شكّل تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأميركي في الفترة التي سبقت انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، العنوان الأبرز للأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا.
ولكن فوز مرشح المعارضة التركية أكرم إمام أوغلو انعكس إيجابيا على سعر صرف الليرة، مما أثار عديد التساؤلات في أوساط الشارع التركي عما إذا كانت الأزمة اقتصادية أم سياسية؟ كما دارت شكوك حول وجود أيادٍ خفية داخلية وخارجية وقفت وراء أزمة الليرة ومن ثم التأثير على خيارات الناخبين؟
ووصل سعر صرف الليرة التركية عقب ظهور نتائج الانتخابات إلى 5.71 ليرات للدولار، وما زال يتراوح حول هذا الرقم، بعدما أغلق قبل الانتخابات مرتفعًا عند مستوى 5.82 ليرات بسبب الغموض حول نتائج انتخابات الإعادة التي جرت الأحد في إسطنبول.
وذكرت وكالة أنباء بلومبيرغ أن الليرة التركية ارتفعت بنسبة 1.2% أمام الدولار، بعد الفوز الذي حققته المعارضة في انتخابات بلدية إسطنبول.
ارتياح المستثمرين
ويعتقد الباحث بمركز الشرق الأوسط (أورسام) في أنقرة علي باكير أن المستثمرين تلقّوا نتيجة انتخابات إسطنبول بارتياح بالغ، وانعكس ذلك إيجابيا على السوق. كما أن حسم الموقف أتاح تحقيق استقرار، على اعتبار أن البلاد ستشهد فترة طويلة (أربع سنوات ونصف) دون استحقاق انتخابي.
وقال باكير للجزيرة نت إن “الحكومة التركية نجحت خلال المرحلة الماضية في احتواء الأزمة الاقتصادية، لكنها لم تحل جذور المشكلة، وبن علي يلدرم اعترف في المناظرة مع غريمه قبل عدة أيام بأنّ البلاد تعاني من أزمة اقتصادية”.
ولفت إلى أن هناك عوامل خارجية تضغط على سعر صرف العملة، لكن المشكلة الأساسية هي مشكلة داخلية بالدرجة الأولى.
وأضاف باكير أن “انتخابات الإعادة كانت حدثا طارئا، وسعر صرف العملة غير مرتبط بها وإنما بعوامل مالية اقتصادية بالدرجة الأولى”، مستبعدا وجود مؤشرات على قرب الانتهاء من مشكلة التراجع في سعر الصرف، لكن قد يساعد حلول فصل الصيف على جذب كميات كبيرة من العملة الصعبة، الأمر الذي سيساعد في الحد من التراجع في سعر الصرف أو ربما انتعاشه.
أزمة اقتصادية متجذرة
من جهته، قال الصحفي الاقتصادي بصحيفة “صباح” التركية أحمد إسماعيل للجزيرة نت إن “الانتعاش الذي أصاب الليرة إثر فوز إمام أوغلو هو رد فعل على تطبيق التجربة الديمقراطية في البلاد بكل سلاسة”.
وأضاف إسماعيل “سادت حالة ضبابية إثر رفض العدالة والتنمية للهزيمة في المرحلة الأولى من الانتخابات وتقديمه الطعون، مما أثار تخوفات المستثمرين من إمكانية تأثير الحزب الحاكم على نتيجة الانتخابات المعادة بشكل أو بآخر، وهو ما لم يفعله الحزب، مما أعطى حالة من الثقة للمستثمرين والأسواق المالية بشكل عام”.
وتابع “لا يمكن فصل تأثيرات العامل الاقتصادي عن السياسة، لكن اختلال الهيكل الاقتصادي في تركيا وانطواءه على ديون كبيرة -خاصة الديون القصيرة الأجل- كان السبب الرئيسي في ظهور الأزمة الاقتصادية، لا سيما أن الاختلال الكبير واقع في الميزان التجاري لبلاد لا تشكل الصناعة عمود اقتصادها الفقري ولا تخزن في باطنها موارد طاقة طبيعية، مما يرفع تكلفة الإنتاج في مختلف القطاعات، وهو نذير لأزمة قادمة مهما حاولت الحكومة تجنبها”.
فيما يتعلق بإمكانية وجود أيادٍ خفية داخلية وخارجية وقفت وراء أزمة الليرة ومن ثم التأثير على خيارات الناخبين، ذكر إسماعيل أنه يمكن لتكتلات الأعمال التأثير على أسعار الصرف إيجابا أو سلبا من خلال عدة طرق وأهمها المضاربات، لكنها حالة طبيعية في اقتصادات حرة يحاول فيها أصحاب المال تعزيز قوتهم بالعامل السياسي.
وحول توقعاته بشأن سعر الليرة بعد انتخابات إسطنبول، أكد أن هذه الانتخابات كانت عاملا لانتعاش الليرة على المدى القريب، وهي مناسبة للاقتصاد التركي ليلتقط أنفاسه قبل الدخول في الاستحقاقات القريبة القادمة، وأهمها تطورات صفقة “أس-400” ومعارضة الولايات المتحدة لها، وتهديد الإدارة الأميركية بفرض عقوبات إذا تمت الصفقة، فضلا عن استحقاق بعض الديون القصيرة خلال الأشهر القريبة القادمة، وهو ما يعد عامل ضغط على الاقتصاد.
واتخذت الحكومة التركية خلال الشهرين الأخيرين العديد من الاحتياطات لضبط الأداء النقدي، إلى جانب إجراءات أخرى من بينها تخفيض سعر العقار الذي يمنح صاحبه الجنسية التركية، وتخفيض الاحتياطي على الودائع الأجنبية، مما زاد من عرض الدولار في السوق.
وترافق ذلك -بحسب مراقبين- مع تحسّن مؤشر ثقة المستهلك وأداء الميزان التجاري وإيرادات النقد الأجنبي، خاصة من السياحة والصادرات. وكل هذه الأسباب جاءت مجتمعة في صالح الليرة.
وكانت الليرة التركية قد فقدت نحو 14% من قيمتها منذ بداية العام 2019 لأسباب معظمها سياسي، من بينها تنامي الخلاف بين أنقرة وواشنطن.
المصدر : الجزيرة