بينما ترى بعض الحكومات أن “بتكوين” وعملات رقمية أخرى تهديد لها، يبحث آخرون عن الطرق المثلى للاستفادة من مزاياها. لقد مضت أكثر من عشر سنوات منذ أول عملية مبادلة لـ”بتكوين”، وذلك في يناير/كانون الثاني 2009، وبلغت قيمة هذه العملة الرقمية المشفرة الأشهر حاجز عشرين ألف دولار قبل نحو سنتين، قبل أن تتراجع عن هذا الحاجز.
وتقول الكاتبة كسينيا سيمينوفا في تقرير بموقع ستراتفور الأميركي -نشر قبل أيام- إن حكومات بعض البلدان ترى في العملات الرقمية وسيلة لإنقاذ اقتصاداتها المتعثرة، وتضيف أن من المفيد فحص الاستخدامات الجيوسياسية والمؤسساتية الأكثر إثارة للاهتمام بهذه العملات.
الولايات المتحدة
قالت الكاتبة إن الكثير من الناس يواجهون عدة صعوبات على مستوى فهم التطورات التي تطرأ على قطاع العملات الرقمية، ولعل أبرز الدلائل على سوء الفهم هو تحذير النائب الأميركي براد شيرمان لزملائه، وحثهم على “احتواء البتكوين في مهدها”، مبينا أنها قد تكون قادرة على الإخلال بقوة الدولار الأميركي.
وأضافت الكاتبة أن النائب الأميركي أوضح أن تمكين دول مثل إيران من استخدام هذه العملات سيجعلها تتجاوز العقوبات الأميركية، وتعطل السياسة الخارجية لواشنطن، وتخل بأهمية العملات السيادية العالمية.وأشارت الكاتبة إلى أن رأي النائب الأميركي براد شيرمان يعكس رأي الإدارة الأميركية بشكل عام.في المقابل، جاء رد مجتمع مؤيدي العملات الرقمية سريعا، حيث قال إن العالم يتحرك نحو فضاء تتراجع فيه مكانة العملات السيادية لصالح العملات الافتراضية. وأكد المدون أنه بإمكان الحكومات إصدار قوانين مركزية تمنع تداول هذه العملات، لكن إنفاذ هذه القوانين سيكون أمرا مستحيلا، حسب تقرير الكاتبة.
تقول الكاتبة كسينيا سيمينوفا إنه لا يمكن لوسائل الإعلام تجاهل إعلان شركة فيسبوك عن اقتراب إطلاق عملتها الخاصة “ليبرا” في 2020؛ فمن المتوقع أن تكون هذه العملة ذات قيمة مستقرة، وتمثل أصلا رقميا مدعوما بالعديد من العملات السيادية الأخرى مثل الدولار واليورو والين، وستُدار من مكاتب في سويسرا، ويتبناها شركاء متعددون مثل فيزا وماستركارد وفودافون وبايبال وإيباي وأوبر وكوين بايز.
وتحدثت الكاتبة عن الاختلاف في الآراء المتعلقة بإصدار فيسبوك هذه العملة؛ فمجتمعات العملات الرقمية ما تزال تنظر إلى “ليبرا” بتفاؤل رغم إخلالات الشركة الأم بخصوصية المستخدمين في أكثر من مناسبة.
لكن كريس هيوز -أحد مؤسسي موقع فيسبوك- يشعر بالقلق من تأثير “ليبرا” على الأسواق الناشئة، التي ستصبح غير قادرة نسبيا على التحكم في وسائل تبادل العملات المحلية، وفرض ضوابط على رأس المال، كما تؤكد كسينيا سيمينوفا.
بالإضافة إلى ذلك، يشعر المشرعون ومحافظو البنوك المركزية بالقلق إزاء هذا الشأن، وسبق لرئيسة لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي ماكسين واترز أن طلبت من شركة فيسبوك إيقاف تطوير عملتها الرقمية الجديدة حتى يمكنها توضيح الأسئلة المتعلقة بانتهاكات الخصوصية المحتملة المتعلقة ببيانات المستهلك.
وذكرت الكاتبة أن محافظي البنوك المركزية في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأستراليا اتفقوا مع نظرائهم الأميركيين على أن مطوري العملة يجب أن يجيبوا عن العديد من الأسئلة التنظيمية للتأكد؛ من أنها لن تعرض النظم المالية للخطر أو تستخدم لغسل الأموال.
وأشارت الكاتبة إلى أن خطط فيسبوك لإطلاق عملتها عادت بالنفع على عملة بتكوين.
دول مستفيدة
وتقول الكاتبة إنه بينما لا يزال موقع الدولار الأميركي في الاقتصاد العالمي قويا كما سبق، ما تزال الولايات المتحدة الأميركية تفرض العديد من العقوبات على روسيا وفنزويلا وإيران، وتعمل على تعميق حدة الصراع في حربها مع الصين، وهو ما يدفع هذه البلدان وغيرها لمحاولة إيجاد بديل للعملة الأميركية.
وتضيف أنه من شأن عدم الاستقرار الجيوسياسي أن ينمي الرغبة المتزايدة في وجود بنية تحتية لامركزية للعملات بغض النظر عما تريده واشنطن.
روسيا
وأوردت الكاتبة أن السلطات الروسية قدمت إشارات متعددة حول العملات الرقمية؛ ففي حين تفيد بأنها ستصدر عملة مدعومة بالذهب، صرحت رئيسة مجموعة عملات التشفير التابعة لمجلس الدوما الروسي إيلينا سيدورينكو بأن روسيا ليست جاهزة لدمج نظامها المالي التقليدي مع العملات الرقمية.
الكاتبة أوردت موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تملك بلاده عملة رقمية خاصة بها، حيث قال “لا يمكن لروسيا أو أي دولة أخرى أن تملك عملة رقمية خاصة بها، والسبب هو أن العملات الرقمية تتجاوز الحدود الوطنية”.
رغم ضعف التطور التكنولوجي في زيمبابوي، فإن الكثير من مواطني زيمبابوي ملمون بأمور التكنولوجيا، كما أن معظمهم يستخدمون عملة البتكوين، كما تقول الكاتبة في تقريرها بموقع ستراسفور.
ويعد التضخم الذي تعاني منه البلاد من بين العوامل التي تقف وراء تبنيها العملات الرقمية باعتبارها حلا أنسب للتحكم في قيمة أموالهم.
الأرجنتين
مع ارتفاع نسبة التضخم إلى حدود 50%، وتدهور الأسواق، وتراجع قيمة البيزو؛ أظهرت الحكومة -وكذلك المواطنون الذين يعملون في مجال التكنولوجيا- اهتماما متزايدا بالبتكوين والعملات الرقمية الأخرى.
وفي مارس/آذار الماضي، صرح فيليكس مارتين سوتو نائب وزير المالية بأنه يتعين على الحكومة الأرجنتينية استخدام تكنولوجيا العملات الرقمية والبلوكتشين لتخفيض الطلب على الدولار الأميركي وتشجيع الاستثمار العالمي، وفق ما تذكره الكاتبة في تقريرها.
فنزويلا
كانت فنزويلا أول دولة تقدم عملتها الرقمية الخاصة بها “البيترو”؛ فبعد انهيار الاقتصاد الفنزويلي، تراجعت قيمة العملة الفنزويلية الوطنية “البوليفار” إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، لكن هذا الانهيار الاقتصادي شجع البلاد على تبني عملة رقمية.
وكان من المفترض أن تساعد عملة البيترو فنزويلا في التغلب على العقوبات الأميركية وحل الأزمة الاقتصادية، لكن يبدو أنها لم تنجح في ذلك كما كان متوقعا، كما تقول الكاتبة.
جزر مارشال
في سنة 2018، أعلنت جمهورية جزر مارشال خطتها لإنشاء عملة رقمية خاصة بها تحمل اسم “السيادية”.
وفي يونيو/حزيران الماضي، صرحت الحكومة بأنها أنشأت منظمة غير ربحية لتطوير هذه العملة الرقمية، التي سيتم تداولها إلى جانب الدولار الأميركي، وهو العملة المستخدمة حاليا في جزر مارشال.
ويثبت نجاح هذه العملة في جزر مارشال أن العملات الرقمية يمكن أن تحل محل الدولار الأميركي، وفق ما أوردته الكاتبة.
مستقبل العملات الرقمية
أوضحت الكاتبة أنه يمكن تفهم مخاوف الحكومات من تبني العملات الرقمية، فهي شكل جديد من أشكال المال، كما أنها غير محدودة، ولا يمكن التحكم فيها عن طريق البنك المركزي.
وفي الواقع، يمكن أن تستفيد البلدان من هذه العملات الرقمية، لا سيما الدول الصغيرة مثل جزر مارشال أو مالطا أو إستونيا، كما تقول الكاتبة.
فإنشاء عملة رقمية خاصة بها أو اعتماد عملة البتكوين كعملة رئيسية يمكن أن يمثل وسيلة لجذب الشركات ورجال الأعمال، الأمر الذي سيعزز بدوره التنمية الاقتصادية والتكنولوجية، حسب ما أوردته الكاتبة.
الجزيرة