أوبك تفتح ذراعيها لبوتين في مواجهة ضغوط ترامب

أوبك تفتح ذراعيها لبوتين في مواجهة ضغوط ترامب

كشف الإعلان الاستباقي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أن منظمة أوبك ستمدد خفض إنتاج النفط قبل أن تجتمع المنظمة وتقره، وذلك بالتوافق مع السعودية، عن رغبة موسكو والرياض في المحافظة على استقرار أسعار النفط ومواجهة ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يريد خفض أسعار الوقود. كما يكشف تنامي الدور الروسي بالمنظمة بشكل إيجابي. ورغم أن روسيا ليست عضوا في أوبك، إلا أنها تحولت من عدو لدود إلى طرف موثوق فيه بسبب المصالح المشتركة.

أوليسيا أستاخوفا وديمتري جدانيكوف وبوزورجمهر شرف الدين

فيينا – حينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع الأسبوع أن منظمة أوبك ستمدد خفض إنتاج النفط، كاشفا عن اتفاق قبل حتى أن تجتمع المنظمة وتقره، أغضبت تلك الخطوة بعض الدول الأعضاء في أوبك. واستاءت تلك الدول من الدور القيادي لبلد، ليس عضوا في أوبك وكان يعتبر سابقا عدوا في أسواق النفط، في تشكيل ملامح سياسات المنظمة.

لكن الواقع لم يلبث أن فرض نفسه، وجاء معه القبول بأن موسكو يمكن أن تساعد أوبك في تحقيق هدفها المتمثل في دعم أسعار النفط في وقت تواجه فيه ضغوطا مكثفة على جبهة أخرى هي الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويمارس ترامب ضغوطا غير مسبوقة على أوبك، مطالبا إياها بضخ المزيد من الخام لدفع أسعار البنزين للهبوط، وهي قضية داخلية مهمة له في سعيه لإعادة انتخابه العام القادم.

ولعب التوافق السعودي الروسي دورا مهما في نجاح اتفاق منظمة اوبك. وتسعى الرياض إلى الحفاظ على إنتاج أوبك لسد الفجوة التي خلفتها ذروة تصعيد العقوبات الأميركية ضد إيران على خلفية تدخلاتها في المنطقة وإشعال فتيل التوتر. وبعث التوافق برسالة واضحة لإيران التي تعوّل على روسيا في ملفات دبلوماسية كثيرة، مفادها أن ملف النفط مختلف تماما، وأن المصالح الروسية تفترض الدفع نحو تخفيضات ضرورية لاستقرار السوق.

في البداية أبدى وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه غضبه من الإعلان الاستباقي لبوتين حول تمديد خفض الإنتاج. وقال زنغنه الإثنين “أوبك ستموت جراء هذه الممارسات”، قبيل اجتماع وزراء المنظمة لإقرار اتفاق محسوم بالفعل، منتقدا هيمنة روسيا على شؤون المنظمة.

لكن بحلول مساء الثلاثاء، أبدى زنغنه دعمه للاتفاق، وقال “كان الاجتماع جيدا بالنسبة لإيران، وحققنا ما كنا نريده”، في خطوة يرى فيها مراقبون أن إيران التي تعيش وضعا اقتصاديا صعبا، بحاجة لدعم روسي ومن مصلحتها تأييد الاتفاق.

وخلافا لكل التوقعات أصبح فرقاء الأمس شركاء اليوم، وشكلت أوبك مع روسيا “تحالف أوبك+” لخفض إمدادات النفط العالمية بهدف التصدي للارتفاع الكبير في إنتاج الولايات المتحدة وضعف الاقتصاد العالمي. إنه زواج مصلحة، حيث يريد كل من الطرفين رفع أسعار النفط لدعم أوضاعه المالية، كما أن التحالف من شأنه أيضا دعم موقف أوبك في مواجهة مطالب ترامب.

وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح حينما سئُل عما إذا كان بوتين قد أصبح الآن رئيسا لأوبك، “لا أعتقد أن روسيا هي التي تدير الأمور”، ثم أردف قائلا “أعتقد أن نفوذ روسيا موضع ترحيب”.

واتفق حسين كاظم بور أردبيلي محافظ إيران في أوبك مع هذا الرأي، عاكسا النبرة التصالحية لرئيسه زنغنه، وقال “روسيا لاعب كبير. إذا كانت قد أعلنت شيئا ما بالاتفاق مع بقية أعضاء أوبك، فهذا أمر مُرحب به، فنحن نعمل سويا”.

