انهيار الحكومة الشعبوية في إيطاليا

انهيار الحكومة الشعبوية في إيطاليا

دخلت إيطاليا في أزمة سياسية غير مسبوقة مع إعلان رئيس الحكومة الائتلافية جوزيبي كونتي استقالته من منصبه، حيث أدى انعدام الاستقرار الحكومي إلى خسارة إيطاليا ما يصل إلى 5 مليارات دولار في سوق السندات، فيما يستمر التوتر في الأسواق المالية بسبب الغموض الذي يلف ثالث اقتصاد في منطقة اليورو المثقل بديونه.

روما – انهارت الحكومة الشعبوية الإيطالية التي تحكم البلاد منذ 14 شهرا، الثلاثاء، بعد أشهر من النزاع الداخلي والجمود، مما يمهد الطريق لنتائج لا يمكن توقعها.

وأضفى رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي طابعا رسميا على القطيعة بين حزب الرابطة التابع لماتيو سالفيني، وحركة خمس نجوم، وذلك بتقديم استقالته.

وقال كونتي الثلاثاء إنه سيقدم استقالته في نهاية نقاش في مجلس الشيوخ بشأن حكومته، أثاره الزعيم اليميني المتطرف ماتيو سالفيني.

وأضاف “سأنهي هذه التجربة الحكومية هنا، سأذهب إلى رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا لإبلاغه باستقالتي” بعد النقاشات.

وأطلق زعيم الرابطة (يمين متطرف) المعركة في 8 أغسطس إثر اتهامه شركاءه في حركة خمس نجوم (المناهضة للمؤسسات القائمة) بتكرار رفض مشروع خفض الضرائب ومشاريع أخرى.

وأطلق سالفيني، ابن الشمال الإيطالي، منذ صباح الثلاثاء تصريحات عنيفة ضد الساعين إلى ائتلاف جديد بين الرابطة وحركة خمس نجوم. وقال “ماذا ستمثل حكومة ائتلافية بين الرابطة وحركة خمس نجوم؟ أي معنى لحكومة تضم كل هؤلاء الأشخاص المعادين لسالفيني؟ الحكومة يجب ان تكون قوية لتتمكن من العمل”.

وكان سالفيني بدأ جولة إعلامية فور تفجيره الائتلاف، قادته إلى شواطئ البلاد حيث سعى إلى كسب أصوات في جنوب إيطاليا والضغط لإجراء انتخابات مبكرة في الخريف.

وأدى انعدام الاستقرار الحكومي إلى خسارة إيطاليا ما يصل إلى خمسة مليارات دولار في سوق السندات، ويستمر التوتر في الأسواق المالية إزاء الغموض الذي يلف ثالث اقتصاد في منطقة اليورو المثقل بديونه.

وكان سالفيني يعوّل على عنصر المفاجأة وإضعاف حركة خمس نجوم بزعامة لويجي دي مايو. كما كان يعوّل أيضاً على استطلاعات الرأي التي تمنحه نسبة بين 36 و38 بالمئة من التأييد، وهي نسبة معاكسة لنتائج انتخابات 2018 التشريعية حين حصدت “خمس نجوم” 32 بالمئة من الأصوات (بين 15 و16 بالمئة في التوقعات الحالية)، وحصدت الرابطة نسبة 17 بالمئة. ولكن مع إطلاق “الأزمة الأكثر جنوناً في العالم”، وفق صحيفة “لا ستامبا”، لم يأخذ رجل الحكومة القوي، سالفيني، في الاعتبار قصور النظام السياسي في إيطاليا حيث تولد الأغلبية الحكومية وتموت داخل البرلمان.

وقالت حركة 5 نجوم الإيطالية إن سالفيني لم يعد شريكا موضع ثقة مما يغلق الباب في ما يبدو أمام أي إمكانية لإحياء الائتلاف الحاكم.

والتقى كبار مسؤولي الحركة المناهضة للمؤسسات في فيلا مؤسس الحركة الممثل الكوميدي بيبي غريلو لبحث موقفهم بعد الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة جوزيبي كونتي أمام مجلس الشيوخ الثلاثاء وتناول فيها الأزمة الحكومية.

