سد النهضة الإثيوبي بارقة أمل للتكامل الإقليمي

سد النهضة الإثيوبي بارقة أمل للتكامل الإقليمي

الربط بين شبكات إثيوبيا من سد النهضة الإثيوبي سيساهم في دعم موثوقيتها وأدائها إذا ما تم بالطريقة الملائمة.. كما أنه سيكون خطوة من خطوات التكامل الاقتصادي الذي يقود المنطقة برمتها إلى التقارب بين المجتمعات واندماجها واستخدام الموارد العامة وفق الطرق الصحيحة.. وهذا ما أكده البنك الدولي على بلدان شرق أفريقيا الإسراع بربط بلدانهم بالطاقة الكهربائية لنهضة المجموعات الاقتصادية الإقليمية بأنشطة وبرامج متنوعة في مجالات عديدة للتكامل مثل التجارة، وتشجيع الاستثمار، والبنية التحتية، وحرية تنقل الأشخاص، والتقارب الاقتصادي الكمي، والزراعة والأمن الغذائي، والسلام والأمن، والشؤون الاجتماعية، والسياحة.

والأسئلة التي تطرح نفسها: هل سيحقق سد النهضة التكامل الإقليمي؟ وما هي الدول التي وقعت اتفاقيات للربط الكهربائي مع إثيوبيا؟

أعلن مكتب التنسيق الوطني لبناء سد النهضة، اكتمال 95 في المئة من عمليات بناء السد، مشيرا إلى أنه تم جمع 18.9 مليار بير من المشاركة العامة منذ بداية المشروع. وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عقدته نائبة رئيس مكتب التنسيق الوطني لبناء سد النهضة، فقرتا تامرو، حول الذكرى الـ13 لوضع حجر الأساس لسد النهضة، الذي سيتم الاحتفال به تحت شعار “بوحدتنا استطعنا”.

لا شك أن سد النهضة الإثيوبي الكبير يلعب دورًا مهمًا للغاية في تمهيد طريق التكامل الاقتصادي الإقليمي بين دول حوض النيل. إحدى السمات الرئيسية للسد هي قدرته على تعزيز قدرة توليد الطاقة الكهرومائية في المنطقة بشكل كبير في أقرب وقت ممكن. وبعد اكتمال 95 في المئة نستطيع ان نطمئن ونقول “بوحدتنا استطعنا”.

بحلول 2037، تطمح إثيوبيا إلى أن يكون إجمالي القدرة الإنتاجية لتوليد الطاقة الكهربائية 37000 ميغاواط التي تجعلها مصدرا رئيسيا للكهرباء

في الواقع، من خلال استغلال قوة سد النهضة، يمكن لإثيوبيا أن توفر زيادة كبيرة في إمكانية الحصول على الكهرباء، وربما تعديل منحنى الطاقة لدول حوض النيل ودول الجوار وغيرها من القارة الأفريقية. وحقيقة، فإن الجهود الجماعية اللازمة للتخطيط والبناء والحفاظ على مثل هذا المشروع الرائد الضخم تساعد في تطوير اتصالات معززة بين هذه الدول في وقت قصير جدًا من أجل التكامل والتعاون البنّاء.

وعلى نفس المنوال، يعمل سد النهضة كنقطة انطلاق للحوار والمواءمة مما يسمح لهم بالعمل بشكل متضافر لتحقيق هدف مشترك يتمثل في نمو كبير وازدهار أوسع. وبصرف النظر عن قدرته على تحفيز التنمية الاقتصادية، يلعب السد دورًا كبيرًا في جذب الاستثمارات الأجنبية مما يجعل التنمية الصناعية أكثر سلاسة وخلق فرص عمل.

إن وجود السد يمكن أن يجذب الاستثمارات الخارجية لتحقيق النمو الصناعي وتشجيع خلق فرص العمل. يمكن لهذا التوسع الاقتصادي أن يؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة للسكان المحليين وتوفير الفرص للتخفيف من حدة الفقر. بالإضافة إلى توليد الكهرباء وفوائده الاقتصادية، يلعب مشروع تغيير قواعد اللعبة دورًا مهمًا للغاية في الاستدامة البيئية وانخفاض إفرازات الغازات الدفيئة مما يدعم جهود التخفيف من تغير المناخ وتعزيز مستقبل صديق للمناخ.

