بغداد – وجه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، ضربة كبيرة، لأحد أبرز خصومه السنة في مجلس النواب، عندما استجاب لطلب قضائي برفع الحصانة عن النائب طلال الزوبعي، منهيا سلسلة مناكفات تخللتها اتهامات بالفساد وبيع وشراء المناصب والمقاعد النيابية.
وينتمي كل من الحلبوسي والزوبعي إلى الطائفة السنية في العراق، وينحدر كلاهما من محافظة الأنبار، حتى انهما يتشابهان في البيئة العشائرية التي صعدت بنجم كل منهما في عالم السياسة. وقال مقربون من رئيس البرلمان إن “الكيل طفح بالحلبوسي، فقرر رفع الحصانة عن الزوبعي”.
وبشكل مفاجئ، وقع الحلبوسي وثيقة موجهة إلى الادعاء العام، جاء فيها، “نظرا لكثرة الشكاوى الواردة إلينا بتهم فساد موجهة إليه (…) تقرر رفع الحصانة عن النائب طلال خضير عباس الزوبعي”.
وجاءت الوثيقة التي وقعها الحلبوسي، جوابا على طلب تقدم به الادعاء العام في العراق، إلى رئاسة البرلمان، بشأن إمكانية رفع الحصانة عن الزوبعي، بعد اكتمال التحقيقات في قضية ابتزاز مرفوعة ضده.
ويضع مراقبون هذا التطور، في سياق تصفية الحسابات بين الساسة السنة، والتخلص من المنافسين المزعجين، في مرحلة تنشغل خلالها الدولة العراقية بأزمات أخرى كبيرة، بينها التوتر في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران، وتغول الحشد الشعبي، ما يتيح فسحة واسعة لإنهاء بعض المتعلقات السياسية.
وبالتخلص من الزوبعي، يكون الحلبوسي قد أنهى فصلا مزعجا من حياته السياسية، اتسم بالتعرض المستمر للضغوط المرتبطة بتوجيه اتهامات له بالفساد والتورط في صفقات سياسية لتنصيب وزراء ومسؤولين في دوائر مهمة.
وفي سياق التنافس على الزعامة الشكلية للمكون السني، يحقق الحلبوسي تفوقا واضحا على جميع منافسيه، وأبرزهم خميس الخنجر، بعد الانحسار الكبير في الدور الذي كان يلعبه رئيس البرلمان الأسبق اسامة النجيفي، ورئيس البرلمان السابق سليم الجبوري.
ولم يستبعد مراقب سياسي عراقي أن تكون حادثة رفع الحصانة النيابية عن الزوبعي مجرد زوبعة مختلقة، الهدف منها جر القوى السنية إلى صراع مكشوف في ما بينها لا لإضعافها فهي ضعيفة أصلا بل لتجريدها من أية مصداقية محتملة من خلال وضعها متفرقة تحت مطرقة الحماية الإيرانية التي يمكن أن تسحقها في أية لحظة.
واعتبر المراقب إن ذلك ما سينعكس سلبا على واقع المناطق ذات الأغلبية السنية التي سيؤجل النظر في مسألة اعمارها إلى زمن غير مرئي، بسبب الخلافات الناشبة بين أفراد الطاقم الذي تم اختراعه من أجل تمثيلها.
في غضون ذلك ذكرت مصادر سياسية أن الحلبوسي لم يعد يحظى بالثقة الإيرانية، التي دفعته نحو رئاسة البرلمان، بعدما عبر عن مواقف داعمة لاستمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق.
ويقول مراقبون إن طهران يمكن أن تغفل لحلفائها العراقيين الكثير من الأخطاء، إلا التورط في علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، وتضع هذا الأمر شرطا لدعمها أي سياسي عراقي.
