الجولة الجديدة من المفاوضات التركية الأميركية انتهت أخيرا باتفاق على إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، ويرى متابعون أنه لا يمكن تقييم الاتفاق الذي لا يزال غامضا بيد أن الثابت أنه جنب المنطقة حربا قاسية.
أنقرة – أعلنت وزارة الخارجية التركية، الأربعاء، أن أنقرة توصلت إلى اتفاق مع واشنطن يقضي بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، دون أن توضح عمق هذه المنطقة، وهي إحدى أبرز النقاط الخلافية بينهما.
ويأتي الإعلان بعد 3 أيام من محادثات تركية أميركية في العاصمة أنقرة، هدفها التوصل إلى تسوية تبدّد هواجس أنقرة وتمنع نشوب حرب في المنطقة.
وذكر بيان وزارة الخارجية التركية أن الجانبين اتفقا على “تطبيق أولى الإجراءات الهادفة إلى تبديد المخاوف التركية دون تأخير”، مضيفا “في هذا الإطار سيتم بسرعة إنشاء مركز عمليات مشترك في تركيا للتنسيق وإدارة منطقة آمنة بالاشتراك مع الولايات المتحدة”.
ومن جانبها، قالت السفارة الأميركية في تركيا إنه “تم الاتفاق مع أنقرة على إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا”، مضيفة “جرى الاتفاق على اتخاذ إجراءات سريعة استجابة لمطالب تركيا الأمنية”.
وبيّنت السفارة أن المنطقة الآمنة “يجب أن تصبح ممرا آمنا في إطار الجهود المبذولة لإعادة المهجرين السوريين إلى بلادهم”.
وذكر المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري في وقت سابق أن “المشروع الجديد بشأن المنطقة الآمنة يتضمن أن تدير هذه المنطقة قوات أميركية وتركية مشتركة”.
وأضاف “الموقف التركي متشدد للغاية، لكننا سنواصل مباحثاتنا على مختلف الأصعدة، ومنها المحادثات في الجانب العسكري”. وتابع “هناك بعض الاختلاف في وجهات النظر بين أنقرة وواشنطن، لكننا لا نركز عليها كثيرا، بل نريد التعامل مع كيفية عمل أميركا والأتراك في هذه المنطقة”.
وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أعلن أن المحادثات مع الولايات المتحدة بهدف تفادي تدخل عسكري تركي في شمال سوريا تجري بشكل “إيجابي”.
وقال أكار “شركاؤنا اقتربوا أكثر من موقفنا. الاجتماعات كانت إيجابية وبناءة”. وتطالب تركيا بمنطقة آمنة عمقها 32 كلم، على طول الشريط الحدودي، وأن تتولى بمفردها عملية إدارتها.
بالمقابل اقترحت واشنطن منطقة آمنة، هي عبارة عن شريط منزوع السلاح لمسافة خمسة كيلومترات، تعززها منطقة إضافية خالية من الأسلحة الثقيلة لمسافة تسعة كيلومترات، مما يجعل الامتداد الكامل للمنطقة داخل سوريا أقل من نصف المساحة التي تريدها تركيا.
وفيما يبدو أن الجانبين اتفقا على أن يتوليا إدارة المنطقة المزمعة، فإن حدود تلك المنطقة لا تزال غير معروفة، كما لا يزال غير معروف ما إذا كانت واشنطن رضخت للشرط التركي بشأن عمقها، حيث أنه في هذه الحالة من غير المرجح أن يقبل الأكراد بمثل هذا الوضع لأن ذلك سيعني انهيار كل آمالهم في وضع خاص في المناطق ذات الأغلبية الكردية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد جدد تهديده، الثلاثاء، بإطلاق عملية “للقضاء” على التهديد الذي تمثله وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، في الشمال السوري. لكن واشنطن حذرت من أن أي خطوة تركية كهذه ستكون “غير مقبولة”.
وقال وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر من طوكيو، حيث يقوم بجولة آسيوية، إنه سيكون “من غير المقبول” أن تشن تركيا هجوما على المقاتلين الأكراد.
وأضاف “نعتبر أن أي تحرك أحادي من جانبهم غير مقبول”، مبيّنا أن “ما نحاول فعله هو التوصل معهم إلى تسوية تبدد قلقهم”. وتابع “ما نحاول القيام به هو منع عمليات توغل أحادية الجانب”.
ومع توسّع دور الأكراد في سوريا وإنشائهم إدارة ذاتية في شمال وشمال شرق سوريا، زادت خشية تركيا أن يقيموا حكما ذاتيا قرب حدودها يزيد النزعة الانفصالية لدى الأكراد في الداخل.
ولمواجهة توسّع الأكراد، شنّت أنقرة منذ 2016 عمليتين عسكريتين في سوريا، سيطرت خلالهما على مدن حدودية عدة. وتمكنت في العام 2018 من السيطرة مع فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين، ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكردية، بعد أشهر من المعارك.
ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ تهديدات أنقرة بشنّ هجوم جديد على مناطق الأكراد، التي يُطلق عليها تسمية منطقة شرق الفرات.
ويرى محللون أن الهاجس من الأكراد ليس فقط المحرك للدوافع التركية بل المسألة تتجاوز ذلك لجهة الرغبة التركية في احتلال كامل الشريط الحدودي، وفرض موالين لها كما حصل في عفرين وجرابلس وغيرهما، وهي بذلك تضمن موطئ قدم ثابتا لها في سوريا، وتفرض نفسها رقما صعبا عند الحديث عن أي تسوية.
ويشير المحللون إلى أن النظام التركي المأزوم يبحث عن انتصار يراه في شمال سوريا، في محاولة للتغطية على نكساته في الداخل.
وتدرك الولايات المتحدة هذا الواقع، وهو ما يفسر حرصها على منحه هذا الانتصار لكن مع الأخذ بالاعتبار وضع الحليف الكردي، الذي ينتظر على ما يبدو تفاصيل عن الاتفاق ليبني على الشيء مقتضاه.
العرب