استثمارات الفضاء ودورها في تحريك الاقتصاد العالمي بعد عام 2020

استثمارات الفضاء ودورها في تحريك الاقتصاد العالمي بعد عام 2020

الباحثة شذى خليل *

# الاستثمار الاقتصادي  للفضاء الخارجي يحقق دخلا اكثر من 250 بليون دولار.#
يعد علم الفضاء واحدا من القطاعات الاقتصادية المهمة التي يكون فيه الإبداع جزءا حيويا في تحقيق استثمارات كبيرة ببلايين الدولارات للدول المستثمرة، إذ يمثل الفضاء القلب بالنسبة لمجتمع المعلومات، حيث يتوفر الآن آلاف الأقمار الصناعية العاملة، والكثير منها في مدارات أرضية واطئة، وعدد منها في مدارات أرضية ثابتة.
ويقدر حجم الاقتصاد المتوقّع من «اقتصاد الفضاء»، في دراسة أصدرها مصرف «مورغان ستانلي» تتخطى الترليون دولار عام 2040، وتعتقد الدراسة أن المداخيل الأساسية ستكون من عوائد خدمات الأقمار الصناعية والصواريخ، وذلك في توقع لكثافة الطلب على «إنترنت الأقمار الصناعية» وتوصيل الطرود بالصواريخ، ولا تأخذ في عين الاعتبار الاحتمالات الأكثر طموحاً مثل السياحة الفضائية أو التعدين والمناجم في الفضاء أو الإسكان والزراعة وغيرها.
خدمات الاتصالات التي تقدمها نصف هذه الأقمار تساوي بلايين الدولارات، ففي العام 2013 حقق الاقتصاد العالمي المتعلق بالفضاء الخارجي دخلا بحدود 250 بليون دولار.
أما قطاع المراقبة الأرضية، فإنه يحظى أيضا بالاهتمام، ذلك لأن قيمته لا تتعلق فقط بالموارد التي يحققها من الخدمات المباشرة، بل يقاس بما يحققه أيضا من تقليل الأضرار في كل أنواع الحالات الطارئة، كالتلوث وتسرب الوقود والفيضانات الى غير ذلك، كما انه يزيد من كفاءة الحياة العصرية.
ومن أهم أسوق الفضاء ثلاثة أسواق هي: الاتصالات، المراقبة الأرضية، والملاحة.
تعد أقمار الاتصالات الأكثر تطورا وعالمية، إذ تطورت هذه الأقمار من الأيام الأولى لبرامج الفضاء، حتى أصبحت تجارة أعمال مستدامة، حيث تتجاوز الإيرادات تكاليف البنية الداخلية، والحاجة الى الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة.
في حين تطوير المراقبة الأرضية، هي في العادة الخطوة الأولى الواجب اتباعها من قبل الدول الراغبة في الدخول الى النشاط الفضائي، ذلك لأن البنية المطلوبة للمراقبة الأرضية هي أقل مما تتطلبه نشاطات الاتصالات والملاحة.
كما يمكن للمراقبة الأرضية أن تتطور سريعا الى توفير خدمات مرضية بالاستعانة بالمعلومات الفضائية المتوفرة.
أما الملاحة، فتعد الطرف الآخر للنشاط، أي باهظه الثمن، بسبب متطلبات انشاء بنيتها الداخلية، وأن مواردها الاقتصادية غير مضمونة.
كلا النشاطين، المراقبة والملاحة، عليهما الاستجابة لضوابط تختلف باختلاف الدول، مما يشكل عوائق أمام عولمة الفعاليتين.
ان الاستثمار في الفضاء ينبغي ان يكون بهدف الفائدة للأفراد وخدمتهم قبل أن يكون فائدة للدول، والأمثلة على المجالات ذات الفائدة هي كما في الزراعة والغابات وحدود هيمنة الدول على سواحلها، والتآكل والتدهور النوعي في الأرض، والتربة، ومناطق صيد الأسماك، ومواقع المياه الصالحة للشرب، الى غير ذلك، كذلك في الطب، عبر تبادل المعلومات والتعليم المدرسي في الأرياف.
بالإضافة الى ان التطور الحاصل في التنبؤات الجوية مبنية عادة على المراقبة بواسطة الأقمار الصناعية، والتطور في المنظومات الحاسوبية، والتطورات الحاصلة في التنبؤات المناخية المعتمدة على البيانات التي توفرها الأقمار الصناعية، جميعها أمثلة جيدة على الفوائد الاجتماعية – الاقتصادية الحاصلة.
حجم الاستثمارات الفضائية:
تشمل التطبيقات الفضائية نشر تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، كما تشمل تقليص الفجوة الرقمية القائمة بين الدول المتقدمة والدول النامية.
