هل ستكون مصراتة الخاسر الأكبر في الصراع الليبي؟

هل ستكون مصراتة الخاسر الأكبر في الصراع الليبي؟

على عادتها منذ نهاية ثورة فبراير (شباط) لعبت مصراتة، وما زالت تلعب دور رأس الحربة في الصراع الليبي المسلح الذي يرتسم فصله الأخير على مشارف العاصمة طرابلس منذ أبريل (نيسان) الماضي باعتبارها القوة الرئيسة في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق التي تعتمد عليها أكثر من غيرها في صد هجوم الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر على العاصمة الليبية كونها الأكثر عدة وعدداً والأرفع في التدريب والخبرة بين كل الفصائل الأخرى التي تصطف معها في خندق واحد.

كتائب مصراتة في معارك العاصمة

وتشارك مصراتة في معارك طرابلس بكتائب كبيرة في العدد والعدة يتقدمها ما يعرف “بلواء الصمود” التي يقودها المطلوب دولياً ومحلياً صلاح بادي، وكتيبة الحلبوص لعبد السلام الروبي، والقوة الثالثة لمحمد الفلاو، وميليشيا 166 لمحمد عمر الحصان، وميليشيا الطاجين بقيادة مختار الجحاوي، والمتحركة لمحمد سالم دمونة، وميليشيا “شريخان” لمحمد بعيو والتي قتل قائدها.

كما تصدرت قائمة المدن التي تقدم الإمدادات اللوجستية لقوات حكومة الوفاق من خلال علاج الجرحى في مستشفى المدينة وتلقي الدعم الخارجي عبر مينائها ونقله إلى طرابلس، واستخدام قاعدة الكلية الجوية لتنفيذ الضربات الجوية على قوات الجيش الليبي في طرابلس.

الدور الرئيس الذي منح لمصراتة في مهمة الدفاع عن طرابلس ومنع دخول الجيش الوطني إلى قلبها والسيطرة عليها، كلفها الكثير من دماء أبنائها وربما أكثر مما توقع الجميع، وعلى رأسهم قادة المدينة نفسها، والفاتورة ارتفعت بشكل فادح، فمثلاً سقط في يوم وحد هو الأول من أغسطس(آب) ثمانية قتلى من مصراتة وحدها بحسب إحصاءات مستشفاها المركزي لترتفع حصيلة قتلاها في معارك طرابلس إلى أكثر من 300 قتيل في أربعة أشهر، وهي التي لا يتجاوز عدد سكانها 400 ألف نسمة، ما دفع “عقلاءها” ربما لمراجعة حساباتهم، وباتت الأخبار تتوالى عن مفاوضات يجرونها مع ممثلين عن الجيش لسحب مقاتلي المدينة من طرابلس مقابل تعهدات بعدم توجه القوات المسلحة إلى مصراتة بعد دخولها إلى العاصمة .

ويرى مراقبون أن سبب سعي مصراتة إلى المهادنة والحوار ليس فقط بسبب الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها المدينة في معارك طرابلس بل بسبب ضغط داخلي تردد صداه كثيراً أخيراً، وكتب الكثير من الأخبار حوله قبل أن يتجسد حقيقة في تظاهرة لأهل بعض القتلى أمام مستشفى مصراتة المركزي طالبوا خلالها بإعادة أبنائهم إلى الديار متسائلين لماذا على مصراتة تحمل العبء الأكبر في المعركة وماذا ستجني من وراء ذلك؟

صوت العقل ورسالة الجيش

كما تعالت أصوات بعض الشخصيات السياسية والصحافية التي ترفض ما يحدث بالمدينة حيت أن غالبيتهم تعيش خارج المدينة مثل محمد بعيو الصحافي المناهض للميليشيات، والتيارات الإسلامية، ووزير الداخلية الليبي السابق فوزي عبد العالي، هذه الأصوات طالبت أهل المدينة بالرجوع إلى العقل والمنطق قبل أن يفنى عنصر الشباب فيها في معركة خاسرة لا ناقة لهم فيها ولا جمل بحسب ما يصفونها.

ويرى الكاتب الصحافي فاتح الخشمي في تصريح لـ “اندبندنت عربية” أن تحرك مصراتة السلمي المتمثل بفتح قنوات حوار مع قيادة الجيش جاء بعدما تلقت المدينة رسالة الجيش كما وصفها الناطق الرسمي باسم قوات الجيش أحمد المسماري المتمثلة بقصف جوي هو الأول من نوعه للمدينة قبل أيام، فالمدينة لا تريد خسائر في البنى التحتية تضاف إلى خسائرها البشرية والمادية في طرابلس ما دفعها لمراجعة مواقفها ومحاولة إيجاد منفذ سلمي يجنبها ويلات الحرب أكثر من ذلك.

ميداليات المفتي وأشياء أخرى

مع ارتفاع حصيلة القتلى من مصراتة مع كل يوم جديد في معارك طرابلس وتوالي الأخبار عن سخط داخلي بالمدينة تجاه هذا الخط التصاعدي في أرقام ضحاياها، وجهت قيادات بتيارات الإسلام السياسي خطابات غزل وتعزية للمدينة لحثها على عدم التراجع وسحب مقاتليها من طرابلس لما يمثله ذلك من ضربة قاصمة لقواتها في العاصمة.

وأكثر هذه الرسائل والمناشدات لمصراتة التي أثارت الجدل في ليبيا ما جرى تداوله باسم “ميداليات المفتي” حين عبّر المفتي المعزول من مجلس النواب الليبي في طبرق الصادق الغرياني عن “استغرابه لمقتل عدد كبير من مقاتلي مصراتة داعياً إلى معالجة مكامن الخلل التي أدت إلى سقوط مثل هذا العدد “.

