الباحثة شذى خليل *
تركيا بدأت في ملء خزانها الضخم سد اليسو لتوليد الكهرباء على نهر دجلة ، رغم الاحتجاجات على ملء الخزان الذي يهدد حياة العراقيون بالجفاف والموت للنقص الحاد في المياه عند مصب النهر في العراق.
و نقلاً عن صور للأقمار الصناعية ـ إن المياه بدأت تتجمع خلف سد إليسو، وهو مشروع استمر العمل فيه عقوداً ويهدف لتوليد 1200 ميغاوات من الكهرباء لجنوب شرقي تركيا.
السد سيؤدي إلى شح المياه الذاهبة الى العراق دجلة والفرات على نحو 70% من إمداداته من المياه من الدول المجاورة، خاصة من خلال نهري دجلة والفرات عبر تركيا.
ومن الجانب العراقي والذي من المفترض التحرك السريع منذ 2006 عندما بدأت تركيا بانشاء المشروع ؛ ولكن الحكومة العراقية والمسؤولين عن ملف ادارة المياه تفتقر الى التدابير اللازمة والى التخطيط والخطط البديلة ، في مواجهة الشح المرتقب لنهري دجلة والفرات ، اذ يهدد الجفاف مناطق واسعة من جنوبي العراق، وسط توقعات باشتداد الأزمة خلال السنوات المقبلة إلا أن السياسة المعتمدة تقوم على “تضّييع” الكارثة بتبادل الاتهامات، ولوّم النظام السابق، وإهمال المعالجة على مبدأ التسويف والغرق بسياسات ترقيعيه فاشلة.
تركيا تبدا بملء خزان سد إليسو على نهر دجلة وتهدد الحياة في العراق .
تملك بغداد أوراق ضغط كثيرة لتحصيل حقها من جيرانها، بما يخص المياه وبما يخص ردع تجاوزات كثيرة. لكن و السياسة الخارجية للبلد وبالأخص في ملف المياه لا يمتلكون التخطيط ولا التكتيك لإدارة التفاوض في ضل غياب المختصين وأصحاب الخبرة ، الحكومة لا تعطي هذا الجانب اي اهتمام و لا يفكرون بالمصلحة الوطنية للبلاد افهم بعيدون كل البعد عن الحنكة السياسية والاقتصادية في ادارة الثروات .
جفاف دجلة وتأثيره على العراق
وتتوقع المؤشرات المائية العالمية، واهمها “مؤشر الاجهاد المائي”، ان العراق سيكون ارضاً بلا انهار بحدود 2040، ولن يصل النهران العظيمان الى المصب النهائي في البحر. وبعد ستة اعوام (2025) ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جداً في عموم العراق مع جفاف كُلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول دجلة الى مجرد مجرى مائي صغير محدود الموارد. بعد الجزء الأول من تدابير تركيا، وجزء ثانٍ يخص إيران.
أما الأضرار البيئية التي ستنجم عن تقلص رقعة الأراضي الخضراء والمراعي الطبيعية وزحف ظاهرة التصحر يرى الباحثين انها سوف تنعكس على الطقس في العراق، وستتكرر العواصف الرملية طوال العام، وسيحول سد أليسو نصف العراق إلى صحراء.
من الناحية السكانية، فإنَّ السد سيحرم أعدادا كبيرة من السكان من مياه الشرب، وسيلوث مياه الشرب المتبقية، لأنها ستمر في مولدات الطاقة الكهرومائية و ينضاف إليها ما يخرج من مياه ملوثة من منظومات الصرف الصحي للمدن الواقعة على نهر دجلة. وسيرتفع مستوى التلوث والملوحة في هذه المياه إلى 1800 ملغ /لتر، كما هي الحال في مياه الفرات التي تسمح تركيا وسوريا بمرورها إلى العراق بعد أن تشبعها بالملوثات والأملاح الناتجة عن الاستهلاك والزراعة والصناعة في سوريا، في حين أنَّ المعدل العالمي للتلوث لا يزيد عن 800 ملغ/ لتر.
وسيتغير السد نمط معيشة السكان إلى أنماط غير منتجة، فتتدهور الزراعة والرعي وتتراجع أعداد الثروة الحيوانية.
ستتأثر عملية إنعاش الأهوار حيث أنَّ انخفاض واردات العراق في دجلة وفي الفرات بنسبة 90% بسبب السدود التركية ونضيف إلى ذلك المشاريع الإيرانية الخطيرة وسترتفع نسبة الملوحة والتلوث في مناطق الأهوار.
وسيؤدي انخفاض مناسيب المياه في دجلة إلى توقف العمل في منظومات توليد الطاقة الكهربائية المقامة على طول نهر دجلة، وخصوصاً في سدي الموصل و سامراء، وسيؤثر ذلك على النشاط الصناعي والبنى التحتية كمحطات تصفية المياه ومصافي النفط والمستشفيات.