إن التوازن في التكاليف بين المنظومة الفضائية (الأقمار الصناعية وملاحقها) والمنظومة الأرضية (المنظومات الإلكترونية والمنشئات) يعتبر العامل الأهم في مستقبل أقمار الاتصالات، وهناك اكثر من 35650 قناة تلفزيونية فضائية، ويتوقع أن يكون العدد بعد عشر سنوات اكثر من 47000 قناة.
وفي المنظومة الفضائية – الأقمار الصناعية الفعالة، يتراوح عددها المسجل في آب 2014 بحوالي 1235 قمرا يشكل 54% منها أقمار اتصالات، ويقدر حجم الاستثمار هنا، أي صناعة الأقمار ومنظوماتها ومنظومات اطلاقها بحوالي 1.4 بليون دولار أمريكي.
أما المنظومة الأرضية، فأبعادها الاقتصادية أكبر بكثير (سوق المنشئات بحد ذاته يقدر بخمسة بليون دولار أمريكي)، وأن الخدمات والتطبيقات تقدر بمئة وعشرة بليون دولار.
إن فوائد استعمال الإنترنيت عريض – الحزمة، من خلال الأقمار الصناعية، سوف لا يقتصر على تقليص الفجوة الرقمية، من خلال تلبية حاجات المناطق النائية غير المخدومة بشبكات أرضية وحسب، وإنما الاستعمال يتوسع في الولايات المتحدة وأوروبا، وباستعمال حزمة كي – أي، بحيث يقدر الاستيعاب حاليا بمئة وأربعين غيغا بايت في الثانية.
ويشبه الاقتصاديون هذه المرحلة بنفس ما مرت به دورات الاقتصاد من قبل، خلال فترتي النقل البحري وانتشار الملاحة حول العالم، ومساهمتها بشكل حيوي في تحريك الاقتصاد الدولي، وفترة انتشار شبكات السكك الحديدية حول العالم، وكيف كان لها الدور الإيجابي المذهل في حراك البشر، والبضائع وصناعة الملايين من الوظائف وتوظيف المال، والحجة التي لدى الفريق المتحمس لاقتصاد الفضاء اليوم هي أنه علينا بناء البنى التحتية، وسيكون للخيال بعد ذلك دوره في توظيف المال والبشر، لأن الضرورة تصنع المستحيل من الفرص.
ولكن هناك من يرى أن ما يحصل اليوم ما هو إلا «استعمار» و«إمبريالية» جديدة ومخالفة «للقانون»، ففي عام 1967، وبعد عشر سنوات من صاروخ «سبوتنيك الأول» تم تفعيل اتفاقية الفضاء الخارجي التي نصت على أن كل رحلات الفضاء الخارجي هي لمصلحة الدول كافة، بغض النظر عن وضعها الاقتصادي أو العلمي، وستكون لمصلحة الجنس البشري ككل، وحظرت الاتفاقية استخدام جميع أسلحة الدمار الشامل، ولا ادعاء السيادة، وجعلت الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية تحمل مسؤولية الجهات غير الحكومية التي على أراضيها، وقتها كانت هذه الاتفاقية نتاج الحرب الباردة، وبالتالي هدفت إلى كبح جماح السباق النووي.
بعد رحلات «أبولو» المتعددة، قامت الأمم المتحدة بصياغة اتفاق أكثر مثالية، اتفاق القمر في عام 1979، ولم يقم بالانضمام إليها إلا 18 دولة، آخرها أرمينيا هذا العام، ولكن هذا اتفاق غير مفعَّل نظراً إلى انسحاب أميركا منه، لاعتراضها على بند أن القمر وموارده هما تراث عام للبشرية، بدعوى أن هذا سيخلق نظاماً اشتراكياً عالمياً يعيق الاستخدام التجاري للقطاع الخاص الأميركي.. هذا التفسير هو حسب جمعية (L5)، وهي جمعية تضم المتحمسين لإنشاء أول مستعمرة على الفضاء، ويبلغ عدد أعضائها 3600 عضوا.
والذي يؤكد التحول الأميركي هذا، سلسلة القرارات التي حصلت بعدها، ففي عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان، أسست وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» القسم التجاري فيها، وفي عهد الرئيس جورج بوش الابن، أطلقت سياسة تركز على التعاون مع القطاع الخاص في أعمال الفضاء، وفي عهد الرئيس باراك أوباما، أطلق قانون التنافسية التجارية للفضاء في أميركا، والذي يضمّن حق ملكية أي مواطن أميركي لأي شيء يتم إحضاره معه من الفضاء، والذي اعتبره أحد الخبراء «إجرأ قانون ملكية فكرية في العالم»، وأخيراً قام الرئيس دونالد ترمب، بإصدار قرار يسهّل بشكل واضح كل الإجراءات للشركات الراغبة في إطلاق الأقمار الصناعية أو الهبوط على النيازك أو بناء محطات تموين وقود على الكواكب.
