تقول إدارة ترامب إن حملة “الضغط الأقصى” التي تمارسها على إيران تؤتي ثمارها. يا ليت كان ذلك صحيحاً. فلطالما صرّحت الإدارة الأمريكية بأن العقوبات الاقتصادية ستحرم النظام الإيراني من المال وأن قلة المال تعني انكفاء السلوك السيئ وتقديم المزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات.
غير أن المساومة مع إيران لا تشبه إبرام صفقة عقارية، والإرهاب الذي ترعاه إيران لا يمكن حصره بسهولة بمبالغ المال. فالحدّ من أحد هذين العنصرين لا يؤدّي بالضرورة إلى تراجع الآخر.
والاستنتاج المحتم بعد دراسة النزاعات الدائرة في المنطقة، هو أن الاستراتيجية الأمريكية القائمة حصراً على حرمان طهران من المال لا يمكن وحدها فرض تغييرات على سلوك إيران في المنطقة.
صحيح أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في سوريا ربما تعاني من تخفيضات في الرواتب، ولكن ذلك لم يسهم في انخفاض ة العنف أو عكس المكاسب التي حققها نظام بشار الأسد في ساحة المعركة أو في حثّ هذه الجماعات الأجنبية أو القوات الإيرانية على مغادرة سوريا. فمقاتلو الميليشيات المستعدون للسفر إلى سوريا من أفغانستان أو باكستان أو العراق سيستمرون في تلبية نداء طهران بسبب الإيديولوجيا المترسخة في أذهانهم أو الظروف الاقتصادية الرديئة في بلدانهم.
وعلى الرغم من تصريح أدلى به في آذار/مارس أمين عام «حزب الله» اللبناني السيّد حسن نصرالله ودعا فيه مؤيدي الحزب إلى تقديم الهبات للتعويض عن الخسائر في الإيرادات الناتجة عن العقوبات، إلّا أن الحزب لم يسحب مقاتليه من سوريا، كما لم يقطع التمويل عن ترسانته الصاروخية التي تهدّد إسرائيل في جنوب لبنان أو عن عمليات حفر الأنفاق الإرهابية. وتعزّز الضربات الإسرائيلية على لبنان خلال نهاية الأسبوع الماضي والتي استهدفت مصنعاً لإنتاج مكونات الصواريخ وجهة النظر القائلة بأن الضغوط الاقتصادية وحدها لا تردع طهران من محاولة وضع قدرات استهداف دقيقة على عشرات الآلاف من صواريخ «حزب الله».
أما في اليمن، فيعمد المقاتلون الحوثيون المدعومون من إيران إلى تكثيف وتيرة القتال ودرجة تعقيد الهجمات ضد السعودية. وتتواصل هجمات الحوثيين بالصواريخ الباليستية وبالطائرات بدون طيار ضد مطارات مدنية وخطوط أنابيب النفط ومحطات الضخ في السعودية، حيث بلغت الهجمات الآن الجانب الشرقي من المملكة. وتشير الأدلة إلى أن إيران تحوّل علاقتها مع الحوثيين من علاقة قائمة على دعم محدود في نزاع محلي إلى شراكة إقليمية.
إن الضغوط الناتجة عن العقوبات لا تعني دائماً تراجع الأموال التي تدرها إيران لدعم أنشطة الإرهاب. ففي غزة تفيد بعض التقارير أن إيران تزيد تمويلها إلى «حماس» من 70 مليون دولار في كل عام إلى 30 مليون دولار في كل شهر، وهذه منفصلة عن الأموال التي تقدمها إلى “حركة الجهاد الإسلامي”.
وخلال شهادة المبعوث الأمريكي الخاص لإيران براين هوك، أمام الكونغرس الأمريكي في حزيران/يونيو، صرّح هوك أن العقوبات الأمريكية أدّت إلى تخفيضات في الميزانية العسكرية الإيرانية في عام 2018 ومجدداً في عام 2019. غير أن هذه التخفيضات المزعومة في الميزانية لم تؤدِ إلى تراجع التهديدات في مضيق هرمز في وقت سابق من هذا العام، عندما هاجمت إيران سفناً تجارية بالألغام وحاولت الاستيلاء عليها وأسقطت طائرة أمريكية بدون طيار. ولا يعتمد البنتاغون على حملة “الضغط الأقصى” للتخفيف من العدوان العسكري الإيراني؛ وقد أصدر خلال الشهر الجاري تحذيراً أمده عام واحد من “العمليات العدائية الإيرانية” في منطقة الخليج.
وأفاد هوك أيضاً أن القيادة الإلكترونية في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني تفتقر إلى المال. غير أن شركتين تعملان في مجال الأمن الإلكتروني اعتبرتا إيران مصدراً لموجة الهجمات الإلكترونية التي استهدفت هذا العام هيئات حكومية وكيانات عاملة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية والبنية التحتية للإنترنت.
وعند جمع هذه العوامل معاً، لا يدعم نمط الوقائع خط ترامب القائل بأن حملة “الضغط الأقصى” ناجحة. فقبل زمن طويل من الاتفاق النووي الذي أُبرم في عام 2015، اعتمدت طهران استراتيجية منخفضة التكلفة وغير متناسقة لأنها تعجز عن منافسة ميزانيات الدفاع الكبيرة والقدرات العسكرية التقليدية للولايات المتحدة أو لخصومها في المنطقة مثل السعودية والإمارات. وبالتالي فإن العقوبات وحدها لن تكون فعالة في وقت تنفذ فيه إيران عمداً حملتها الإرهابية في المنطقة بتكلفة منخفضة.
وفي المقابل، يجب أن تقوم استراتيجية ناجحة إزاء إيران على أكثر من مجرد عقوبات تفرضها الولايات المتحدة. فالعزل السياسي ضروري أيضاً إلى جانب التهديدات الموثوق بها المتمثلة باستخدام القوة العسكرية والاستعداد لعرض مخرج من الأزمة الاقتصادية ومن البرود السياسي تجاه إيران.
ولسوء الحظ ، حقق الرئيس ترامب نجاحاً أكبر بكثير في عزل الولايات المتحدة وليس إيران. وأشارت إدارته في كل من التصريحات والإجراءات إلى عدم استعدادها لاستخدام القوة العسكرية إلا في أضيق الظروف، مما أدى إلى حدوث صدع بين الولايات المتحدة وشركائها في منطقة الخليج. وقد أدّت حملة “الضغط الأقصى” إلى إبعاد الحلفاء الأوروبيين الذين شاركوا في كل نهج ضغط ناجح آخر اعتُمد ضد إيران.
وزادت هذه الخطوات الاستراتيجية الخاطئة مجتمعة من جرأة القادة الإيرانيين. فمن الواضح أنهم لا يرون حاجة إلى التحدث مع الإدارة الأمريكية، بعد أن رفضوا حضور وزير خارجيتهم اجتماعاً في البيت الأبيض واشترطوا رفع العقوبات قبل إجراء أي محادثات مع الإدارة الأمريكية. كما أن محاولتهم استخدام طائرات بدون طيار لتنفيذ هجمات إرهابية ضد إسرائيل تُظهر استعدادهم للمخاطرة.
واستناداً إلى الأحداث التاريخية، فإن العقوبات لن تحثّ إيران على تغيير سلوكها. إن ذلك [قد يأتي من خلال] اتباع سياسة ناجحة مؤثرة تنبع من ممارسة ضغوط دولية جماعية، ومن احتمال تأمين المفاوضات مكاسب اقتصادية حقيقية ومن التهديدات بتداعيات خطيرة ناجمة عن الأعمال الخبيثة.
معهد واشنطن