وتطرح سيناريوهات عديدة بشأن المستقبل السياسي للحلبوسي، أحدها إطاحته من منصبه إيرانيا، في حال ازدادت المؤشرات المتعلقة بميوله نحو الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وسبق أن طرح الزوبعي نفسه مرشحا لرئاسة البرلمان العراقي في دورته الحالية، لكنه افتقر للدعم السياسي، في مقابل الحلبوسي الذي اعتمد على دعم تحالف الفتح، بزعامة هادي العامري، المقرب من إيران، في إطار صفقة لتقاسم المناصب الكبرى بين الشيعة والسنة والكرد، ما رجح كفته في النهاية.
وقاد الزوبعي حملة واسعة للتشكيك في قانونية انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي، تضمنت تقديم شكوى، قال إنها معززة بالأدلة إلى المحكمة المعنية بالفصل في النزاعات الدستورية، مطالبا إياها ببيان رأيها.
واستعان الزوبعي بدعم زعيم المشروع العربي خميس الخنجر، الذي يتحكم في كتلة من النواب السنة، قوامها 11 برلمانيا، لمواجهة الحلبوسي. ويتنافس كل من الحلبوسي والخنجر على زعامة المكون السني سياسيا، ويخوض أنصارهما حربا إعلامية مستعرة.
ووجه الزوبعي اتهامات صريحة للحلبوسي بشراء أصوات نواب خلال جلسة انتخاب رئيس البرلمان، مشيرا إلى أن النصاب لم يكن متحققا في الجلسة، فيما شاب عملية التصويت نفسها التزوير. ويعتقد الزوبعي، أن الحلبوسي “لا يمتلك الخبرة القانونية لإدارة جلسات البرلمان ولا توجد لديه خلفية عن النظام الداخلي والدستور”، مشيرا إلى أن العام الأول من عمر البرلمان الحالي لم يشهد “إنجازا يذكر”.
ويقول إن “الدورة البرلمانية الحالية هي الأضعف بين كل الدورات، نتيجة ضعف إدارة الجلسات”، مطالبا بـ “تصحيح المسار التشريعي”، لـ “ينطلق ممثلو الشعب نحو التشريع أولاً ومراقبة أداء الحكومة ثانياً ومحاربة المفسدين ثالثاً”.
ويقول الزوبعي عن الحلبوسي، من دون أن يذكر اسمه، إن رئيس البرلمان “يتحدث عن مكافحة الفساد وعن الشرف، وينسى تأريخه القريب، حين أودع التوقيف عام 2012 في أحد مراكز شرطة دمشق، بسبب مشاجرة داخل أحد الملاهي، عندما تحرش أحد المخمورين بصاحبته، فضلاً عن بطولاته بصالات الروليت في بيلاروسيا”.
وسبق للزوبعي أن ترأس لجنة النزاهة البرلمانية في الدورة السابقة. لكن الحلبوسي يقول إن الزوبعي تورط في قضايا فساد وابتزاز مالي عندما كان يشغل هذا الموقع.
وتكشف المناكفة السياسية والشخصية بين الحلبوسي والشاهد ان جيل المحاصصة الأول قد غطى على عمليات فساده بالشعارات الطائفية فإن جيلها الثاني لم يعد في حاجة إلى تلك الشعارات، بعد أن حسمت الأمور السياسية كلها لصالح إيران من جهة كونها تمثل القوة الراعية لأطراف العملية السياسية في العراق.
والحلبوسي والزوبعي بالرغم من أنها يمثلان “المكون السني” هما نتاج مرحلة، صارت فيها كل خيوط اللعبة السياسية يتم التحكم بها من قبل زعماء الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني. لذلك فإن أي صراع يمكن أن ينشب بين أفراد الطاقم “السني أو الشيعي على حد سواء” يمكن تسويته من خلال الاحتكام إلى مدى ولاء هذا السياسي أو ذاك لإيران.
وعادة ما يتم تسوية الخلافات الشيعية ــ الشيعية في الخفاء إلا إن الخلافات السنية ــ السنية ترتبط بالتنافس على صفقات الفساد فتتم تسويتها في العلن، وذلك من أجل إضفاء طابع فضائحي على الكذبة المتعلقة بالتمثيل السني في نظام المحاصصة وفق المراقب السياسي العراقي.
العرب