في خطوة مفاجئة أعلنت الحكومة الهندية إلغاء الحكم الذاتي الذي تتمتع به ولاية كشمير المؤلفة من منطقة جامو ذات الأغلبية الهندوسية ومنطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، وهو الوضع الذي ظل سائداً طوال 70 سنة بموجب المادة 370 من دستور الهند. وكانت الولاية قد اختارت البقاء مستقلة عن كل من الهند والباكستان حين نالت الدولتان استقلالهما عن بريطانيا في سنة 1947، لكنها طلبت الحماية من نيودلهي بعد الاجتياح العسكري الباكستاني لأراضيها شريطة أن يتم ذلك تحت صفة مستقلة فصلتها المادة 370، من حيث سن القوانين والتشريعات والحكم والتوظيف والإقامة والتملك. ونتيجة الحروب العديدة التي خاضتها الهند والباكستان حول هذه المنطقة المتنازع عليها، تجاوز الزمن الكثير من بنود استقلال الولاية بما في ذلك الحق في رئاسة حكومة محلية.
ورغم أن الحكومة الهندية أخذت منذ أسابيع تمهد الأرض لهذا الإجراء عن طريق إرسال آلاف الجنود إلى المنطقة، فإن إلغاء الحكم الذاتي حمل صفة المفاجأة لأن سياقات اتخاذ القرار بدت غائبة أو غير متطابقة مع خطورة ما يمكن أن يسفر عنه من عواقب وخيمة، ليس أقلها اندلاع حرب أهلية بين الهندوس والمسلمين في الولاية، واستفزاز برميل البارود المحشو أصلاً بين الهند والباكستان. هذا بمعزل عن حقيقة أن القرار لا يتحلى بمرجعية دستورية وقانونية كافية، ويمكن الطعن به أمام المحكمة العليا الهندية ذاتها كما يقول الخبراء، فضلاً عن أن حكومة نارندرا مودي قد لا تكون مخولة بتعديل مادة في الدستور على هذا النحو.
ولعل الدافع الأول وراء الخطوة هو تعهد قطعه مودي على نفسه خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في أيار /مايو المنصرم، والتي انتهت بفوز ساحق لحزبه «بهارتا جاناتا» ذي الميول القومية الصريحة، مع الإشارة إلى أن شعار «استرداد» كشمير لا يغيب أيضاً عن برامج الكثير من القوى السياسية الهندية بما في ذلك الأحزاب اليسارية. كذلك فإن الهند تعتبر كشمير مرتعاً لجماعات إسلامية وجهادية أصولية تلقى دعماً ضمنياً من الحكومة الباكستانية وتشن عمليات إرهابية ضدّ الجيش الهندي في الولاية، على غرار العملية التي وقعت في شباط /فبراير الماضي وأسفرت عن مقتل 40 جندياً.
الدافع الثاني هو التآكل المضطرد في شعبية مودي وحكومته نتيجة تدهور الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو، وهذه أوضاع كانت قائمة قبل الانتخابات التشريعية وانتُخب مودي وحزبه على أساس وعود قاطعة بإنقاذ الاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية. ويرى مراقبون كثر أن وسائل ترحيل الأزمات الاقتصادية إلى مناطق التسخين ذات الطابع القومي هو أحد الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها السلطات الحاكمة، حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية.
ولم تجانب منظمة العفو الدولية الصواب حين أصدرت بياناً خاصاً قالت فيه إن إلغاء الحكم الذاتي في ولاية جامو وكشمير يشعل التوترات في الإقليم المتنازع عليه، كما أنه إجراء أحادي الجانب تمّ من دون استشارة السكان وفي إطار إجراءات منافية لحقوق الإنسان والحريات المدنية وعزل الولاية عن العالم عن طريق قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت.
والمأمول أن يسود التعقل ردود الأفعال في نيودلهي وإسلام أباد، فلا تبلغ النيران فتيل البارود الجاهز للاشتعال.
القدس العربي