وفي استضافته الأسبوعية عبر قناته “التناصح” قال الغرياني إن العدد الأكبر من القتلى كان من مصراتة مشيداً بها ومعتبراً إياها “مدينة للعلم والثقافة وقادة الجهاد على مرّ التاريخ القديم والحديث”، وتوجه إلى أهالي مصراتة برسالة خاصة قائلاً لهم “عليكم أن تعدوا هذا اصطفاء واختياراً من الله لأن الشهادة لا يختارها الإنسان لنفسه بل إن الله هو من يمنحها لمن يريد حتى أنه قد يمنعها عمن يرغب فيها ويمنحها لآخر”.

وفي تصريح غريب، أعطى الغرياني مثالاً لأهل مصراتة قائلاً “أنتم الآن كما أنكم مشاركون في مسابقة دولية، وكل من يقتل منكم 10 يقتل من غيركم واحد مثلاً، فلو كان الأمر في مسابقة دولية لرجعتم أنتم بـ 10 ميداليات وعاد غيركم بمدالية واحدة”.

استغلال ونفخ تحت الرماد

ويقول الكاتب والمستشار السابق للحكومة الليبية المؤقتة فوزي نجم “يجب أن يفهم أهل مصراتة ويفهم الجميع أن الصراع في ليبيا ليس صراعاً قبلياً أو مناطقياً أو جهوياً بل هو صراع بين تيار الإسلام السياسي، والتيار المدني، والتيار الداعم للدولة، وللأسف سقطت مصراتة منذ نهاية ثورة فبراير في فخ التيار الإسلامي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي بسبب ما حازته وقتها من كميات ضخمة من الأسلحة، من هنا سعى هذا التيار إلى تحويل مدينة مصراتة بالكامل إلى ذراع عسكرية له وأدخلها في معارك مع كل التيارات والمدن الأخرى التي تناهضه وترفض ممارساته”.

ونبه نجم أهل مصراتة إلى أمر اعتبره خطيراً قائلاً “هذا التيار حوّل الصراع في ليبيا من صراع رأسي على السلطة بين التيارات السياسية المتعددة إلى صراع أفقي يشمل التكوينات والطبقات والتركيبات الاجتماعية في ليبيا” موضحاً أن “هذا خلّف أحقاداً وضغائن بين مدن وقبائل من خلال اللعب على وتر العداوات القديمة والنفخ تحت الرماد لإشعال الفتن النائمة، وكانت مصراتة طبعاً رأس حربة في هذا المشروع ما خلق لها أعداء في مدن عدة دخلتها بقوة السلاح أو صارعتها في ساحات المعارك مثل ترهونة وبني وليد وتاورغاء والقربولي وحتى في طرابلس نفسها”.

وتساءل “كيف يمكن لمصراتة التعايش السلمي مع جيرانها مستقبلاً بعد هذا الشرخ في العلاقة معها والدماء التي سالت بينها وبينهم؟” واصفاً هذا الأمر “بالشرك الأكبر الذي وقعت فيه المدينة والذي يحتاج لسنوات لتتخلص من نتائجه وأضراره”.

تحالف مصلحي

يذهب الصحافي الليبي مراد جمعة من جانبه، مذهباً آخر ويقول “لا يمكن أن نعتبر مصراتة مدينة مخدوعة بالكامل تساق إلى مصيرها من دون وعي ورغبة من أهلها، في الحقيقة مصراتة جرى استغلالها من قبل تيارات الإسلام السياسي والمتطرف للصعود إلى سلم السلطة على أكتافها، هذا صحيح لكن لا يمكن تبرئة مصراتة والتغافل عن مطامعها في السيطرة على المفاصل الإدارية للدولة عبر تولي شخصيات “مصراتية” للمناصب في المؤسسات الأهم، مثل مصرف ليبيا المركزي، والوطنية للنفط والمصرف الخارجي إضافة لحيازة نصيب الأسد في الحقائب الوزارية بالحكومات في طرابلس وهو ما يحدث فعلاً حالياً”.

ويضيف جمعة “الذي وقع، هو تحالف مصلحي بين مصراتة والتيارات الإسلامية تقوم على منحهم السلطة وحمايتها لهم والذود عنها ضد كل طامح إليها، مقابل تسليم المدينة مفاتيح الجهاز الإداري الليبي، ومفاصل الدولة المؤسساتية، والأهم المشكلة التي بدأت تتضح لأهل مصراتة قبل غيرهم أن مصراتة مدينة ليبية لها جيران ناصبتهم العداء وربما اعتدت عليهم مرات ومرات من دون وجه حق، لا يمكن لمصراتة أن تهاجر بكامل سكانها إذا انتصر الجيش في طرابلس بل عليها حينها أن تواجه مصيرها في الوقت الذي ستكون رؤوس التيارات الإسلامية على متن طائرات تحملها إلى خارج البلاد”.

ويتذكر الليبيون أن مصراتة قبل أن تكون هي الشرارة التي تشعل أتون كل صراع ليبي في السنوات الأخيرة، كانت مدينة هادئة وعامرة تشتهر بمينائها وتجارها الذين يسيطرون على اقتصاد البلاد قبل أن تسقط في فخاخ وشراك خبيثة تقودها خطوة بخطوة إلى مصير مجهول، ويتساءلون هل ستعود مصراتة يوماً كما كانت داراً للتجارة وملعباً للمال والأعمال أم ستكون الخاسر الأكبر عندما تضع الحرب الليبية أوزارها.

اندبندت