قبل ثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 تقدم حوالى 60 مرشحاً للظفر بمنصب حاكم قرطاج في مناخ انتخابي وصف بالمتقلب، خصوصاً أن رئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي يمر بأزمة صحية تثير مخاوف الطبقة السياسية في تونس في غياب محكمة دستورية يمكنها أخذ القرار في حال شغور منصب رئيس الجمهورية قبل الانتخابات.
وينص الفصل 84 من الدستور على أنه في حال الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية، لأسباب تحول دون تفويضه سلطاته، تجتمع المحكمة الدستورية فوراً، وتقرّ الشغور الوقتي، فيحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية، أو في حال تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أو في حال الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فوراً، وتقرّ الشغور النهائي، وتبلّغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فوراً مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً.
الشخصيات الأكثر شعبية
ونظراً إلى أن باب الترشح للانتخابات الرئاسية لا يزال مفتوحاً، وأن البت في ملفاتهم وتزكية ترشحاتهم لم تحصل بعد، فإن المفاجآت منتظرة في سباق محموم ومزدحم، وعلى الرغم من أن نتائج استطلاعات الرأي حصرت السباق بين بعض المرشحين إلا أن المهتمين بالشأن السياسي في تونس يرون أن أسماء أخرى يمكنها إحداث مفاجأة.
فمن بين الأسماء المتصدرة لاستطلاعات الرأي نجد نبيل القروي صاحب قناة “نسمة” وصاحب جمعية خيرية ذائعة الصيت في الأوساط الفقيرة بتونس، لكن القروي يعيش في الوقت الحالي على وقع معركة كسر العظام ضدّ رئيس الحكومة الحالي ومنظمات من المجتمع المدني قد تحرمه من خوض الانتخابات بسبب القانون الانتخابي الجديد.
الخطاب نفسه
وأيضاً نجد قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري شخصية مستقلة وتحظى بشعبية هامة في الأوساط الشعبية، خصوصاً الجامعية في تونس. ويقول سعيد لـ “اندبندنت عربية”، إن “المناخ الانتخابي عموماً يتميز بالخطاب نفسه الذي كان سائداً قبل انتخابات عام 2014، ولكنه يختلف معه في اكتشاف التونسيين ألا شيء تغير على الإطلاق في حياتهم اليومية، واكتشفوا حقيقة الأوضاع بعد خمس سنوات من حملة انتخابية لم تتوقف منذ إعلان نتائج الانتخابات الماضية”.
ويعتقد سعيد أن “نجاح وصولنا إلى الانتخابات رهينة عدد من الشروط، لا سيما أن الأوضاع ما زالت مرشحة للتطور على جميع الأصعدة وأن تخوفات من عدم إجرائها لا يزال قائماً. ويتابع سعيد أن حظوظه في هذه الانتخابات “رهينة الأوضاع أيضاً”، خصوصاً أنه مرشح مستقل لا ينتمي لأي حزب أو أي تنظيم بحسب تعبيره.
إعجاب بتجربة بن علي
وأيضاً من الأسماء التي تبدو حظوظها وافرة إن لم يقصها التغيير الجديد بالقانون الانتخابي، رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، التي تتبنى فكرة إقصاء الإسلام السياسي من الحياة السياسية، والوحيدة التي لا تخفي إعجابها بتجربة بن علي الرئيس المعزول.
كما يعدّ رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد من أبرز المرشحين للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في حال قرر دخول هذا المعترك الانتخابي لأسباب عدة أهمها عامل السنّ، وهو الذي احتفل أخيراً بعيد ميلاده الـ43، فضلاً عن تجربته في أجهزة الدولة، إذ ارتقى من خطة كاتب دولة إلى رئيس للفريق الحكومي في وقت وجيز، كما تمكن من الصمود لمدّة فاقت السنتين إزاء خصومه السياسيين والاجتماعيين للإطاحة به. ويرى مراقبون أنه ربما يحظى بدعم حركة النهضة الإسلامية التي قد لا تقدم مرشحاً من أبنائها.
أيضاً، محمد عبو يمكن اعتباره من الشخصيات ذات التجربة المهمة، وسبق أن خاض تجربة وزارية عام 2012 قبل أن يستقيل.
