شهدت مدن في إقليمي بابوا وبابوا الغربية بأقصى شرق إندونيسيا مظاهرات شارك فيها آلاف، وتحولت إلى أعمال شغب أصيب فيها أربعة من عناصر الشرطة، ووصل الأمر إلى حرق لبعض المباني بما فيها مبنى المجلس التشريعي المحلي لإقليم بابوا الغربية في مدينة مانوكواري.
كما وصلت الحشود إلى مطار مدينة سورونغ الذي تعرض مبناه الجديد إلى بعض الأضرار قبل وصول عناصر الأمن لتأمينه.
وتحاول السلطات المحلية احتواء التوتر في المدن الأربعة التي تشهد مظاهرات بالحوار مع المتظاهرين وإقناعهم بالتفرق وعدم التظاهر في الأيام القادمة.
لكن ما زالت مدينة مانوكواري في إقليم بابوا الغربية تشهد شللا اقتصاديا واضحا، وتدرس الشرطة احتمال حشد مزيد من عناصر الأمن إذا ما تكررت المظاهرات في الأيام القادمة.
بداية الحكاية
وقد اعترف قائد الشرطة الإندونيسية الجنرال تيتو كارنافيان بأن سبب اشتعال المظاهرات هو ما وقع بمدينتين في جاوا الشرقية الخميس والسبت الماضيين، فانعكس الأمر في مظاهرات بإقليمي بابوا وبابوا الغربية.
كانت البداية في مالانغ بإقليم جاوا الشرقية يوم الخميس الماضي عندما تظاهر تحالف طلبة بابوا في ذكرى ما يعرف باتفاقية نييوورك التاريخية التي وقعت عام 1962 بين الحكومة الإندونيسية والهولنديين بشأن وضع بابوا السياسي إثر استقلال إندونيسيا.
وخلال مسيرة طلبة بابوا إلى مقر والي مدينة مالانغ، تصدى لهم مواطنون رفضوا احتجاج طلبة بابوا واعتبروه إزعاجا لحركة سكان المدينة، وانتهى الأمر بالمواجهات والتراشق بالأحجار حسب روايات شهود عيان.
ثم تدخلت الشرطة وسيطرت على الموقف، وما أثار غضب كثيرين تصريح نسب إلى سفيان إيدي نائب والي مدينة مالانغ قال فيه إنه يمكن طرح خيار إعادة الطلبة من بابوا الذين شاركوا في الاحتجاجات إلى بلداتهم إذا ما تسبب احتجاجهم في سقوط ضحايا وحدوث أعمال شغب، وهو خطاب فاجأ عامة الإندونيسيين وليس البابويين فحسب.
لكن الأمر لم ينته عند هذه الحد، فامتد المشهد إلى مدينة ليست بعيدة عن مالانغ هي سورابايا عاصمة إقليم جاوا الشرقية، بعد أن انتشرت شائعة بالإساءة إلى علم إندونيسيا قرب سكن لطلبة من بابوا، وذلك عشية احتفال إندونيسيا بعيد استقلالها.
فاحتشدت أعداد كبيرة من الشرطة ومنظمات شعبية محلية، وطوقوا سكنا لطلبة من بابوا، واقتيد 43 طالبا من بابوا من سكنهم الطلابي للتحقيق معهم في مركز للشرطة قبل إطلاق سراحهم في اليوم التالي، وهو ما أثار غضب البابويين مما قيل إن عبارات مسيئة قيلت بحقهم خلال الحادثة.
وقد أبدى سوريا أنتا المتحدث باسم “الجبهة الشعبية الإندونيسية لبابوا الغربية” استياءه من أسلوب تعامل الشرطة مع حادثة الإساءة لعلم إندونيسيا، وقال إن الشرطة لم تقم بالتحقيق الكافي قبل اقتياد الطلبة، وأنها تركت منظمات شعبية وطلابية تطوق المكان دون تدخل منها في تلك الليلة.
وقد كان أول المسؤولين اعتذارا “خفيفة أندار باراونساه”، الوزيرة السابقة وحاكمة إقليم جاوا الشرقية، التي تتبع لها مدينتا سواربايا ومالانغ، حيث قدمت اعتذارا رسميا مباشرا للمسؤولين في إقليم بابوا وتحدثت إلى وسائل الإعلام الإندونيسية.
