فاجأت القيادة الموسعة لحركة النهضة التونسية شركاءها في الحكومة والمعارضة، عندما أعلنت ترشيح عبد الفتاح مورو، رئيس البرلمان بالنيابة والنائب الأول لرئيس الحركة، للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، والتي ستنظم دورتها الأولى في 15 من سبتمبر (أيلول) المقبل.
وشكل هذا الإعلان، الذي يعد الأول من نوعه في تاريخ الحركة الإسلامية، مفاجأة كبيرة بالنسبة للأطراف السياسية والمالية التي تدعم مرشحين بارزين للرئاسة، بينهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، والرئيس السابق المنصف المرزوقي، ورئيس المجلس الوطني التأسيسي زعيم حزب التكتل الديمقراطي مصطفى بن جعفر، ورئيسا الحكومة السابقان حمادي الجبالي والمهدي جمعة، بالإضافة إلى زعيم حزب التيار الديمقراطي المعارض الوزير السابق محمد عبو.
كما فاجأ هذا القرار عدداً من المتتبعين للشأن السياسي المحلي؛ خصوصاً أن عدداً من قيادات النهضة أكدوا في السابق أنهم ليسوا معنيين بالرئاسة، وأنهم سيشاركون فقط في السباق نحو البرلمان. وهو ما يدفع إلى طرح سؤال جوهري: لماذا غيرت «النهضة» موقفها وقدمت مرشحاً من داخلها لأول مرة في تاريخها؟ ولماذا لم تدعم مرشحاً علمانياً ليبرالياً من خارجها، مثلما فعلت في انتخابات 2011 و2014؟
كجواب على هذا السؤال تجب الإشارة إلى أن غالبية أعضاء مجلس الشورى، الذين صوتوا بما يشبه الإجماع على قرار ترشيح عبد الفتاح مورو، وبينهم راشد الغنوشي رئيس الحركة، ونائباه رئيس الحكومة الأسبق علي العريض ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، يرون أن «(النهضة) انتقلت من المعارضة إلى المشاركة في الحكم»، وبالتالي فإنه يحق لها اليوم الاستجابة لضغوط أنصارها والمنتمين إليها، الذين باتوا يطالبونها بتقديم مرشح من داخلها، يدعم «قوى الإصلاح والتغيير»، عوض مرشحين يرمزون إلى «النظام القديم»، وإلى «الأحزاب المعادية للتغيير ولثورة 2011».
في هذا السياق، اعتبر الوزير السابق ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، أن «ترشيح مورو ليس رمزياً، مثلما يتوقع البعض»، مبرزاً أنه «ترشح ليفوز بالرئاسة»، باعتباره شخصية معتدلة لها خبرة طويلة في العمل السياسي والحقوقي، توجت بخمسة أعوام نائباً أول لرئيس البرلمان، أقام خلالها علاقات مباشرة مع غالبية ممثلي السلطتين التنفيذية والتشريعية ومؤسسات الدولة والإدارة.
لكن في المقابل، فإن بعض قيادات «النهضة»، الأكثر قرباً من رئيسها راشد الغنوشي، أعلنوا مجدداً معارضتهم ترشيح قيادي من «النهضة» للرئاسة، وذلك «حتى لا تتهم بمحاولة احتكار المشهد السياسي الرسمي، في حال نجاح مرشحها للرئاسة، وفوزها في الوقت نفسه بالمرتبة الأولى في البرلمان، ما يعني قدرتها على تحديد اسم رئيس الحكومة القادم وفريقه».
كما اعتبر بعض المراقبين، وفي مقدمتهم الأستاذ الجامعي جمال الدين دراويل، أن ترشيح النائب الأول لحركة النهضة عبد الفتاح مورو «قرار ليس في محله». بينما أعلن رفيق عبد السلام، وزير الخارجية السابق ورئيس لجنة العلاقات الدولية في «النهضة»، عبر وسائل الإعلام المحلية عن معارضته ترشيح قيادي من الحركة للانتخابات الرئاسية، معتبراً أن «المعطيات الإقليمية لا تسمح للحركة بإعادة تجربة 2012 – 2013 عندما كانت تتحكم مباشرة، وعبر حلفائها، في البرلمان والحكومة وفي قصر الرئاسة، مما أقحم البلاد في تجاذبات وصراعات وإضرابات واعتصامات، أدت إلى استقالة حكومتها لفائدة حكومة تكنوقراط، ترأسها المهندس المهدي جمعة».
ويرجح كثير من المعلقين السياسيين، مثل الإعلامي إبراهيم الوسلاتي، ووزير العدل في عهد بن علي، الصادق شعبان، أن «النهضة» تريد أن تحتكر أبرز المناصب في الدولة، وبينها رئاسة الدولة، من خلال ترشيح عبد الفتاح مورو، ورئاسة البرلمان من خلال ترشيح رئيسها راشد الغنوشي على رأس قائمة تونس العاصمة، مع محاولة التحكم في اسم رئيس الحكومة، إذا فازت بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية.
ويفسر عدد من المراقبين تقدم حركة النهضة بمرشح للرئاسة لأول مرة في تاريخها، بأوضاعها الداخلية بعد الخلافات الحادة، التي برزت بين قياداتها الشهر الماضي، إثر تشكيل قائماتها للانتخابات البرلمانية، أي أن ترشيح مورو للرئاسة جاء لإعادة خلط الأوراق داخلها لفائدة الزعيمين المؤسسين راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو، بصرف النظر عن نسبة الأصوات التي سوف تحصل عليها «النهضة» في الانتخابات الرئاسية، والتي ترجح مؤسسات استطلاعات الرأي أنها لن تتجاوز الـ25 في المائة. لكن مع ذلك فإن هذه النسبة ستسمح لها بالانحياز إلى واحد من المرشحين الاثنين الفائزين في الدور الأول ودعمه، وهو ما يضمن لها التأثير في اختيار الرئيس «العلماني» القادم للبلاد، والذي يرجح أن يكون يوسف الشاهد أو عبد الكريم الزبيدي، أو المهدي جمعة.
الشرق الاوسط