العراق يفتقر الى المفاوضين
حسب المختصون التفاوض هو فن ادارة المصالح السياسية والاقتصادية للبلد أولا ، ولا توجد مبادئ ولا قيم بل موازين مصلحة و حسابات ربح وخسارة تذوب امامها اعظم القيم واجل المبادئ ولا يؤيد حلفاء دائمين ولأصدقاء في السياسة فانه لامجال للعواطف ولا للإنسانية وبمعنى اخر فلا رحمة في السياسة.
في السياسة تبنى التحالفات طبقا لاستراتيجيات اهدافها مادية او بمعنى اخر منتهاها دوما يكون منفعة اقتصادية لصانع السياسة او من يديرها استراتيجيا يكون الهدف اقتصاديا .
ان علاقات على مستوى الدول ، يحكمها تضارب المصالح ، وتزداد الطموحات ، وتتشابك العلاقات ، التي تتطلب اطارا مرسوما وتقاليد عريقة لفض الاشتباكات والنزاعات ، ولا يتم ذلك الا بالتفاوض بين الدول لوضع اسس العلاقات ، وطرائق تبادل المنافع ، واساليب تخفيف التوتر ، وتتخطى هذه العلاقات ميدان السياسة الى الميادين الاقتصادية ، والقانونية ، والاجتماعية ، والتربوية ، والثقافية، جميعها مجتمعة في إدارة أي تفاوض من اجل حل مشكلة ما .
بمعنى ان العلاقات بين الدول تحكمها المصالح، فقد تضيق العلاقة أو تتسع تبعا لموقف الدولة والضغوط الداخلية والخارجية التي تحدّها، وقد تُخدش حالة السلم أو تقويه ويتحول الأصدقاء إلى أعداء، والعكس بالعكس ويبقى السياسي المفاوض هو المسئول الأول عن المصلحة السياسية والاقتصادية للدولة .
سد اليسو بدأت تركيا العمل به منذ عام 2006 ، والذي يعني القضاء على ما تبقّى من نهر دجلة المغذّي للأراضي العراقية من الشمال إلى الجنوب، فهذا السد العملاق سيأخذ أكثر من نصف حصّة العراق المائية التي هي بالأساس ليست حصّة كاملة بسبب إنشاء تركيا لمجموعة كبيرة من السدود على البحيرات والروافد التي تشكل مصدر دجلة والفرات، سبقت هذا السد إذ أن سد اليسو هو واحد من أصل 22 سداً تم إنشاؤها خلال السنوات الماضية، وهذا السد يُعدّ من أكبرها إذ سيسمح بتدفق 47 ٪ فقط من مياه النهر إلى العراق سابقاً، وهذا الأمر له مخاطر على كافة نواحي البلد الزراعية والبيئية والاقتصادية و السياسية.
ويؤكّد مختصّون ان هذاَّ السد سيحرم أعداداً كبيرة من السكان من مياه الشرب، وسيلوّث مياه الشرب المتبقيّة، لأنها ستمر في مولّدات الطاقة الكهرومائية، ويُضاف إليها ما يخرج من مياه ملوّثة من منظومات الصرف الصحي للمدن الواقعة على نهر دجلة، وسيرتفع مستوى التلوّث والملوحة في هذه المياه إلى 1800 ملغ /لتر، كما هو الحال في مياه الفرات التي تسمح تركيا وسوريا بمرورها إلى العراق، بعد أن تُشبعها بالملوّثات والأملاح الناتجة من الاستهلاك والزراعة والصناعة في سوريا، في حين أنَّ المعدّل العالمي للتلوّث لا يزيد عن 800 ملغ/ لتر.
والعراق لديه ما يكفي من متلوثات بيئة لا يعني بمعالجتها في الوقت الراهن فهو يعيش في فوضى سياسية وأزمة اقتصادية واجتماعية وكارثة بيئة .
الخطر موجود والحلول غائبة الامن رحم ربي بإنعاش العراق في الموسم الأخير بأمطار وفيرة . لكن الحلول السياسية غائبة.
ووفق بيانات صادرة عن مركز التخطيط الحضري والريفي في العراق في يونيو/حزيران الماضي، فإن الخسائر المقدرة للقطاعات المتضررة من جفاف في الأعوام عامين تجاوزت 10 مليارات دولار، لافتاً إلى أن العراق يصل إليه نحو 7 مليارات متر مكعب من دجلة سنوياً، بينما كانت تبلغ 20 مليار متر مكعب في الماضي .
وقال الخبير في قطاع الموارد الطبيعية علاء الناصري، إن “إيران تشترك مع تركيا في تقليص كميات المياه التي تصل إلى العراق عبر إقامة السدود وتغيير مجرى الروافد المغذية لنهر دجلة”.
كما حذر الناشط البيئي وليد الحياني، من “عواقب العطش والجفاف الذي سيصيب مناطق الجنوب، وقد تسبب الأزمة نزاعات بين الحكومات المحلية في المحافظات، أو عشائرية فيما يتعلق بأولوية سقي الزراعة والمواشي، ما يعني أن المشكلة ستؤدي إلى كارثتين الأولى بيئية والثانية ترتبط بأمن واستقرار العراق”.
وأن “معظم النزاعات العشائرية التي تشهدها المحافظات الجنوبية سببها المياه، وباتت تشكل مصدر قلق للحكومة العراقية والقوات الأمنية”.