وأكدت أن ما صدر من إساءة كلامية وما وقع بحق طلبة بابوا في جاوا الشرقية لا يمثل موقف عموم الجاويين، مشيرة إلى ترحيب سكان جاوا الشرقية بالطلبة والمقيمين من أهل بابوا، مع ضمان أمنهم وسلامتهم وحقهم في مواصلة دراستهم كغيرهم من المواطنين.
وتأكيدا لكلامها، قال بيتر روماسيبا، رئيس جمعية الأسر البابوية في مدينة سورايابا، إن البابويين المقيمين في المدينة، التي تعد ثاني أكبر مدن إندونيسيا، وعددهم نحو ألف شخص يعيشون بأمان وليس هناك ما يضرهم، لكنه طالب الشرطة بالتحقيق في حادثة الإساءات الكلامية بحق الطلبة البابويين.
وفي مدينة مالانغ، أكد والي المدينة سوتيا جي أنه ليس هناك أي قرار أو توجه لترحيل طلبة من إقليم بابوا ممن يدرسون في جامعات مالانغ المعروفة بأنها من المدن التعليمية والسياحية في البلاد.
وقال إن حكومة المدينة لم تصدر أي تصريح أو قرار بهذا الخصوص، لكنه اعترف بأن نائبه سفيان إيدي تحدث عن دراسة خيار عودة طلبة بابوا إلى بلداتهم، وهو ما لا يتفق مع موقف حكومة وسكان مدينة مالانغ.
وأضاف أن حق الاستثمار والعمل والدراسة في مدينة مالانغ متاح لجميع المواطنين من مختلف المناطق والأقاليم، وأن حكومة مالانغ ستقدم ضمانات بالحفاظ على أمن وسلامة الطلبة البابويين الدارسين في جامعات المدينة باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الشعب الإندونيسي.
اعتذار متبادل
كما طالب الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو المواطنين جميعا بأن يسامح بعضهم بعضا، وقال مخاطبا أهل بابوا “إخوتي في بابوا أعرف أن هناك شعورا بالتعرض للإساءة، ولكننا شعب واحد وفي بلد واحد، فلذلك من الأفضل أن نتسامح، صحيح أن هناك غضبا لكن الصبر هو الحل الأمثل”.
وأكد أن الحكومة ستسعى للحفاظ على كرامة المواطنين في بابوا وبابوا الغربية، مشيرا إلى استمرار الحكومة في برامجها لتحسين حياة المواطنين في الإقليميين.
أما لينيس كوغويا رئيس اتحاد جمعيات سكان بابوا ومستشار الرئيس الإندونيسي لشؤون بابوا فقد طالب بضرورة ضمان أمن وسلامة الطلبة البابويين في عموم المدن الإندونيسية، وأكد أن ما حدث في سورابايا وفي بابوا قد بث شعورا بالخوف بين الطلبة البابويين.
وقال إن هناك حاجة للتنسيق المكثف بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية المختلفة في الأقاليم والمحافظات والمدن لضمان أمن وسلامة الطلبة البابويين الذين هم بحاجة لمواصلة تعليمهم في الجامعات الإندونيسية المختلفة.
من جانبه، دعا حاكم إقليم بابوا لوكاس إنينمبي زملاءه من المسؤولين الحكوميين في مختلف مناطق إندونيسيا إلى رعاية مصالح السكان البابويين في مناطقهم، مؤكدا قيامه بالدور نفسه تجاه الطلبة والمقيمين وعامة المواطنين القادمين إلى بابوا من الأقاليم الإندونيسية الأخرى.
كما دعا عامة الإندونيسيين إلى المحافظة على الوئام المجتمعي وعدم التورط بأي إجراءات خارج القانون أو سلوكيات تعسفية أو عنصرية قد تجرح شعور البابويين وتنال من العيش المشترك، ويفترض ألا يكون مكان لأي سلوك غير متسامح أو عنصري أو تمييزي، حسب قوله.
وتختلف نسبة من سكان بابوا عرقيا وثقافيا عن الجزر الإندونيسية الأخرى مما قد يسبب توترا بين القوميات في مثل هذه المظاهرات.
وقد أثارت الحادثة في وسائل الإعلام الإندونيسية نقاشات موسعة عن قضية بابوا بكل تفاصيلها، من حقوق إنسان وتنمية واستفادة من ثرواتها الهائلة ومخصصات وامتيازات الحكم الذاتي فيها.
المصدر : الجزيرة