كما قال العراق، الذي تجاوز إيران ليصبح ثاني أكبر منتج في أوبك بعد السعودية واستحوذ على حصتها السوقية في أوروبا وآسيا، إن الدور المتنامي لموسكو أمر إيجابي. ويشكل مثل هذا التوافق تحولا حادا في العلاقات بين أوبك وروسيا، بعدما ناصبتها المنظمة العداء وعدم الثقة لعقود.

ففي عام 2001، اتفقت روسيا مع أوبك على خفض الإنتاج، لكنها لم تلتزم على الإطلاق بتعهداتها وبل وعززت إنتاجها. وسبّب ذلك أضرارا بالغة للعلاقات بين الطرفين، ولم تنجح محاولات أخرى للتعاون حتى تم تشكيل التحالف الأخير.

وفي كتابه “خارج الصحراء”، أوضح وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي أنه اجتمع مع مسؤولين روس في عام 2014، ولم يستغرق الاجتماع سوى دقائق، مضيفا أنه جمع أوراقه قائلا “أعتقد أن الاجتماع انتهى”، وذلك بمجرد أن علم بأن روسيا لن تخفض الإنتاج.

ويكشف اجتماع منظمة أوبك الأخير عن تغير الديناميات في سوق النفط. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشار السبت إلى أنه اتفق مع السعودية على تمديد خفض الإنتاج الحالي البالغ 1.2 مليون برميل يوميا، بما يعادل 1.2 بالمئة من الطلب العالمي، من ستة إلى تسعة أشهر حتى ديسمبر 2019 أو مارس 2020.

واعتبر جاري روس الرئيس التنفيذي لبلاك جولد انفستورز أن هذه الخطوة تظهر تغير ديناميات سوق النفط، لكنها في المقابل تؤكد التزام الرياض وموسكو باستقرار سوق النفط فيما لا “يهتم ترامب إلا بأمر واحد هو انخفاض أسعار النفط”.

أما بوتين فيريد ارتفاع الأسعار ويرى من بالغ الأهمية التوافق مع أوبك، حيث من مصلحة روسيا التعاون معها، بما أن نصف ميزانيتها يأتي من إيرادات الطاقة.

وتحتاج روسيا لأسعار تتراوح بين 45 و50 دولارا للبرميل لتحقيق التعادل في ميزانيتها، وتتعرض ماليتها العامة لضغوط جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد ضمها لشبه جزيرة القرم. أما السعودية فتحتاج لسعر أعلى يبلغ 80 دولارا للبرميل.

ويدور سعر خام القياس العالمي برنت حاليا حول 65 دولارا للبرميل.

ووفقا لما ذكره مصدران في الوفد الروسي إلى فيينا، محل انعقاد اجتماع مسؤولي أوبك، يمنح التعاون بين روسيا ومنظمة أوبك بوتين الكثير من العوائد الإضافية، وهي خطوة تحمل بلا شك أبعادا سياسية إذ بإمكانها أن تعزز نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وتدعم حملة بوتين في سوريا بل وربما تساهم في إصلاح العلاقات مع واشنطن.

ومما يسلط الضوء على تلك الأدوار المتشابكة، يرأس وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عددا من اللجان الحكومية الروسية المعنية بالتجارة والتعاون بما في ذلك مع السعودية وإيران وتركيا وقطر.

ويوضح تغير نبرة إيران بصفة خاصة الضغوط السياسية والاقتصادية المتضاربة التي تواجهها. فانخفاض إنتاج طهران، بسبب العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها ووسع ترامب نطاقها، قلص من دور إيران داخل أوبك بينما يعزز دور السعودية وروسيا غير العضو بالمنظمة.

وهبطت صادرات إيران النفطية إلى 0.3 مليون برميل يوميا في يونيو من نحو 2.5 مليون برميل يوميا في أبريل 2018. غير أن إيران نفسها تتطلع للحصول على المساعدة من روسيا،
وهي واحدة من دول قليلة عرضت مساندة طهران في مواجهة العقوبات التي تخنق تجارتها النفطية وتعرقل اقتصادها.

وقال مصدران بقطاع الطاقة الروسي إن هناك بعض العمل الذي يجري لتعزيز الاقتصاد الإيراني، لكن المحادثات بطيئة وصعبة، دون أن يكشفا أي تفاصيل بخصوص طبيعة هذه الخطط.

العرب