طالما لفتت القصور الرئاسية انتباه كل من مر من أمامها، ويعتري الفضول كل من نظر لأسوارها العالية وأبوابها المؤصدة، من يسكن بها؟ ما طبيعة حياتهم؟ وازدادت هذه التساؤلات تعقيداً وحيرة بعد الغزو الأميركي عام 2003، فأغلبها غُيب عن الأنظار، ولم يعد أحد يعلم عنها شيئا.
من الصعب معرفة الجهة المسؤولة عن إدارة هذه القصور وملكيتها، وحتى الجهات المسؤولة عن هذه الصروح ربما لا تملك الصلاحيات في التدخل بمن يسكنها.
الوضع القانوني
المحامي والخبير القانوني طارق حرب يؤكد أن المسؤولية عن هذه القصور معقدة، ففي بغداد ما زالت تابعة لوزارة المالية ولم يتم نقل ملكيتها لجهة أخرى حتى الآن، مشيرا إلى أن بعض القصور استثمرت بشكل قانوني ولكن الكثير من الأمور قد تكون غير قانونية تبعاً لبدلات الإيجار مع ما يتناسب من مساحة الأرض وموقعها الجغرافي والفترة الممنوحة للاستثمار والتي وصل بعضها إلى أربعين أو 45 سنة للمشروع الواحد.
وبالحديث عن حالات الاستثمار وفيما إذا كانت هناك شروط معينة، أجاب حرب بأن الأساس من استثمار هذه القصور هو إقامة منشآت تغير من الطابع السابق لها، وتغيير ما يمكن تغييره من ملامح البناء الأساسي وتحويلها لمواقع ترفيهية كما حدث مع قصور الشعب في حي الأعظمية، وقصر الكرخ الذي تم استثماره وتحويله إلى جامعة.
أما عضو اللجنة القانونية في البرلمان حسين العقابي فأقر بعدم تطبيق القانون الخاص بتحويل القصور إلى مواقع سياحية حتى الآن، مشيرا في الوقت ذاته إلى تكليف الحكومة القانوني والتزامها تجاه القصور الرئاسية وغيرها من المنشآت العامة وتوظيفها بالاتجاه الأمثل من حيث “تأجيرها أو تحويلها لدار ضيافة لكبار زوار العراق أو جعلها مؤسسات وهيئات عامة” مشددا على أن لجنته تضغط على الحكومة باتجاه استثمار هذا القطاع فيما يصب بمصلحة البلد.
وتعاني القصور الرئاسية من الإهمال على غرار الكثير من المنشآت، كما يوجد خلاف عشائري حول أحد القصور الموجود في منطقة الرضوانية غرب مدينة بغداد.
النائب د. غايب العميري عن تحالف “سائرون” بزعامة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أعرب عن أسفه لوجود هذا الإهمال الكبير، وطالب الحكومة بأن تكون أكثر حزما وقوة وأن يكون هناك قانون ملزم بملكية هذه القصور للدولة.
ساكنو القصور
وفيما يتعلق بشاغلي هذه القصور حاليا، كشف مصدر إعلامي رفض الكشف عن هويته أن جزءا من قصر الأعظمية مُنح لنقابة الصحفيين التي استثمرته وحولته لأماكن ترفيهية يرتادها عامة الناس، والجزء الآخر أقامت عليه هيئة الحشد الشعبي مشفى خاصا بها، والقصر الجمهوري الذي تم تغيير اسمه لقصر الحكومة مخصص للقاءات الرسمية والاجتماعات والمؤتمرات، في حين يسكن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أحد القصور بالمنطقة الخضراء، ووزير الخارجية السابق إبراهيم الجعفري في قصر آخر بهذه المنطقة، ورئيس جبهة الحوار الوطني صالح المطلك يسكن قصر العابد.
ويشغل جهاز مكافحة الإرهاب قصرين مقري عمل، وقصر آخر مخصص لقيادة العمليات المشتركة، في حين ما زال قصر السجود قرب السفارة الأميركية شاغرا، وتشغل قوات عسكرية قصور الرضوانية المقفلة، بحسب المصدر نفسه.
أما الرئيس برهم صالح فيسكن في قصر السلام، وقصر صقر القادسية منح للجامعة الأميركية، كما أقامت الشرطة الاتحادية مقرا لها في جزء كبير من القصر الرئاسي (قصر النسور).
وفي البصرة (جنوب) تم تحويل القصر الرئاسي هناك إلى متحف، أما قصر تكريت فتسيطر عليه قوات الحشد الشعبي.
رأي الشارع
ويبدو أن هذه القضية لا تشغل حيزا كبيرا من اهتمام بعض العراقيين، إذ يرى أمير أحمد (طالب في كلية القانون) أن القصور الرئاسية أمر قد لا يخطر ببال الكثير من الناس لانشغالهم بشحة الخدمات التي تمس حياتهم اليومية بشكل مباشر، ولا تعنيهم في حال أُهملت أو سُكنت من قبل هذه الجهة أو الشخصية أو تلك.
على عكس ذلك، يرى وقاص وهو شاب عشريني أن إصلاح البلد لا يتوقف على الاعتناء بجهة واحدة وإهمال الأخرى، وعلى الدولة بكل مفاصلها أخذ الوضع بكل تفاصيله بشكل جدي وتغييره بما يتلاءم مع مكانة البلد بشكل فعلي.
أما الأكثر غرابة فهو أن هذه القصور ما زالت تشكل لبعض الساسة شيئاً أشبه بالكابوس، باعتبار أن الحرفين الأولين من اسم الرئيس الراحل صدام حسين موجودان في كل مكان تقريبا، الأمر الذي دفعهم لتغيير ملامحها بشكل شبه جذري من خلال إدخال أعمال عمرانية أو منحها لجهات أخرى للاستثمار.
المصدر : الجزيرة