بعد انتظار استمر أياما “طويلة” على الجبهتين اللبنانية والإسرائيلية، نفذ حزب الله وعيده بالرد عسكريا على هجمات إسرائيلية تعرض لها بسوريا ولبنان، وحبس كثيرون أنفاسهم لمعرفة ما إذا كانت الأزمة ستتجه إلى تصعيد أم إلى تخفيف.
وبعد ساعات من التصعيد، عاد الهدوء مرة أخرى إلى المناطق الحدودية بين إسرائيل ولبنان وسط دعوات دولية لضبط النفس، في حين حرص كل طرف على تأكيد أن ما جرى كان لصالحه.
الوقائع
بدأت تطورات التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل عند الساعة الرابعة و15 دقيقة من بعد ظهر أمس بالتوقيت المحلي، بقصف لإحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية، وأسفر عن تدمير آلية عسكرية إسرائيلية.
وقال الحزب في بيان إن تدمير الآلية العسكرية الإسرائيلية تم عند طريق ثكنة أفيفيم في القطاع الأوسط للحدود. وذكر بيان صادر عن الحزب أنه “بتاريخ اليوم الأحد الأول من سبتمبر/أيلول قامت مجموعة الشهيدين حسن زبيب وياسر ضاهر بتدمير آلية عسكرية عند طريق ثكنة أفيفيم، وقتل وجرح من فيها”.
تشغيل الفيديو
وردت المدفعية الإسرائيلية على العملية التي نفذها حزب الله بإطلاق عدد محدود من القذائف على المناطق المحيطة بمواقعها العسكرية داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
وقالت مصادر من الجيش الإسرائيلي إن الصواريخ التي أطلقها حزب الله هي قذائف كورنيت الفعالة جدا ضد المدرعات. وأضافت المصادر أن هذه الصواريخ استهدفت آليات متحركة وقاعدة عسكرية قرب مستوطنة أفيفيم المتاخمة للقطاع الأوسط من الحدود مع لبنان.
وأفاد مراسل الجزيرة -نقلا عن الجيش اللبناني- بأن قوات الاحتلال أطلقت نحو أربعين قذيفة باتجاه لبنان، وقال إن القصف تسبب في اندلاع حرائق بالأشجار داخل المزارع، كما قصفت المدفعية الإسرائيلية محيط بلدة مارون الراس جنوبي لبنان.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، في بيان، إنه لا توجد إصابات جراء العملية، التي نفذها حزب الله على الحدود اللبنانية عبر إطلاق صاروخين أو ثلاثة.
وأضاف أن القوات الإسرائيلية ردت باستهداف الخلية التي أطلقت الصواريخ المضادة للدروع، إضافة إلى إطلاق نحو 100 قذيفة مدفعية باتجاه مصادر النيران جنوبي لبنان.
ونفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -خلال مؤتمر صحفي في القدس المحتلة- وقوع أي إصابات في القصف الذي نفذه حزب الله، مؤكدا أن حكومته ستقرر الخطوات المستقبلية بشأن الوضع على الحدود اللبنانية “بناء على تطورات الموقف”.
كما ذكر مراسل الجزيرة أن رئيس الأركان الإسرائيلي عقد جلسة لتقييم الوضع على الحدود، وأوعز بالحفاظ على حالة الجاهزية.
جولة وانتهت
بعد ساعات من القصف الإسرائيلي عاد الهدوء إلى المناطق الحدودية بين إسرائيل ولبنان، وبدا وكأن الطرفين اكتفيا بما حدث في الجولة الحالية على الأقل.
وأكد مصدر أمني لبناني للجزيرة توقف القصف الإسرائيلي بعد أن استهدف قرى عدة بأكثر من أربعين قذيفة.
تشغيل الفيديو
كما أعلنت قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي عودة الحياة إلى طبيعتها في كافة المناطق الحدودية مع لبنان.
وأكدت مصادر عسكرية إسرائيلية أن القتال مع حزب الله على الحدود “انتهى على ما يبدو” بعد إطلاق الحزب صواريخ مضادة للدبابات، ورد إسرائيل بضربات جوية ونيران المدفعية.
وعلى المنوال نفسه، أكد مصدر أمني في حزب الله أنه لا نية لدى الحزب للتصعيد بعد ما جرى أمس.
بالمقابل هناك بعض المؤشرات على أن التهدئة قد تكون مؤقتة، من بينها حديث مصدر قريب من حزب الله أمس الأحد عن فرضية “رد ثان” من جانب التنظيم، مضيفا “لم يحصل الرد بعد، لكنه سيتم عبر مواجهة الطائرات المسيرة الإسرائيلية”.
وكان حزب الله استهدف في العامين 2015 و2016 آليات عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة ردا على غارات إسرائيلية استهدفت مقاتليه في محافظة القنيطرة السورية.
من كسب الرهان؟
يصر مقربون من حزب الله على أن ما جرى مثّل انتصارا للحزب ولما تعرف بقوى المقاومة بشكل عام، فقد أوفى الأمين العام للحزب حسن نصر الله بوعده وأنجز وعيده بالرد عسكريا على الهجمات الإسرائيلية.
ويقول هؤلاء إن الحشود العسكرية الإسرائيلية على الحدود لم تمنع حزب الله من تنفيذ تهديداته باستهداف الجيش الإسرائيلي، وهو ما يعني كسبا عسكريا لصاح الحزب.
يضيف هؤلاء أيضا أن الترسانة العسكرية الضخمة بما فيها منظومات الدفاع الصاروخي فشلت في منع صواريخ حزب الله الدقيقة من الوصول إلى حيث تريد.
وفي المحصلة يرى أنصار الحزب أنه كسب الجولة الحالية عسكريا وأكد لإسرائيل قولا وفعلا أن عهد استهداف لبنان والعودة دون تبعات قد ولى مثلما قال نصر الله أكثر من مرة.
بالمقابل تؤكد إسرائيل أنها انتصرت في جولة أمس التي استغرقت ساعات فقط، وبدا فيها أن الطرفين لا يرغبان في تصعيد مفتوح، وإنما يسعيان بدرجة كبيرة إلى تسجيل نقاط في خانات الكسب السياسي والميداني دون أن يسمحا بذهاب الموقف نحو مواجهة مفتوحة.
ظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مبتسما وهو ينفي مقتل أو إصابة أي من جنوده، ويؤكد استعداده لأي احتمال، وجاهزية قواته للتحرك المقبل بناء على تطور الأحداث، ولخص الموقف بالقول “هوجمنا ببضعة صواريخ مضادة للدبابات وردنا كان بمئة قذيفة، وقصف جوي وإجراءات أخرى”.
ومن المؤكد أن إسرائيل تنفست الصعداء بعد انجلاء الموقف واتضاح أن رد حزب الله كان محدودا ولم تترتب عليه تداعيات أو خسائر بشرية أو حتى مادية كبيرة.
وربما يكون حزب الله خرج هو الآخر مرتاحا من هذه الجولة، فقد وجه رسائل قوية للإسرائيليين، ولم ينخرط في حرب مفتوحة لا أحد يعرف نتائجها وتداعياتها.
ورغم أن الطرفين -بمساعدة أطراف دولية على الأرجح- تمكنا من احتواء الموقف هذه المرة وجاءت ردود أفعالهما في إطار محدود زمانيا ومكانيا وعسكريا، وهو ما يعني أن لا أحد يريد المواجهة، فإن الحرب -ربما- تندلع خلافا لرغبة الطرفين لتثبيت أو تغيير معادلات الصراع الحالية.
الجزيرة