في خطوة توحي بوضع تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله موضع اختبار فوري، نفذ طيران دولة الاحتلال الإسرائيلي غارات ضد مواقع عسكرية تابعة للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وبالتالي خرق مجدداً «قواعد الاشتباك» التي اعتبر نصر الله أن اختراقها تطور «خطير جداً جداً جداً» ويستوجب الرد.
وقبل إرسال الطائرات المسيرة إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، وهي العملية التي تحمل بصمة إسرائيلية واضحة، كانت دولة الاحتلال قد أعلنت مسؤوليتها عن قصف موقع لحزب الله في عقربا، جنوب العاصمة السورية دمشق، زعمت أن فيلق القدس المرتبط بالحرس الثوري الإيراني كان يخطط فيه لعملية نوعية في الجليل الفلسطيني. وقبل هاتين العمليتين، كانت مخازن أسلحة وعتاد تابعة للحشد الشعبي العراقي في قضاء القائم قد تعرضت إلى قصف جوي مجهول الهوية، يحمل بدوره البصمة الإسرائيلية ذاتها.
وليس جديداً أن تضرب دولة الاحتلال ذات اليمين وذات الشمال حيث ارتأت في عمق الأراضي العربية، في سوريا ولبنان والعراق والسودان وتونس وصحراء سيناء، وأن لا تلقى عربدتها أي ردع من أنظمة منشغلة بردع الشعوب وقهر الكرامات ونهب الثروات. يضاف إلى هذا حقيقة اختلال موازين القوى بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وجميع الجيوش العربية، رغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات على عقود أسلحة وذخائر لم تستخدم إلا ضد الشعوب، أو على سبيل تسعير الصراعات الداخلية وصب الزيت على نيران النزاعات الجانبية.
من جانبه لا يفوّت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الفرصة لاستغلال حال الضعف والهوان هذه وتوظيف سياقاتها في خدمة حملته الانتخابية،على نحو يرفع أرصدته في ناظر الرأي العام الإسرائيلي ويوطد شخصيته كزعيم قوي وحازم وضامن لأمن دولة الاحتلال. إنه كذلك يقرن الأقوال بالأفعال في سياسة تحظى بشعبية واسعة، عمادها ضرب القواعد العسكرية الإيرانية أينما توجب أن تُضرب، ومن هنا التلويح باستهدافها في اليمن أيضاً وليس في سوريا والعراق ولبنان فقط.
كما يرسل نتنياهو المزيد من الإشارات إلى حلفاء دولة الاحتلال وأصدقائها حول خطورة التعاطي مع طهران، كأنْ يقتحم اجتماعات منظمة السبعة بحكاية العمل الإرهابي الذي تدبره إيران عبر سوريا ولبنان فيعكر صفو الجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتسهيل حوار أمريكي مع طهران، أو يذكّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتفاهمات الاجتماع الأمني الأمريكي/ الروسي/ الإسرائيلي في القدس المحتلة أواخر حزيران (يونيو) الماضي، وبينها تعهد موسكو بإبقاء طهران وميليشياتها على مبعدة 80 كم من الجولان المحتل.
وما دام حزب الله قد استقال من مهام مقاومة الاحتلال الإسرائيلي منذ 2006 واستدار للقتال في صفوف النظام السوري والمشاركة في وأد انتفاضة السوريين وقتلهم وتشريدهم، فإن وعيد نصر الله لن يشذ عن التهديدات الجوفاء التي يطلقها بشار الأسد وأمثاله كلما تلقوا صفعة إسرائيلية، ولن يتجاوز القيام بعمليات رمزية ومحدودة لحفظ ماء الوجه. هذا بافتراض أن طهران لن تقدم على إشعال جبهة حرب بالإنابة في لبنان، ضد دولة الاحتلال وعبر حزب الله، يكون وقودها الشعب اللبناني، وبناه التحتية المتداعية أصلاً، واقتصاده الآخذ في انهيار.
وفي كل حال، لا يلوح أن نتنياهو ينوي الكف عن وضع أقوال نصر الله على محك الأفعال.
القدس العربي