من العاصمة أديس أبابا أقلتنا الطائرة إلى مدينة أصوصا حيث بتنا ليلتنا، وعند بزوغ الفجر ركبنا سيارة دفع رباعي في رحلة شاقة، متجهين إلى سد النهضة العملاق.
في الطريق، تتناثر المنازل المصنوعة من أشجار البامبو والخيزران والحشائش، ويقطنها أناس ينحدرون من قبائل “البرتا” التي تتحدث اللغة النيلية بالإضافة إلى العربية.
تقع هذه المناطق ضمن إقليم “بني شنقول غومز” الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، ويتبع الفدرالية الإثيوبية المكونة من تسعة أقاليم.
وفي وادٍ تطوقه الجبال، يستلقي سد النهضة على مساحة تبلغ 1800 كلم2، وهي تساوي مساحة عشرة ملاعب كرة قدم.
جاءت الزيارة بتنسيق وترتيب من قسم الإعلام في مشروع سد النهضة، وتأتي بعد تعليق دخول الصحفيين إلى المشروع لعام ونصف على خلفية تعثر الأشغال وسحبه من الشركة المحلية المنفذة، إضافة إلى وفاة مديره السابق.
نسبة الإنجاز
وعقب الوصول، أجرى المهندس أفريم ولدي نائب مدير المشروع مؤتمرا صحفيا تطرق فيه لتفاصيل سير الأعمال في السد.
وأشار المهندس ولدي إلى أن العمل يمضي وفق جداول محددة، موضحا أن نسبة الإنجاز بشكل عام بلغت 67%، ومبينا أن المرحلة الأولى من إنتاج الطاقة ستبدأ بحلول العام 2020 بطاقة 750 ميغاواتا سنويا، في حين سيبلغ الإنتاج طاقته القصوى عام 2022.
قمنا بجولة في محيط المشروع وسمح للإعلاميين لأول مرة بالوصول إلى أماكن لم يتح لهم من قبل بلوغها، مثل باطن السد حيث “غرفة الطاقة” التي تحتضن التوربينات والمولدات الخاصة.
الغلاف الحلزوني
يقول المهندس الكهربائي ريم غبري هويت إنه تم استكمال عقود تصنيع كافة “توربينات” سد النهضة البالغ عددها 16، وذلك بإشراف شركات أجنبية متخصصة، وسيتم توريدها تباعا.
ويوضح المهندس هويت في حديثه للجزيرة نت أن توربينتين ستبدآن العمل في العام المقبل، مشيرا بيده إلى أنبوب ضخم في قاع السد، وقال “هذا هو الغلاف الحلزوني أو غلاف التمرير الذي سيعبر منه الماء إلى التوربينة.. تقريبا انتهينا من صناعة اثنين منه”.
وصلنا بحيرة السد أو “الخزان” كما يعرف فنيا، وهو موقع لم تكن السلطات تسمح بتصويره، وهنا التقينا بمهندس الإنشاءات ريبورتو ملينيني الذي يمثل شركة “ساليني إمبرجيلو” الإيطالية، المقاول الرئيسي للسد.
يوضح ملينيني أنه في حال اكتمال الجسم الخرساني للسد، ستنشأ خلفه بحيرة تستوعب 74 مليار متر مكعب من الماء، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أن السد صمم لكي يعمل بطاقة اندفاع المياه المخزنة في البحيرة، التي تضمن استقرارا كبيرا في توليد الكهرباء.
ويضيف أن ارتفاع المياه في البحيرة سيكون 145 مترا في حالة الفيضان، و85 مترا في حالة الجريان العادي للنهر، مبينا أنه متى ما امتلأت البحيرة سيصل ارتفاع منسوب المياه أمام السد إلى أعلى من 145 مترا.
وحين وصول الماء إلى هذا الارتفاع ستدور محطات التوربينات وتبدأ المياه بالتدفق عبر السد، مما ينتج عنه توليد الطاقة.
سد السرج
وعلى بعد خمسة كيلومترات شرق سد النهضة، يربض السد الاحتياطي المعروف فنيا باسم “سد السرج”، ويبلغ ارتفاعه 60 مترا، وقد اكتمل بناؤه بنسبة 98%.
وبحسب مدير الأعمال الإنشائية بلاشو كاسا فإن سد السرج يهدف إلى حصر مياه البحيرة وضمان عدم تسربها إلى المناطق المنخفضة، إضافة إلى دوره الهام في منع إغراق القرى المجاورة للسد في حالة حدوث أي فيضان.
ويرتكز معظم الخلاف بين الجانبين الإثيوبي والمصري حول الجانب الفني المرتبط بطريقة وتوقيت ملء البحيرة، حيث تقول مصر إن حجز المياه سيحرمها من 60% من حصتها القادمة من نهر النيل الأزرق، بينما تحتاج أصلا إلى رفع حصتها لسد احتياجاتها المتنامية لتوليد الكهرباء والاستخدام الزراعي.
في المقابل، تقول إثيوبيا إنها تنسق باستمرار مع دولتيْ المصب استنادًا إلى التزامها بمبدأ عدم الإضرار بمصالحهما، مشيرة إلى وجود نقص في المعلومات لدى مصر بشأن السد، ومؤكدة أنه لن يلحق ضررا بالشعب المصري.
وفيما يتعلق بمسار المفاوضات السياسية حول السد، كان آخر اجتماع بين الدول الثلاث في فبراير/شباط الماضي على مستوى الرؤساء، وذلك على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا.
وتمخض الاجتماع عن اتفاق بعدم الإضرار بمصالح الشعوب، والعمل المشترك لتحقيق التنمية، إلى جانب عقد اجتماع سداسي على مستوى وزراء الخارجية والمياه ومسؤولي الأمن.
بيد أن هذا الاجتماع لم يعقد حتى الآن، بسبب تعذر حضور السودان نتيجة لتفاقم الأوضاع فيه.
يشار إلى أن العمل في سد النهضة انطلق عام 2011 بتكلفة فاقت أربعة مليارات دولار، وبتمويل من الخزينة الحكومية وتبرعات الإثيوبيين.
ويعمل في السد قرابة عشرة آلاف شخص، وزعت فرص عملهم بالتساوي بين الأقاليم الإثيوبية التسعة، في رسالة مفادها إشراك ممثلين عن جميع قوميات الشعب الإثيوبي لإنجاز السد الذي سيصبح -حال اكتماله- أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا بطاقة إنتاجية سنوية تزيد عن ستة آلاف ميغاوات.
ومؤخرا، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن بناء السد سيتأخر لغاية العام 2022 وسيتطلب تكاليف إضافية، بعد أن كان مقررا الانتهاء منه عام 2017.
المصدر : الجزيرة