وقد بلغ بناء سد النهضة مؤخرًا بأكثر من 95 في المئة، وتم الانتهاء من المرحلة الرابعة من ملء الخزان لتمكين توليد طاقة كبيرة مما يزيد من الإمكانات الحالية من الطاقة الكهربائية وتصدير الفائض الي دول الجوار.

إثيوبيا والسودان
رواندا وبوروندي وتنزانيا وزامبيا وكينيا وجنوب السودان وأرض الصومال أبرمت اتفاقيات مع إثيوبيا للحصول على الطاقة الكهربائية

اليوم جدد وزير الطاقة والنفط د. محي الدين نعيم محمد سعيد، حرص الحكومة على تطوير التعاون في مجال الربط الكهربائي بين السودان وكل من مصر وإثيوبيا وقال في حوار مع وكالة السودان للأنباء إن الدولة تولي اهتماما خاصا بهذه المشروعات وتعمل على خطوات جادة وسريعة للدفع بهما إلى الأمام ، مبينا أن التعاون مع مصر وإثيوبيا في مجال الكهرباء مستمر ويرتبط السودان ومصر بمشروع “الربط الكهربائي السوداني المصري” الذي يبلغ حاليًا (80) ميغاواط فقط وهي دون طموح البلدين بحيث يستهدف البلدان الوصول إلى (300) ميغاواط ومن ثم (1000) ميغاواط، كاشفا عن جهود حاليا مع الجانب المصري لتطوير هذا التعاون وزيادة الربط الشبكي عبر دنقلا.

كما يرتبط السودان وإثيوبيا بمشروع “الربط الكهربائي السوداني – الإثيوبي” حيث يبلغ حالياً (300) ميغاواط وبدأ هذا المشروع باتفاقية مع السودان لمد إثيوبيا بفائض البنزين وبالمقابل مد إثيوبيا للسودان بفائض الكهرباء، وذلك عندما كان السودان ينتج من البنزين ما يكفي ويفيض عن حاجته قبل الانفصال.

إثيوبيا وكينيا
وأعلنت كينيا عن استكمال ربط شبكتها الوطنية مع إثيوبيا بحلول يونيو من هذا العام ، وصرح تشارلز كيتر، سكرتير مجلس الوزراء الكيني للطاقة، لوسائل إعلام بامبس – أفريكا أن “الاتصال الجديد سيكون جاهزًا للتشغيل خلال ثلاثة أشهر”. وستدخل كينيا في أعمال تجارة الطاقة من خلال هذا الربط الإقليمي الجديد.

ووفق شركة الكهرباء الإثيوبية في نوفمبر 2022 فإن التصدير يجري عبر خط تبلغ تكلفته 500 مليون دولار ولديه القدرة على نقل نحو 2000 ميغاواط من الكهرباء؛ ما يوفر لإثيوبيا مصدراً لتحقيق ما يصل إلى 100 مليون دولار سنوياً من العائد.

وأشار سكرتير المجلس إلى أن الرابط بين إثيوبيا وكينيا هو أطول خط نقل في شرق ووسط أفريقيا ويبلغ طوله 1045 كيلومترًا عند حدود مويالي المشتركة ولديه القدرة على تحمل 2000 ميغاواط من الكهرباء على الاتجاهين، وتكون السعة أعلى من الحد الأقصى لاستهلاك الكهرباء في كينيا والتي تبلغ حوالي 1900 ميغاواط.

ومن المتوقع أن يدمج المشروع أنظمة الطاقة في خمس دول بما في ذلك إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا في إطار الخطة الرئيسية لتجمع الطاقة لشرق أفريقيا.

