ثير إقالة محمد حسن أختري، الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت، على يد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، كثيرًا من التساؤلات تتعلق بما يهدف إليه خامنئي من هذه الإقالة، فضلاً عن توقيتها، وهو ما يجعل الموقف برمته محاطًا بالغموض. ويعتبر “الصندوق الأسود” لكل الأسرار التي تتعلق بنشأة “حزب الله” اللبناني، والعلاقات مع النظام السوري، والترابط بين هذه الأطراف الثلاثة والجغرافيا التي تشملها.
شغل أختري منصب سفير إيران في سوريا لمدة 14 عاماً وذلك في فترتين خطيرتين، الأولى بدأت منتصف الثمانينيات واستمرت قرابة 11 عاما، والثانية كانت بعودته سفيرا لطهران عام 2005، وقد شهدت المرحلة الأولى العمل في لبنان على شقّ “حركة أمل” الشيعية وتأسيس “حزب الله”، وبناء الشبكة العميقة لمستقبل السيطرة الإيرانية على سوريا، فيما تزامنت المرحلة الثانية مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وشهدت استكمال بناء القدرات العسكرية لـ”حزب الله”، ويبدو أن هذه التداعيات الارتدادية لعملية الاغتيال، وطريقة تصرّف أختري في التعبير عن النفوذ الهائل لإيران في سوريا وجدت خطّ ذروة انتهى برحيله عن دمشق وتعيين سفير جديد مطلع عام 2008.
كما أثارت إقالة اختري حالة من استغراب وتساؤلات وعلامات استفهام حول الأسباب التي دفعت خامنئي لاتخاذ مثل هذا القرار، خاصة وأن أختري يوصف في الأوساط الإيرانية بأنه «الأب الميداني» و«مخزن أسرار علاقات الجمهورية الإسلامية بحزب الله اللبناني»، وأن وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري وفيلق القدس والتلفزيون الرسمي تقدره بشكل كبير، وأنها تستخدم عبارات مثل «دامت بركاته» و«دام عزه» بعد ذكرها اسمه، ما يفسر مدى تأثيره وأهميته بالنسبة للنظام الإيراني.
يكشف توقيت إقالة شخص بهذه الدرجة الكبرى من الأهمية علاقة بما يحصل حاليّا ضمن جغرافيتين متقاطعتين، الأولى تتعلق بمجال اشتغال أختري، وهو منطقة سوريا ـ لبنان، والثانية تتعلق بمجال اشتغال القياديّ الإيراني الأشهر الجنرال قاسم سليماني، الذي يشرف على مجمل عمليات إيران العسكرية والأمنية من «الهلال الشيعي» وصولا إلى اليمن، من دون أن ننسى طبعا المعركة الأكبر التي تخوضها إيران ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
العنصر المهم المفيد في تحليل الواقعة هو أن الشخص البديل في موقع أختري هو رضا رمضاني، الذي كان يعمل لمدة 12 عاما رئيسا لـ«الاتحادية الأوروبية الإسلامية لعلماء الشيعة، والتي تتخذ من مدينة هامبورغ الألمانية مقرا لها، وهذا الاختيار يمكن تفسيره بأن الاستراتيجية الإيرانية حاليّا مركزة على التعامل مع أمريكا وأوروبا، وهو ما يجعل حركة «حزب الله» اللبناني، وباقي الميليشيات المحسوبة على إيران والموزعة على الخارطة العربية، رهنا بتلك المعركة الكبرى، وليس العكس، وأنه ما دام الخطر يحيق بإيران فالمطلوب هو تركيز الجهود على درء هذا الخطر وليس الانغماس في الشؤون المحلّية لأي ميليشيا بحيث تنخفض قيمة أي مسؤول إيراني «مختص» حصرا بتلك الشؤون، ويوليها أهمّية أكثر من اللازم.
يتلاقى خطّ «مصالح إيران أوّلا» مع خط «مصالح أمريكا أولا»، وكما أن إيران تحتاج إلى خبراء مثل رضا رمضاني أكثر من محمد حسن أختري، وجدنا أن أسهم جون بولتون، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المؤيد للحرب مع إيران، انخفضت لصالح أمثال مايكل دانديرا، المسؤول الكبير في وكالة المخابرات الأمريكية، الذي يعتبر أحد المسؤولين عن اغتيال عماد مغنية، المسؤول العسكري لـ«حزب الله» عام 2008 (عام مغادرة أختري لسفارة طهران في دمشق)، ودانديرا، حسب وسائل إعلام أمريكية، صار يفضل الحوار مع إيران، وبالتحديد مع الجنرال قاسم سليماني.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية