قرر القضاء العسكري الجزائري إصدار مذكرة توقيف دولية في حق وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، ونجله لطفي، فضلا عن فريد بن حمدين، وذلك بتهمة التآمر والمساس بالسيادة الوطنية، وهو مشهد جديد من أطوار الأزمة السياسية في البلاد، حيث لجأ الجيش إلى تصفية الحسابات داخل المؤسسة العسكرية بعد موجة الاعتقالات في صفوف الوزراء والمسؤولين السابقين ورجال الأعمال.
وجاءت الخطوة في سياق استقطاب حاد بين رموز المؤسسة العسكرية، كان آخره السجال الحاد بين نزار وبين موالين للقيادة العسكرية الحالية، على خلفية الأوضاع السياسية التي تعيشها البلاد منذ شهر فبراير الماضي.
وكان وزير الدفاع السابق قد نشر تدوينات تنتقد بشدة الرجل القوي في الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، وذلك بعد إعلانه عدم العودة إلى البلاد، بعد توصله بمعلومات توحي بصدور أوامر باعتقاله في أول فرصة.
وقال الجنرال المثير للجدل في إحدى تغريداته على حسابه الخاص في تويتر، إنه “مستعد للحساب وكشف جميع أوراق العشرية الدموية، متى تكافأت الفرص بين جميع الفاعلين في المشهد السلطوي”.
ويتواجد خالد نزار منذ أسابيع في مدينة برشلونة الإسبانية، وكانت في بداية الأمر رحلة علاجية، قبل أن تتحول إلى لجوء سياسي رفقة نجله لطفي، المالك لشركة “أل.أس.سي” المختصة في توريد الإنترنت ذات التدفق العالي.
وكانت وزارة البريد وتكنولوجيا الاتصالات قد أعلنت في بحر الأسبوع الماضي، عن فسخ جميع العقود التي تربطها بشركة لطفي نزار، وطلبت من زبائن الشركة الاتصال بالمورّد الحكومي من أجل توفير بدائل الخدمة، وهو ما اعتبر حينها مؤشرا على انقلاب السلطة على عائلة وزير الدفاع السابق.
وذكر القاضي السابق والمحامي خميسي غنايمية أن “القضاء العسكري هو جزء من القضاء الجزائري، ومن صلاحياته إصدار مذكرة توقيف وطنية أو دولية في أي متهم، وأن التهم الموجهة للشخصيات الثلاث، لا تختلف عن التهم الموجهة إلى نزلاء السجن العسكري بالبليدة، وهم سعيد بوتفليقة، والجنرال محمد مدين (توفيق)، والجنرال بشير طرطاق (عثمان)”.
وأضاف غنايمية “عقوبة التهم المذكورة تصل إلى الإعدام، وفيها الحبس الأبدي، وأقلها 20 سنة سجنا، وذلك بموجب بنود القانون الجنائي المدني والعسكري، وأن الإجراءات تتطلب وقتا لتنفيذها من قبل الدول المضيفة، قبل المرور إلى المحاكمة الغيابية”.
ويرى مراقبون أن مذكرة التوقيف الدولية تعد أول تحدّ لسلطة الأمر الواقع، في ظل الغموض الذي يكتنف هرم الدولة، وهشاشة المؤسسات وعدم الاستقرار السياسي في البلاد، وأنه مهما كانت الحجج والقرائن المتضمنة في الملفات التي تحوّل إلى الشرطة الدولية، فإن شروط المحاكمة العادلة والشفافة وعدم تعرض المعنيين للضغط، تالبقى عائقا كبيرا أمام السلطات الحالية لإقناع نظيراتها في إسبانيا وفرنسا بتسليمها الأشخاص المطلوبين.
وذكر مصدر مطلع أن فريد بن حمدين، المالك لشركة عاملة في مجال الصيدلة، أدى دور الوسيط بين الرجل القوي في نظام بوتفليقة، شقيقه ومستشاره سعيد بوتفليقة، وبين الجنرال خالد نزار، خلال اشتداد وتيرة الحراك الشعبي في أسابيعه الأولى، وأن الرجل كان ينسق بين الطرفين لبلورة حلول للأزمة.
وكان نزار قد كشف، في وقت سابق، عن اتصالات جرت بينه وبين سعيد بوتفليقة، وأن من بين الأفكار التي استشاره فيها، تنحية الجنرال قايد صالح من هرم المؤسسة العسكرية، وهو ما رفضه بسبب تداعيات القرار على وحدة وتماسك الجيش.
وتشكل الخلفية الأيديولوجية لقايد صالح وخالد نزار، الفارق اللافت بين الرجلين، فالأول محسوب على مدرسة جيش التحرير الوطني، على اعتبار أنه أحد عناصره التي شاركت في معركة تحرير البلاد، أما الثاني فيمثل المدرسة العسكرية الموالية للفرنسيين، حيث تم زرع عدد من الضباط الجزائريين العاملين في الجيش الفرنسي، في صفوف جيش التحرير خلال السنوات الأخيرة للثورة، وذلك بإيعاز من الجنرال ديغول، من أجل بناء تيار موال لباريس تغلغل في مؤسسات الجيش والإدارة والإعلام والتعليم.
ولا تستبعد فرضية تصفية الحسابات التاريخية بين الفصيلين، حيث تشتغل الدعاية الموالية للجنرال قايد صالح، على “التهليل لإنهاء الوصاية الفرنسية في الجزائر، ومحاربة بؤر النفوذ الباريسي، خاصة في المؤسسات الحساسة، وإزاحة الرموز المعروفة بارتباطها السياسي والثقافي والفكري مع المستعمر القديم”.
ويحسب الجنرال خالد نزار، على ما عرف بـ”الضباط الجانفيين”، الذين تدخلوا في يناير 1992، لوقف المسار الانتخابي الذي اكتسحه آنذاك إسلاميو جبهة الإنقاذ، وذلك بدعوى الحفاظ على الطابع الجمهوري للدولة وحمايتها من المشروع الثيوقراطي الظلامي.
وظل طيلة شغله لوزارة الدفاع، رفقة ضباط آخرين كمحمد تواتي، وتوفيق، وطرطاق، والراحل العربي بلخير، يمثل جناح الصقور في المؤسسة العسكرية، الذين يرفضون أي تقارب مع الإسلاميين أو إيجاد تسوية سياسية للعشرية الدموية.
وتعرض خالد نزار، خلال السنوات الماضية، إلى متابعات قضائية في باريس وجنيف، حركها رعايا جزائريون بتهم ارتكاب مجازر دموية وممارسة التعذيب والقيام بممارسات تخرق أرضية حقوق الإنسان العالمية.
وكاد يتعرض في 2010 للاعتقال في باريس، لولا تدخل الرئيس السابق بوتفليقة، في آخر لحظة وإرساله طائرة رئاسية لاستعادته، تفاديا لأزمة دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا.
العرب