وسط تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران إلى ذروتها، في وقت سابق من الشهر الماضي تلقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف دعوةً غير متوقَّعة للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي، حسب مصادر أميركية وإيرانية ودبلوماسي مطَّلع تحدثوا إلى مجلة “نيويوركر”، الأميركية.
المصادر ذكرت أن “العرض الدبلوماسي قُدِّم من قبل السناتور الجمهوري الرفيع راند بول خلال لقائه ظريف بنيويورك في الـ15 من يوليو (تموز)”، وهو ما أكده مصدران حكوميان إيرانيان، إذ أيَّدا صحة التقارير الواردة بشأن دعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى البيت الأبيض.
ويأتي كشف تفاصيل اللقاء بعد أيام قليلة من فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ظريف.
السناتور راند بول وسيطاً
بمباركة الرئيس ترمب، كان بول يعمل على الأمر عدة أسابيع بالتشاور مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وكشفت المصادر للمجلة الأميركية، السبت، عن تفاصيل تتعلق بالدعوة التي رُتِّب لها قبل ثلاثة أسابيع من زيارة ظريف نيويورك للمشاركة في اجتماعات بالأمم المتحدة، عبر وسيط تواصل مع الإيرانيين بالنيابة عن بول.
تقول روبين رايت، الكاتبة البارزة لدى “نيويوركر”، “في الـ15 من يوليو (تموز) التقى بول وكبير مستشاريه دوج ستافورد ظريف في مقر إقامة سفير إيران لدى الأمم المتحدة بشارع فيفث أفنيو، على بعد مبنى من متحف متروبوليتان”.
وخلال عقود من عمله دبلوماسياً، وطَّد ظريف، الذي درس بجامعة دنفر، علاقاته مع عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. وقال وزير الخارجية الإيراني لمجموعة صغيرة من الصحافيين خلال زيارته نيويورك، “أنا دائماً ألتقى أشخاصاً من الكونغرس”، دون تحديد أسماء.
لكن، كان هذا اللقاء الأول له مع بول الذي يعمل في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. ووفقاً للمصادر، التي تحدثت إلى رايت، فإن “الرجلين تحدثا في بادئ الأمر عن قضايا طال أمدها، لا سيما برنامج طهران النووي، والحوادث التي اندلعت مؤخراً بالخليج العربي”.
خلال شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، اتهمت الولايات المتحدة إيران بتخريب ست ناقلات نفط بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي. وفي الـ20 من يونيو (حزيران) أسقطت طهران واحدة من أكثر الطائرات الأميركية تطوراً، زاعمةً أنها كانت تحلَّق فوق الأجواء الإيرانية. واتجه ترمب وقتها إلى الانتقام العسكري، لكنه ألغى غارةً جويَّة في اللحظة الأخيرة، بسبب الخسائر المتوقعة.
وبينما كان ظريف في نيويورك، أسقطت الولايات المتحدة طائرة إيرانيَّة دون طيار في الـ18 من يوليو (تموز). ومع تصاعد التوتر، كان هناك قلقٌ في واشنطن حيال احتمال نشوب حرب جديدة بالشرق الأوسط.
وفي هذه الأثناء كانت مهمة بول هي إطلاق قناة دبلوماسيَّة مباشرة على أعلى المستويات، كانت البداية بمثابة نسخة مصغرة من تكتيك ترمب حيال بيونغيانغ في التحايل على الدبلوماسيَّة التقليديَّة من خلال التعامل مباشرة مع القيادة الكوريَّة الشماليَّة.
البروتوكول الإضافي
خلال محادثة استمرت ساعة، قدَّم ظريف إلى بول أفكاراً حول كيفية إنهاء المأزق النووي ومعالجة مخاوف ترمب.
وشارك وزير الخارجية الإيراني في وقت لاحق بعض هذه الأفكار مع الصحافيين، وكان من بينها “أن البرلمان الإيراني يُمكنه تقنين، قانونياً، فتوى أصدرها المرشد الأعلى لإيران، عام 2003 ومرة أخرى في 2010، التي تحظر إنتاج أو استخدام الأسلحة النووية”، إذ قال آية الله علي خامنئي، “نحن نعتبر استخدام هذه الأسلحة (النووية) حراماً، ونعتقد أنه من واجب الجميع بذل الجهود لتأمين الإنسانية من هذه الكارثة الكبيرة”.
لكن ظريف استدرك قائلاً “إذا أراد ترمب المزيد، فسيتعين عليه تقديم المزيد”، كما أشار وزير الخارجية الإيراني إلى “المضي قُدماً في واحدة من الخطوات اللاحقة للاتفاق النووي الذي تُوصّل إليه بين إيران والقوى الست الكبرى بالعالم عام 2015، وهو الاتفاق الذي تخلَّى عنه ترمب في مايو (أيار) 2018”.
وقال المسؤول الإيراني “طهران يمكنها تقديم تصديق لما يسمى بـ(البروتوكول الإضافي)، الذي وُقّع وصُدِّق عليه بالفعل من قبل 146 دولة، الذي من المقرر تنفيذه بحلول عام 2023”.
يسمح البروتوكول بإجراء عمليات تفتيش دوليَّة أكثر تدخلاً على المواقع النوويَّة المعلنة وغير المعلنة لدى الدول الأعضاء.
وحسب داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة، فإن “البروتوكول الإضافي هو وسيلةٌ حاسمةٌ يتحقق العالم من خلالها من أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية”. مؤكداً “إذا كنت لا تثق بالإيرانيين، فأنت تريد إجراء عمليات تفتيش إلى الأبد”.
إيران ترفض الدعوة
في المقابل، اقترح ظريف “أن يذهب ترمب إلى الكونغرس ويرفع العقوبات عن إيران، على النحو المنصوص عليه في الأصل بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. عندها سيشعر الجانبان بأمان أكبر في الالتزامات المطلوبة بالاتفاق الأساسي”.
من جانبه اقترح بول أن “يطرح الدبلوماسي الإيراني الأفكار نفسها أمام الرئيس الأميركي شخصياً”.
وقال السناتور الأميركي، إن “الرئيس خوَّله بتوجيه دعوة للقاء في المكتب البيضاوي”. غير أن ظريف ردَّ على الدعوة بالقول “إن قرار مقابلة ترمب في المكتب البيضاوي ليس قراره، وعليه أن يتشاور مع طهران”.
كما أعرب المسؤول الإيراني عن “قلقه من أن أي اجتماع ربما ينتهي ليس بأكثر من مجرد صورة فوتوغرافية، دون أي مضمون”. وقال “نحن لا نتحدث فقط عن فرصة لالتقاط الصور ووثيقة من صفحتين. لدينا بالفعل وثيقة من مئة وخمسين صفحة”، في إشارة إلى الاتفاق النووي المفصَّل الذي تخلَّى عنه ترمب.
وحسب المصادر، التي تحدثت إلى المجلة الأميركية، فإنه بعد لقائه بول، نقل ظريف العرض إلى قادة إيران الذين رفضوا بدورهم عقد اجتماع في ذلك الوقت.
غير أنه من المقرر أن يحضر الرئيس الإيراني حسن روحاني الجمعية العامة للأمم المتحدة ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ما يتيح الفرصة للقاء على مستوى أعلى بين الرئيسين.
ترمب يعاقب ظريف
في الـ31 من يوليو (تموز)، ومع عدم إحراز أي تقدم في الأفق، فرضت إدارة ترمب عقوبات على ظريف بسبب صلته بالحرس الثوري الإيراني، الذي صُنِّف في أبريل (نيسان) الماضي منظمةً إرهابيةً أجنبيةً، وباعتباره “وزير دعاية، لا وزير خارجية”، حسب الوصف الأميركي، ما أوحى إلى أن الخطوة الأميركية كانت عقاباً على رفض ظريف دعوة ترمب.
أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني قال إن “فرض العقوبات على ظريف جاء بعد رفض اقتراح ترمب للقاء مباشر معه”.
من جهته انتقد الناطق باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي “فرض العقوبات على الوزير الإيراني بعد لقائه أحد الشيوخ الأميركيين وتوجيه دعوة إليه للقاء بالولايات المتحدة”.
فنيّاً، تعني العقوبات أن الولايات المتحدة يمكنها الاستيلاء على أي ممتلكات خاصة بظريف داخل الولايات المتحدة، ومنعه من دخول الأراضي الأميركية، وفرض عقوبات على أي شخص أو شركة أو مؤسسة مالية تتعامل معه.
أمَّا عمليّاً فربما يكون لهذه الخطوة تأثيرٌ محدودٌ، فبموجب ميثاق الأمم المتحدة فإن الولايات المتحدة ملزمة، بوصفها دولة مضيفة، بالسماح بسفر الدبلوماسيين الذين يقومون بأعمال في الهيئة العالمية.
الأوروبيون من جانبهم احتجوا على الإجراء الأميركي، وغردَّت وزارة الخارجية الفرنسيَّة على حسابها على (تويتر) قائلة “نعتقد أن جميع القنوات الدبلوماسيَّة يجب أن تظل مفتوحةً، لا سيما في ظل الوضع الحالي للتوترات المتصاعدة”.
اندبندت