد الإيراني. وهي تقدم كثيراً من الأموال للفقراء لكسب ولائهم”، وذكر أنه “إضافة إلى ذلك، يقوم النظام الإيراني بطباعة أموال بشكل مستمر، وهذا هو السبب في الانخفاض الهائل في قيمة العملة الإيرانية، والارتفاع الكبير أيضا في مستوى التضخم في إيران. فالحكومة الإيرانية تغدق الأموال على الفلاحين والطبقة الفقيرة من الشعب لكسب ولائهم وهذه مشكلة كبيرة، لأن هناك مستويات عالية من الرضا ضمن هذه الطبقة التي تدعم النظام وتستميت من أجله”.
وبسؤال العميد والخبير العسكري المتقاعد خالد حمادة حول ورود اسم المرشد الإيراني علي خامنئي في العقوبات الجديدة فأجاب بالقول ” إنها رسالة أميركية مفادها أن لا أحد مستثنى من رموز النظام القائم ، وأن إدراج ثمانية مسؤولين في الحرس الثوري، يقطع طريق الدبلوماسية ويمنع الحصانة المصرفية عن الحسابات الشخصية لخامنئي، ومن أُدرج معه لعدم الألتفاف على العقوبات الأميركية واستعمال أسمائهم الشخصية في عمليات تحويل الأموال”. ويرى حمادة أن صدور القرار من البيت الأبيض وليس عبر وزارة الخزانة الأميركية “يعني أنه قرار رئاسي وغير مسموح الالتفاف عليه، ويعطيه الكثير من الجدية، وكأنه عنوان المرحلة المقبلة”.
انتظار يائس
وتحاول إيران في الوقت الراهن إخفاء انتظار يائس. فالإيرانيون يراهنون على أن ترمب لن يخوض حربا، وسيجدون منفذاً تفاوضياً في وقتٍ ما يجنّبهم المواجهة أو العزلة على طريقة كوبا أو كوريا الشمالية. ويعتبرون أن واشنطن، في رأيهم، مهتمة قبل كل شيء بالحوار بشأن القضية النووية. فاحتياطات “البنك المركزي الإيراني”، التي تُقدر بنحو 110 مليارات دولار، بما فيها 50 مليار دولار نقدا، لا تزال تسمح لهم بتحمل نحو سنتين من واردات الدولة، على الرغم من أن العقوبات وضرورة الإنفاق على الضروريات الأساسية وصولاً إلى دعم الفئات الأكثر فقرا. وهذه المدة تكفي حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في السنة 2020، وهي الأفق الوحيد للدولة الإيرانية. وتأمل الفصائل الإيرانية المعتدلة والمحافظة التي توحدت تقريباً حيال مقاربة السياسية المحلية، في وصول المرشح الديمقراطي إلى البيت الأبيض.
اندبندت