إثيوبيا وجيبوتي
بحلول 2037، تطمح إثيوبيا إلى أن يكون إجمالي القدرة الإنتاجية لتوليد الطاقة الكهربائية 37000 ميغاواط التي تجعلها مصدرا رئيسيا للكهرباء

بدأت إثيوبيا تصدير الكهرباء إلى جيبوتى خلال شهر مايو 2021، ومشروع ربط شبكة الكهرباء تم إنجازه في نوفمبر 2022، وزودت 263.7 مليون كيلووات من الطاقة إلى السودان و 159.6 مليون كيلووات إلى جيبوتي، في الربع الأول من السنة المالية 22 – 11 – 2021.

وليس هذا فحسب بل ترطبت إثيوبيا بخط السكة الحديد بين إثيوبيا وجيبوتي الذي يعمل بالطاقة الكهربائية، والمعروف أيضًا باسم خط السكة الحديد بين أديس أبابا وجيبوتي، كمشروع مهم للبنية التحتية في شرق أفريقيا، ويحمل فرصة هائلة لربط الموانئ بالمناطق النائية.

ويعد نظام السكك الحديد هذا، الذي يمتد لمسافة 750 كيلومترًا تقريبًا، بمثابة ممر تجاري حيوي بين إثيوبيا غير الساحلية وميناء جيبوتي، مما يوفر رابط نقل موثوق وفعال للبضائع والأشخاص.

إثيوبيا وتنزانيا
التقى رئيس الوزراء آبي أحمد، الأسبوع الماضي، الرئيسة التنزانية سامية حسن صلوحي، في إطار زيارته الرسمية إلى تنزانيا.

وجرى خلال اللقاء، استعراض مجموعة واسعة من القضايا الثنائية والإقليمية، والالتزام بتعزيز التعاون متعدد الأوجه بين إثيوبيا وتنزانيا.

وشهد آبي أحمد وسامية حسن صلوحي توقيع ثلاث مذكرات تفاهم في مجالات الزراعة، والثقافة والفنون، وتجارة الطاقة الكهربائية بهدف تعزيز التعاون بين البلدين. وانضمت تنزانيا إلى مجموعة البلدان التي تشتري الطاقة من إثيوبيا.

وأعلنت هيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية في عام 2016 عن أن تنزانيا وقعت اتفاقية شراء 400 ميغاواط من الطاقة مع إثيوبيا.

وتتجاوز الصفقة الأخيرة بين إثيوبيا وتنزانيا بيع الكهرباء حيث إنها تعزز أيضا التكامل الاقتصادي، وفقا للمديرة التنفيذية لهيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية المهندسة آزيب أسناق. وأفادت لوكالة الأنباء الإثيوبية بأن صفقة الطاقة ستخلق مزيدا من التكامل الاقتصادي بين تنزانيا وكينيا، حيث تقع الأخيرة بين إثيوبيا وتنزانيا.

وفي الربع الأول من السنة المالية الإثيوبية الحالية، حققت الدولة 21.4 مليون دولار أميركي من مبيعات الكهرباء إلى جيبوتي وكينيا والسودان. وتهدف شركة طاقة الكهرباء الإثيوبية إلى كسب 150 مليون دولار أميركي من صادرات الكهرباء بحلول نهاية العام، وبالنسبة إلى مبيعات الكهرباء المحلية، فإن الهدف هو تحقيق 20.16 مليار بير.

وتولد الدولة حاليًا أكثر من 4500 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، ومن المتوقع أن تزيد بشكل كبير إلى 17000 ميغاواط في السنوات القادمة حسب إحصائية أكتوبر الماضي. وبحلول 2037، تطمح إثيوبيا إلى أن يكون إجمالي القدرة الإنتاجية لتوليد الطاقة الكهربائية 37000 ميغاواط التي تجعلها مصدرا رئيسيا للكهرباء.