وقالت حركة 5 نجوم في بيان “كل الحاضرين هنا اتفقوا على أن سالفيني لم يعد شريكا موثوقا به”.

وكان بين من حضروا الاجتماع زعيم الحركة لويجي دي مايو ورئيس مجلس النواب المنتمي لها روبرتو فيكو وأليساندرو دي باتيستا وهو ليس عضوا بالبرلمان لكنه ربما يكون السياسي الأكثر شعبية في الحركة وله أتباع كثيرون.

وطرح حزب الرابطة مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة لكن حركة 5 نجوم والحزب الديمقراطي المعارض رفضا مناقشتها، ويبحث سياسيون من الجانبين الآن علنا تشكيل ائتلاف بينهما لتهميش سالفيني.

ومن المتوقع أن تحاول الحركة الآن تشكيل حكومة بديلة مع الحزب الديمقراطي المعارض. وإذا فشلت الحركة في ذلك، من المرجح أن تواجه إيطاليا انتخابات مبكرة في أكتوبر أو نوفمبر المقبلين أو مطلع عام 2020.

وستنتقل الكرة في هذه الحالة إلى ملعب الرئيس ماتاريلا الذي سيطلق استشارات برلمانية بحثاً عن غالبية جديدة واختيار شخصية تمثّلها لتشكيل حكومة.

وبينما كان سالفيني يعلن أنّه “لا يجب أن تتحوّل إيطاليا إلى مخيّم للاجئين”، كانت بقية الأحزاب تنظّم صفوفها ضمن تكتل يرفض إجراء انتخابات مبكرة.

وجاء الاقتراح الأول للحل بشكل مفاجئ من رئيس الوزراء الأسبق ماتيو رينزي الذي كان يشكّل في السابق مصدر إزعاج لسالفيني ولحركة خمس نجوم.

واقترح رينزي مصالحة، ودعا إلى تشكيل حكومة “تحترم المؤسسات”، يتحالف ضمنها الحزب “الديمقراطي” (يسار وسط) الذي ينتمي إليه، وحركة خمس نجوم.

وأشار إلى أنّ مهمة هكذا حكومة ستتمثّل في وضع موازنة 2020 بشكل يتجنب إدخال زيادة على ضريبة القيمة المضافة التي سترتفع تلقائيا في مطلع العام المقبل في حال عدم إقرار موازنة جديدة.

غير أنّ أمين عام الحزب الديمقراطي نيكولا زينغاريتي حذّر بالقول “إما أن تخلص مشاورات الرئيس ماتاريلا إلى تشكيل حكومة قوية تطرح برنامجا جديدا، وإما سيكون من الأفضل العودة إلى صناديق الاقتراع”. واقترح رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ورئيس المفوضية الأوروبية الأسبق رومانو برودي خطة أخرى تقضي بتشكيل حكومة مؤيدة لبروكسل أطلقوا عليها اسم حكومة “أورسولا”، نسبةً إلى الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية، الألمانية أورسولا فان در لاين.

وعملياً، يقوم اقتراح برودي على إقامة تحالف من اليسار واليمين يمكن أن يضم حزب “فورزا إيطاليا” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني، وذلك على طريقة الائتلافات الحكومية في ألمانيا. ويبرر برودي مقترحه بالسعي إلى “عودة إيطاليا عضوا فاعلا في الاتحاد الأوروبي”.

وفي استطلاع أجراه معهد “يوترند” لآراء المحللين السياسيين، حازت حكومة ائتلاف بين حركة خمس نجوم والحزب الديمقراطي على نسبة 36 بالمئة من التأييد، في مقابل 22 بالمئة لصالح انتخابات مبكرة، و12 بالمئة لحكومة “أورسولا”، ونسبة مماثلة لصالح حكومة تكون مهمتها إقرار موازنة والتحضير لانتخابات مبكرة في ربيع 2020.

العرب