مفاجآت في الطريق
ومن الشخصيات الأخرى التي يمكن أن تحدث المفاجأة في حال تقدمت بترشحها، عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الحالي في حكومة الشاهد، والذي رفض في وقت سابق تولي منصب رئيس الحكومة عام 2015. ويحظى الزبيدي باحترام شعبي ومن الطبقة السياسية على حد سواء، خصوصاً أنه يمثل مؤسسة نأت بنفسها عن كل الصراعات السياسية في تونس، واعتمدت الحياد كخط أساسي في تعاملها مع الوضع.
كذلك من الأسماء الأخرى التي لديها حنكة في المجال السياسي والنضالي رئيس المجلس التأسيسي بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 مصطفى بن جعفر الذي قال في تصريح لـ “اندبندنت عربية”، إن “كثرة المرشحين دليل على الاستخفاف بمنصب رئيس الجمهورية”، مضيفاً أن “دور رئيس الجمهورية هو الضامن للدستور وهو الحكم”، وتابع أن “ما يفكر فيه أي مترشح من تغيير للدستور وتوسيع صلاحياته وغزو لصلاحيات غيره أي رئاسة الحكومة يجر البلاد إلى متاهات ومضيعة كبيرة للوقت.
المعركة محمومة
كما يرى بن جعفر أن “المعركة محمومة على قصر قرطاج باعتبار أن من سينتصر ستكون بين يديه كل المفاتيح لكل المشاكل”، ويضيف أنه “من القلائل الذين أكدوا احترام الدستور والالتزام بصلاحيات الرئيس التي خلافاً لما يقال هي مهمة”، موضحاً أن “دور الرئيس في ضمان الأمن الوطني وتحديد العلاقات الخارجية الإقليمية والدولية له انعكاس على كل القطاعات الأخرى”.
وقال بن جعفر “إذا التزمنا بهذه المبادئ أي المؤسسات التي جاء بها الدستور، ووضع سياسة خارجية تخدم مصالح الدولة، وإذا كل مسؤول يحترم صلاحياته في إطار التضامن والتكامل، فإن السنوات الخمس التي مررنا بها لكانت أكثر استقراراً”.
حالة تونسية فريدة في العالم العربي
ومن الحالات الفريدة في العالم العربي هو ترشح مثلي جنسي للظفر بمنصب رئيس الجمهورية وهو المحامي منير بعتور، الذي عرف بدفاعه عن الحريات الفردية لا سيما حرية المثليين جنسياً. ويقول بعتور بخصوص المناخ الانتخابي أن “محاولة إقصاء بعض المرشحين هو تحايل على الديمقراطية ومحاولة تغيير قواعد اللعبة أثناء العملية الانتخابية”.
ويضيف من جهة أخرى أن برنامجه الانتخابي شامل، مفسراً “لا يتلخص في موضوع رفع التجريم عن المثلية الجنسية فقط وإنما فيه جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية”، ومعتبراً في الوقت نفسه أن “الشعب التونسي من حقه أن يرشح من يراه أفضل”، وأنه سيحارب من أجل حظوظه إلى النهاية. ويرى بعتور أن “المجتمع التونسي عام 1956 منع تعدد الزوجات وقبل أن تطلب المرأة الطلاق، وقبل أيضاً بالتبني والإجهاض وأن ترث البنت كامل تركة والدها وكلها أحكام مخالفة للتقاليد وللمرجعية الإسلامية”، بالتالي تابع بعتور “أن الشعب التونسي مجتمع تقدمي ومنفتح ويمكن أن يقبل بالمثليين أيضاً”.
مناخ ديمقراطي تعددي
من جانبه، يرى الكاتب الصحافي بدر الإسلام الطرابلسي “أن هناك عدداً مهماً من المترشحين للانتخابات الرئاسية، وهو أمر طبيعي في ظل المناخ الديمقراطي الذي تعيشه تونس بعد الثورة”، ويشير الطرابلسي إلى أن “حق الترشح للانتخابات حق دستوري ضمنه دستور عام 2014 لجميع المواطنين من دون استثناء أو تمييز أو خوف وترهيب مثلما كان يحصل في عهد الديكتاتورية البائدة”.
ويعتقد الطرابلسي أن “هناك من يبحث عن الظهور الإعلامي وتسويق الذات عبر أقصر الطرق وأسهلها”، مضيفاً “وهم كذلك الأقل حظاً ليس فقط في الحصول على نسبة معقولة من أصوات الناخبين بل إن حظوظهم ضعيفة في الحصول على التزكية اللازمة لقبول ترشحهم لرئاسية 2019”.
اندبندت