وقال الباحث والأستاذ المساعد بجامعة جوبا تير تونجيك ماجوك إن سد النهضة الإثيوبي سيلعب دورًا محوريًا في تعزيز التكامل الإقليمي من خلال تعزيز إمدادات الطاقة. وأضاف الباحث في إحدى مقابلاته مع وكالة الأنباء الإثيوبية إن بناء السد له أهمية قصوى بالنسبة إلى إثيوبيا وأهمية حيوية للتكامل الإقليمي، وسيحسن التبادل التجاري كما ستستفيد دول شرق أفريقيا من الطاقة.

وأشار الباحث إلى أن سد النهضة هو سد للطاقة الكهرومائية تشيّده إثيوبيا على نهر النيل الأزرق، وسيكون مركزًا لإمدادات الطاقة النظيفة والمتجددة من خلال زيادة إمدادات الكهرباء في البلاد وتصديرها إلى دول شرق أفريقيا.

ونتيجة لذلك ، من المتوقع أن تكون حافزًا للعلاقات بين الشعوب وكذلك التجارة بين دول المنطقة.

إثيوبيا أصبحت إحدى الدول الأفريقية التي انضمت إلى مجموعة بريكس، وهذا في حد ذاته شكل آخر من أشكال القيادة لأفريقيا

وذكر المحلل السياسي والاقتصادي لورانس فريمان أن إمكانات إثيوبيا للنمو الاقتصادي لا حدود لها تقريبًا وأن البلاد أصبحت بالفعل دولة رائدة في شرق أفريقيا. وأنه في هذه الحالة، أظهرت إثيوبيا التزامها بالتكامل الإقليمي من خلال تصدير الكهرباء من سد النهضة الإثيوبي إلى الدول المجاورة لها.

وأصبحت إثيوبيا أيضًا إحدى الدول الأفريقية التي انضمت إلى مجموعة بريكس. وهذا في حد ذاته شكل آخر من أشكال القيادة لأفريقيا، وفقا لفريمان. ويرى المحلل الأميركي أن عضوية إثيوبيا ستزيد من إمكانيات تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي في منطقة شرق أفريقيا.

تجدر الإشارة إلى أن رواندا وبوروندي وتنزانيا وزامبيا وكينيا وجنوب السودان وأرض الصومال أبرمت اتفاقيات مع إثيوبيا للحصول على الطاقة الكهربائية. واليوم تدرس الحكومة بالفعل مشروع الربط الكهربائي مع السودان وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا عبر مد خطوط ربط، وقالت مصادر حكومية إن الفوائد الاقتصادية للربط الكهربائي تتضمن تحقيق عائدات مالية للدول التي ستمر بها خطوط الربط، فضلا عن تأمين الطاقة وتحسين الاعتمادية.

كما أكد على ذلك المحاضر في معهد الدراسات الأفريقية بجامعة أديس أبابا محمد حسن في احدى مقابلاته بالقول “إن الطاقة الكهربائية من سد النهضة ومصادر الطاقة الأخرى ستلبي الاحتياجات المحلية وستكون مفيدة في العلاقات الاقتصادية والتعاون مع الدول الأخرى، وإن استكمال السد سيكون له فوائد اقتصادية، خاصة للدول المجاورة، ليس في إمدادات الكهرباء وكسبها، فحسب، بل في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع الدول”، مشيراً إلى أنه سيمكن القرن الأفريقي من التنمية وتكون له بيئة سلمية ومستقرة.

مما لا ريب فيه فإن الفقر هو العدو الأول للدول الأفريقية، وأهمية التعاون لمجابهته، وسد النهضة هو بداية للتعاون والتكامل الاقتصادي بين السودان وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا وتنزانيا وروندا وبوروندي ومصر وغيرها من الدول الصديقة، وأن الاتفاقيات التي تم توقيعها تؤكد عزم هذه الدول على العمل سوياً لتحقيق النهضة ورفاهية شعوبها، حيث إن نجاح مثل هذا التطور الهائل يعتمد بشكل كبير على بناء الثقة، ورعاية الروابط الدبلوماسية، واكتساب فهم معزز لمخاوف وطموحات كل دولة مشاركة وبذلك يصبح السد بارقة أمل للتكامل الإقليمي.

العرب