لقد دخلنا عصر الاستعمار الفضائي بغطاء تجاري واقتصادي خاص، إنه عصر الخيال العلمي الخادم للأفكار الاقتصادية المدهشة، حقاً كما قالوا: القادم مذهل أكثر.
الصحفي العلمي ريتشارد هولينغهام، استطلع رأي عدد من الخبراء بشأن الفضاء وماذا يحمل لنا المستقبل بعد عام 2020؟
منذ ستينيات القرن الماضي، لم يكن الفضاء مثيراً إلى هذا الحد الذي نراه اليوم، إذ أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” مركبتها الفضائية “أورايون” القادرة على حمل رواد فضاء، وذلك منذ انتهاء برنامجها السابق “سبيس شاتل”.
وتطور ناسا صاروخا عملاقا لينافس “زحل 5” الذي أطلقته أوروبا، وأنزلت عن طريقه مسباراً فضائياً على سطح مذنّب يبعد عنّا 510 مليون كيلومتر، أما الصين فتطور أيضاً محطتها الفضائية التالية.
في هذه الأثناء، تقوم الشركات الخاصة بتغيير اقتصاديات الفضاء، وذلك بالمضي قدماً في خططها لإرسال رحلات بشرية إلى الفضاء، ورحلات سياحة أيضا، وحتى إرسال بعثات إلى كوكب المريخ.

قانون الفضاء:
كما يجري إعداد وإصدار قانون بشأن الفضاء، ويتضمن بنداً يمنح شركاتها، حق امتلاك واستغلال الموارد الطبيعية التي تجدها بعثاتها إلى الفضاء على أسطح الكواكب والأجرام السماوية التي تصلها، وذلك وفقاً للقانون الدولي لاستكشاف الفضاء واستخداماته، كما يتناول القانون الجاري إعداده مفاهيم متقدمة وجديدة استحدثت في عصر الفضاء الذي نعيشه، مثل حق امتلاك الموارد الطبيعية التي يتم العثور عليها في الفضاء، وتنظيم رحلات مأهولة إلى الفضاء وما إلى ذلك.
وتوقعت وكالة دولة الامارات العربية المتحدة للفضاء، أنه مع بلوغ الفضاء أن يتم إفراز صناعات جديدة دقيقة مثل البرمجة وتصنيع الروبوتات، وأجزاء الأقمار الصناعية، كما تتوقع الوكالة نمواً بصناعات الفضاء بنسبة 10% سنوياً، والتي تتركز في شركة الاتصالات الفضائية ومنظومة الأقمار الصناعية.
هذا موضوع في منتهى الجدية، ويرسم ملامح المستقبل الاقتصادي بشكل مدهش وصادم، وتؤخذ هذه الأخبار بجدية إذا ما عُرف أن وراء معظم هذه المشاريع ثلاثة من أهم رجال الأعمال الناجحين حول العالم، وهم أيلون ماسك، مؤسس شركة «تسلا»، وجيف بيزوس، مؤسس موقع «أمازون» للتسوق الإلكتروني، وأثرى رجل في العالم حالياً، وريتشارد برانسون، مؤسس شركة «فيرجن» للطيران.
أطلق جيف بيزوس شركته «بلو أوريغن» بهدف الهبوط على سطح كوكب القمر في عام 2023، وأيلون ماسك من خلال شركته «سبيس إكس» يهدف إلى توصيل الناس إلى كوكب المريخ في عام 2024، وريتشارد برانسون يسعى جاهداً ليكون لاعباً رئيسياً على هذه الساحة هو الآخر.
وفي السياق ذاته، أفادت الوكالة الصينية الفضائية بأنها تجمع طلبات من كل الأطراف الأجنبية المعنية بالاستخدام المجاني لمحطتها الفضائية المدارية المأهولة التي ستكون جاهزة بحلول عام 2022، وقبل ذلك على الجانب الصيني إجراء تحضيرات هندسية وتقنية لتأمين جاهزية المحطة.
وبناءً على ما تقدم، نستنتج ان الأحداث والتطورات سريعة جدا، وفي بعض الأحيان تفوق حتى التوقعات، ويرى العلماء والمختصون بأن مستقبل المحطة الفضائية يعتمد على مستقبل العلاقات الدولية، ويجب ان يكون المسار واضح عما سنقوم به كخطوة تالية بعد المحطة الفضائية، فالرد الحقيقي سيكون فقدانها.
من المؤكد أن الرحلات الفضائية المأهولة بالبشر ستستمر، إلا أن الغرب لن يقود تلك العملية.
في أواسط عقد 2020، سنرى المحطة الفضائية الصينية وهي تدور في فلكها، أما أوروبا، فهي تتحاور مع الصين لكي ترسل رواد فضائها على متن مركباتهم الفضائية.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية