في أعقاب قيام إيران بإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار في الخليج العربي الشهر الماضي، أفادت بعض التقارير أن القوات الأمريكية كانت على استعداد لإطلاق الصواريخ على أهداف إيرانية عندما أوقف الرئيس الأمريكي الهجوم فجأة قبل عشر دقائق من موعد بدئه. وقال في وقت لاحق إن الضربات الصاروخية كانت ستسفر عن مقتل الكثير من الإيرانيين، مضيفاً أنه لم يكن في عجلة من أمره لمهاجمة إيران، لكن “جيشنا أعيد بناؤه من جديد، وتم تحديثه، وعلى استعداد لشن هجوم”. ويصر المسؤولون الأمريكيون على أن “مجموعة كاملة من الخيارات” بما فيها تلك العسكرية، لا تزال مطروحة على الطاولة للتعامل مع أنشطة إيران الخبيثة.
لكن لهذه الخيارات العسكرية يمكن أن تكون تداعيات مهمة على أمن حلفاء واشنطن في المنطقة، بمن فيهم إسرائيل، خاصة إذا كانت تتعلق بأنشطة الوكلاء الإيرانيين ذوي القدرة المتزايدة. ومع تصاعد التوترات بين إيران والغرب – خاصة فيما يتعلق بعقوبات النفط وحرية الملاحة في الخليج – تمكنت إيران من الاستفادة من شبكتها من الوكلاء المتشددين لشن هجمات نيابة عنها. وعلى حد تعبير القائد السابق لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني الجنرال محمد علي جعفري، “يتمثل الجانب العِلْوي من (النزاعات) الأخيرة في تعبئة قوة تضم حوالي 200,000 شاب مسلح في بلدان مختلفة في المنطقة”.
وتحت إشراف «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، يضم “جيش التحرير الشيعي” غير الرسمي الميليشيات الشيعية العراقية، والثوار الحوثيين اليمنيين، وبالطبع «حزب الله» اللبناني. وقد استهدف الثوار الحوثيون مطارات سعودية وبلدات حدودية ومنشآت نفطية، وحتى استهدفوا سفينة حربية سعودية باستخدامهم قارب التحكم عن بُعد إيراني التصميم ومليء بالمتفجرات. وفي غضون ذلك، شاركت الميليشيات العراقية في معارك في سوريا، وأعادت تشكيل المشهد السياسي والأمني العراقي لصالح إيران، وأطلقت صواريخ على المنشآت الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في العراق، ونفذت هجوماً بطائرات بدون طيار واستهدفت منشآت نفط سعودية. وفي أيار/مايو، حمّلت إيران صواريخ على قاذفات ووضعتها على قوارب تجارية إيرانية في الخليج، بعد أسابيع قليلة من توصّل المخابرات الأمريكية إلى نتيجة بأن طهران أخبرت وكلائها بالاستعداد لاتخاذ مقاربة أكثر تصادمية مع الولايات المتحدة.
وتقع إسرائيل ضمن مرمى هؤلاء الوكلاء أيضاً. وفي هذا الصدد، هدد مجتبى ذو النور، رئيس “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في البرلمان الإيراني بقوله، “إذا هاجمتنا الولايات المتحدة، فسيتم القضاء على إسرائيل خلال نصف ساعة”.
وبصرف النظر عن المقارنة المبالغ فيها، تفيد بعض التقارير أن إيران بدأت بتزويد جماعات الميليشيات الشيعية العراقية بصواريخ دقيقة قادرة على ضرب أهداف في أي مكان في إسرائيل، ربما للتعويض عن منصات الهجوم التي خسرتها إيران في سوريا نتيجة للغارات الجوية الإسرائيلية. وفي الآونة الأخيرة، تزعم التقارير الصحفية أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت شحنات الصواريخ الإيرانية في العراق، التي كان من المفترض نقلها إلى «حزب الله».
وفي الواقع، أن «حزب الله» كان واضحاً (في الإشارة إلى أهدافه) المتمثلة بأنه إذا كان الأمر يتعلق بحرب [تشنها] الولايات المتحدة ضد إيران، فهو يريد القتال. ففي مقابلة مع تلفزيون “المنار” التابع للحزب، وجه الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله سؤالاً أجاب فيه على سؤاله البلاغي حول ما سيفعله الحزب في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، بقوله: “هل سنجلس وننتظر دون القيام بأي رد؟ إيران لن تكون وحدها في الحرب، هذا أمر واضح”.
وفي حال حدوث الأمر الغير مرجح المتمثل باندلاع حرب واسعة النطاق مع إيران، من المؤكد أن يقوم «حزب الله» باستهداف إسرائيل من خلال قصفها بوابل من الهجمات المدفعية، والقذائف، والصواريخ. ومؤخراً، تفاخر نصر الله بأن هذه الترسانة قد ازدادت “وأصبحت ضعفين أو ثلاثة أضعاف” عما كانت عليه في حرب عام 2006 وتشمل أسلحة قادرة على ضرب أي موقع بدءاً من الحدود الشمالية لإسرائيل وصولاً إلى إيلات.
ويدّعي نصر الله أن بإمكان «حزب الله» مهاجمة المناطق شمال إسرائيل طوال فترة استمرار أي صراع، لكنه شدد أيضاً على ضعف المراكز السكانية الإسرائيلية والبنية التحتية الحيوية على طول الساحل من نتانيا إلى أشدود. واختتم نصر الله قائلاً، “هذا هو العصر الحجري. سنرى من سيحوّل الآخر إلى العصر الحجري”. لكن على الرغم من كلامه، لا يريد نصر الله خوض حرب مع إسرائيل في الوقت الحالي – خاصة بعد أن كشفت إسرائيل مؤخراً وقامت بتدمير أنفاق هجومية لـ «حزب الله» تم تصميمها لاختراق إسرائيل، ونظراً لاستمرار إسرائيل في هجماتها التي تستهدف عمليات بناء القدرات العسكرية والاستخبارية لـ «حزب الله» على الجانب السوري من مرتفعات الجولان.
بالإضافة إلى ذلك، وفي سياق نشوب أي صراع لا يرقى إلى حرب شاملة، من غير المرجح أن ترغب طهران في تعريض أكثر الإنجازات الملموسة لاستراتيجيتها بالوكالة للخطر، أي المكانة العسكرية والسياسية والاجتماعية القوية لـ «حزب الله» في لبنان. وربما لا تزال إيران تريد أن يقوم «حزب الله» بالرد في ظل هذه الظروف، وكان نصر الله واضحاً في قوله بأن «حزب الله» لن يجلس وينتظر دون القيام بأي رد.
وهنا يأتي دور “منظمة الجهاد الإسلامي” أو “الوحدة 910″، التي هي جهاز العمليات الخارجية لـ «حزب الله». فخلال السنوات القليلة الماضية، ازدادت أنشطة “منظمة الجهاد الإسلامي” التابعة لـ «حزب الله». وبدأ هذا التنامي في عام 2008 كوسيلة للانتقام من اغتيال إرهابي «حزب الله» عماد مغنية، واستمر فيما بعد كعامل في حرب الظل الإيرانية مع الغرب بسبب برنامج طهران النووي.
وكان آخر هجوم ناجح لـ «حزب الله» قد استهدف سياح إسرائيليين في بورغاس، بلغاريا، في عام 2012. لكن تم إحباط قائمة طويلة من المؤامرات الأخرى في مختلف أنحاء العالم في أماكن بعيدة مثل بوليفيا وقبرص وبيرو وتايلاند والمملكة المتحدة. وتم اكتشاف عمليات مراقبة مرتقبة لـ «حزب الله» قبل تنفيذها في كندا وبنما والولايات المتحدة ودول أخرى.
ووقعت الحادثة الأكثر إثارة للقلق في الولايات المتحدة وكندا. فوفقاً للمدعين العامين الأمريكيين، تم تكليف اثنين من عملاء “منظمة الجهاد الإسلامي” التابعين لـ «حزب الله» والمتمركزين في الولايات المتحدة هما علي كوراني وسامر الدبيك، بالقيام بعمليات مراقبة مرتقبة قبل تنفيذ هجمات محتملة من قبل «حزب الله» في الولايات المتحدة وبنما.