وتابع أن “أكثر من 30 قرية، تابعة لمحافظة ذي قار (جنوب شرق)، هجرها أهلها بسبب العطش، أما في ميسان وشمال البصرة فقد تعرضت المواشي للنفوق، وإن أزمة المياه الجديدة، ستكون أكبر من إمكانية الحكومة. وكان الاجدر بها تشخيص دقيق للعجز والضعف وتحويل الملف الى مسؤولون اكثر ثقة وجدارة لإدارة مصلحة العراق.
رغم رفع حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا إلى 16 مليار دولار، ورغبتهم بمحاربة تنظيم PKK (الإرهابي) من العراق”. على المسؤولين العراقيين العمل والتخطيط والادراك في إدارة هذا الملف بحكمة عالية .
أوراق ضغط عراقية على تركيا
يملك العراق أوراق ضغطٍ ذهبية حيال تركيا لكنه يجهل عن استغلالها بسبب ضعف حكومته وتوزع القرار السيادي على المضاربين السياسيين تبعاً لولاء المصلحة. فخلال حقبتي حكم البعث (1968-2003) المنقسمة بين أحمد حسن البكر وصدّام حسين، هددت بغداد أنقرة ثلاث مرات بالتدخل عسكرياً ضدها اذا خُفِّضَت حصة العراق المائية من دجلة والفرات. في مرتين منها كان التهديد ينطلق من مبدأ القوة.
بغداد السياسية لديها القدر على التفاوض اكثر بكثير من خلال الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، بمعنى حزمة العلاقات الدبلوماسية التي تملكها، لكنها أسوء من ناحية استغلال تلك المظلة الإيجابية للدفاع عن مصالحها. لم يكن صدّام حسين يَمّلُك اوراقَ ضغطٍ على انقرة لكن فكرة التصعيد العسكري بحدِ ذاتها ورقة ضغط هائلة تُحرِج المجتمع الدولي وتقود الى وساطات، وهو ما يعني “تدويل” غير رَسّمي يقود الى حشِر انقرة بزاوية التّفاوض. فتركيا ترفض تدويل مُشّكلة المياه، لكنها أضعف من صَدّ المحاولة العراقية اذا ما جرّبتها بغداد.
القانون الدولي والأعراف الدولية جميعاً تقف إلى جانب العراق في حال تقديم شكوى على تركيا أو غيرها بخصوص التجاوزات الحاصلة على أنهاره، فقد نصّت قوانين الأمم المتحدة على (أنَّ الدول المُتشاطئة وإنْ كانت تملك حقوق السيادة على الجزء المار أو المتاخم لأراضيها، فإن هذا الحق السيادي مقيَّد بحقوق الدول الأخرى (المُتشاطئة على النهر)، وهذه المادة مثلاً تتناقض مع الشعار الدائم الذي ترفعه الحكومات التركية المتعاقبة لتبرير إنشائها عشرات السدود على دجلة والفرات، بدعوى أنها تمارس حقها السيادي على أرضها، وفي عام 1966 أقرت الجمعية العامة القانون الدولي في اجتماعاتها في _ هلسنكي _مبدأ ينفي الانتفاع بمياه الأنهار الدولية من قِبَل دولة واحدة ما لم يكن هناك اتفاق بين دول الحوض النهري المعني في هذا الشأن. أما لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، فقد ذكرت في العام 1973 ما نصّه (إنَّ الدول المُتشاطئة على النهر الدولي تستطيع استعمال المياه طبقاً لحاجاتها شرط ألا يسبب هذا الاستعمال ضرراً للدول الأخرى المشتركة معها في هذا النهر). وبالانتقال إلى توصيات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والذي عُقد سنة 1992 الواردة في ما سُمّي إعلان “ريو”، فقد اعتمدت المبادئ الخاصة بالاتفاقيات الثنائية بخصوص الأنهار والمجاري المائية الدولية، وطالبت بأنْ يوضع في الاعتبار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 49/52، المؤرَّخ في 9/12/1994.
وخلاصة القول على العراق تبني إستراتيجية جريئة وشجاعة تدافع عن العراق شعبا ووطنا، تبدأ بالخيارات السلمية و رفع القضية إلى المحافل الدولية ورفع دعوى إلى محكمة العدل الدولية ضد تركيا وإيران، وتستخدم كافة المساعي السلمية والدبلوماسية، فإنْ واصلت السلطات التركية والإيرانية عنادها وإصرارها على تدمير وتصحير العراق، فلا بد حينها للعراق من امتشاق خيار الدفاع العسكري عن النفس والتهديد بتدمير تلك السدود القاتلة والتي تحولت إلى جبال من الإسمنت المسلح، يحتجز خلفها تجار المياه وكهرومياه مياه دجلة والفرات وأغلب روافدهما
وان العراق يمتلك كافة الوسائل للضغط على تركيا من أجل إرجاع حصته المائية المُتدفّقة طبيعياً منذ أن خلق الله هذا الكوكب لكنه لا يفعل .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية