على غير العادة في دورات سابقة، اختتمت قمة مجموعة السبع أعمالها في منتجع بياريتز الفرنسي من دون بيان ختامي، وذلك تفادياً لما حدث بعد قمة 2018 التي انعقدت في كيبك الكندية وتوصلت إلى إعلان مشترك تنصل منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد ساعات قليلة متهماً رئيس الوزراء الكندي جستون ترودو بالضعف والخنوع. لكن السبب الآخر والأهم خلف تغيير العادة هو الحجم الهائل من الخلافات بين الدول الأعضاء المشاركين في القمة، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وكندا واليابان، حول طائفة واسعة من القضايا الإشكالية المطروحة على جدول الأعمال.
فمن جانب أول هنالك تباينات في قراءة كل دولة لمسائل مثل المناخ والبيئة وتنظيم اللجوء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحرب الولايات المتحدة التجارية مع الصين والموقف في هونغ كونغ والتصعيد في كشمير، بالإضافة إلى التوتر في مضيق هرمز وانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران. هنالك أيضاً خلاف شديد حول مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفرض ضرائب على شركات الاتصال الرقمية العملاقة، الأمر الذي ترفضه واشنطن جملة وتفصيلاً بالنظر إلى أن معظم تلك الشركات أمريكية الجنسية. يضاف إلى هذا حقيقة قدوم بعض زعماء الـ 7 محملين بهموم داخلية تخص بلدانهم في المقام الأول، لكنها تنعكس بهذه الصفة أو تلك على العالم بأسره. فالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تودع السياسة، ورئيس الوزراء الإيطالي ضيف شرف لأن حكومته استقالت قبل مجيئه، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون غارق في متاهة الـ «بريكست» وأغلبية صوت واحد في البرلمان.
من جانب آخر، ورغم تباكي الزعماء المشاركين في القمة على حرائق الأمازون باعتبارها «الرئة الخضراء» للبشرية، فإن التوصيات والتصريحات لم تتجاوز البلاغة اللفظية وكادت أن تقتصر على مناوشات عبر تويتر بين ماكرون والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو. كذلك فإن تصريحات ماكرون، حول ضرورة ألا تشهد اجتماعات القمة «قتل» ملف الحرب التي يشنها تحالف النظام السوري وروسيا وإيران ضد المدنيين في إدلب، لم تلق آذاناً صاغية وبدا أن ماكرون نفسه تجاهل إثارتها خلال اجتماعه مع زائر القمة المفاجئ وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف. كذلك لم يجد الزعماء وقتاً لمناقشة عربدة دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا اعتداءاتها المتكررة في سوريا والعراق ولبنان.
في المقابل وجد ماكرون وترامب وميركل وجونسون ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الوقت الكافي للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المدعو إلى منتدى حول القمة يبحث في الشراكة مع أفريقيا. وبذلك استكمل زعماء الاقتصادات الديمقراطية الرئيسية في العالم مفارقة الجمع بين الوقوف مكتوفي الأيدي أمام احتراق رئة البشرية الخضراء، وبين احتضان أحد كبار ممثلي أنظمة الاستبداد والفساد في العالم.
والتاريخ يسجل أن فرنسا أيضاً، في بلدة رامبوييه قبل 55 سنة، كانت أول مستضيف لقمم السبعة الكبار، وكان البند الأبرز على جدول أعمالها هو طرائق مواجهة منظمة أوبك وإطلاق ما سُمّي بـ «النظام الاقتصادي العالمي الجديد»، أي تقويض الشراكة مع اقتصادات العالم الأخرى والنامية خاصة، بدل تدشينها وتحصينها. وهكذا يحدث مراراً أن يعيد التاريخ نفسه، ولكن مع وقائع أشد مضاضة وأبعد أثراً.
القدس العربي