وتدّعي السلطات أنه تم إرسال الدبيك إلى تايلاند لإغلاق مختبر المتفجرات التابع لـ «حزب الله»، بينما تم توجيه علي كوراني للتعرف على إسرائيليين في نيويورك يمكن استهدافهم من قبل «حزب الله»، وإيجاد أشخاص بإمكانه شراء أسلحة منهم يمكن لـ «حزب الله» خزنها في المنطقة. وقام كوراني أيضاً بمراقبة مطارات نيويورك وتورونتو بالإضافة إلى “مكتب التحقيقات الفيدرالي” و “الخدمة السرية” والمرافق العسكرية الأمريكية في مدينة نيويورك.
وتوفر الحادثة أيضاً رؤية فريدة من نوعها حول الكيفية التي قد تطلب بموجبها إيران من خلايا “منظمة الجهاد الإسلامي” التابعة لـ «حزب الله» بتنفيذ هجمات ومتى قد تطلب ذلك. فخلال أحد لقاءات كوراني مع “مكتب التحقيقات الفيدرالي”، يتذكر عميل قام بمقابلته، بأن كوراني “جلس على كرسيه، وربّع كتفيه وصرح: ‘أنا عضو في « (الوحدة) 910»، المعروفة أيضاً باسم «الجهاد الإسلامي» أو “جماعة العمليات السوداء” التابعة لـ «حزب الله». وتخضع الوحدة لسيطرة إيران’ “. ووفقاً لكوراني، ترفع الوحدة تقاريرها داخل «حزب الله» مباشرة إلى نصر الله، لكن إيران تشرف على عمليات الوحدة.
ومضى كوراني في وصف نفسه لـ “مكتب التحقيقات الفيدرالي” بأنه جزء من “خلية نائمة”، وأوضح قائلاً: “ستكون هناك بعض السيناريوهات التي تتطلب إجراءً أو سلوكاً من قبل الذين ينتمون إلى الخلية”. وقال كوراني إنه إذا خاضت الولايات المتحدة وإيران حرباً (دموية)، تتوقع الخلية النائمة في الولايات المتحدة أن يتم استدعاؤها للقيام بما هو مناط إليها. وأضاف كوراني أنه إذا اتخذت الولايات المتحدة بعض الإجراءات غير المحددة التي تستهدف «حزب الله»، أو نصر الله نفسه، أو المصالح الإيرانية، “ففي تلك السيناريوهات، ستنطلق الخلية النائمة أيضاً للقيام بالعمليات المناطة بها”.
وفي حال اندلاع حرب مع إيران، يمكن لحلفاء «فيلق القدس» في المنطقة إطلاق صواريخ أو تنفيذ هجمات أخرى تستهدف إسرائيل. ويبدو أن إيران توسطت في اتفاق مع «حماس» تقوم بموجبه الحركة بتنفيذ هجمات تستهدف إسرائيل من غزة في حال اندلاع أعمال عدائية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل. بإمكان المسلحين المتشددين العراقيين إطلاق صواريخ على إسرائيل من غرب العراق، أو مساعدة إيران في نقل الصواريخ إلى لبنان لاستخدامها من قبل «حزب الله» هناك. كما بإمكان عناصر «حزب الله» استهداف إسرائيل من الجانب السوري من مرتفعات الجولان، أو عبر الحدود اللبنانية.
إلّا أن أياً من هذه السيناريوهات يستدعي انتقام إسرائيلي عنيف، في حين أن الهجمات الإرهابية التي تقوم بها خلايا سرية لا تمثل غالباً أهدافاً سهلة للانتقام. وفي هذا الصدد، إن الإجراءات الوقائية الإسرائيلية التي تستهدف شحنات الأسلحة، وأنفاق الهجوم، والخدمات اللوجستية والتمويل للوكلاء الإيرانيين، تثبت فعاليتها في تقويض قدرات هؤلاء الوكلاء وحرمانهم من خيارات الهجوم المختلفة. ولكن إذا اندلعت أعمال عدائية بين واشنطن وطهران، فمن المرجح أن يتم استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية من قبل الجماعات الوكيلة لإيران، بما فيها “جماعة العمليات السوداء التابعة لـ «حزب الله»”.
معهد واشنطن