يبدو أن الجميع هذه الأيام يقارنون ،أو يربطون، بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ودونالد ترمب، حتى أن الرئيس الأميركي عقد المقارنة بنفسه أثناء حديثه إلى الطلاب في قمة الشهر الماضي، كما عبّر جيريمي كوربين زعيم حزب العمال عن ذلك الرأي وهو يتحدث إلى حشد من الناس في نورثامبتنشير. وحذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الاسبوع ايضاً من أن المملكة المتحدة ستصبح فعلياً “خاضعة” للولايات المتحدة إذا غادرت الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
أتفهّم الدافع الذي يحمل الناس على المقارنة بين جونسون المولود في نيويورك وترمب. فكل منهما سياسي غير تقليدي؛ و كان تحديد توجههما الأيدولوجي، أو قد يكون للآن، صعباً؛ و استخدم كلاهما النظام للتقليل من أهمية مجموعات من الناس؛ وهما يتمتعان بدهاء إعلامي. كان جونسون مراسلاً صحافياً في الماضي، بينما ترمب هو نجم آفل من نجوم برامج تلفزيون الواقع. ويمكنكم حتى أن تجادلوا بأن ثمة ما يُضفي على جونسون شيء من “الأميركية” إذ يبدو أنه يتحدث بكل مباشرة، لا يخجل البتة من وطنيته، وسواء شئنا أم أبينا، فإنه يتمتع بجاذبية شخصية تماماً مثل نظيره الجمهوري. دعونا لا ننسى أن كلا الرجلين تعرض للاتهام بأنه يظهر بمظهر المهرج الأخرق، أو ربما كان يستغل ظهوره بهذا الشكل لبلوغ غاياته. وإذ يبقى ذكاء ترمب موضع تساؤل دائم، لا يمكنني أبداً أن أغضّ الطرف عن لخبطات جونسون المتتالية.
لكن أوجه التشابه تنتهي عند هذا الحد. لسوء الحظ، لا يرى معظم الناس ذلك، ولهذا السبب فإن هذه المقارنات لا تخدمنا بشكل جيد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية، وبالتحديد الآن، إذ تفصلنا بضعة أشهر عن يوم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما تسري شائعات عن إجراء انتخابات عامة في المملكة المتحدة.
على الرغم من أن استخدام تعبير “ترمب البريطاني” المختزل مغرٍ لكسب المزيد من الأصوات بالنسبة لجيريمي كوربين، لكنه تعبير يشجع كذلك على بلادة التفكير. تنطوي مقارنة جونسون بترمب، أيضاً على معنى مبطن أيضاً بأن ما يفعله غير عادي وغير بريطاني.
يعبر هذا السلوك عن شيء يميل البريطانيون إلى فعله، فنحن نعقد المقارنات التي تصبّ في مصلحتنا عادة، بين أنفسنا وبين أولئك الأميركيين المجانين الذين يتجاوزون كل ما هو عادي، فأصواتهم عالية أكثر مما ينبغي، ويغلب عليهم الطيش المفرط ، كما أنهم عنصريون إلى درجة فائقة. أما من سيخسر في نهاية المطاف، إذا واظبنا على هذا المنوال، فهو الشعب البريطاني.
وهنا السبب. نحن البريطانيون أشد تحفظاً من الأميركيين عموماً، لكننا مثلهم في كل شيء. الفرق هو أنه عندما يقول الأميركيون شيئاً بصوت عالٍ، نكتفي نحن باقتراحه اقتراحاً فقط. وهذا ما يجعل مقارنة جونسون بترمب مؤذية لنا في النهاية.
كل ما عليكم فعله هو النظر في الطريقة التي يحاول بها جونسون وحكومته التصدي لجرائم الطعن. أدت هذه المشكلة إلى جعل الآباء يخشون على حياة أطفالهم بالطريقة نفسها التي يخاف بها الأهل في الولايات المتحدة على أبنائهم من البنادق. أنا لا أقلل من شأن أزمة الأسلحة الأميركية على الإطلاق، فأنا أم لطفلين يعيشان في لوس أنجلوس، لذلك أعرف ذلك الخوف، وكان هذا ما شعرت به على الفور عندما عدت إلى المملكة المتحدة هذا الصيف.
بينما يبحث هؤلاء الآباء عن الشخص الذي سيتخذ الإجراءات المناسبة، كان كل ما حصلوا عليه هو تمجيد جونسون لمنافع التوقيف والتفتيش، وهي سياسة استهدفت الأشخاص السود والملونين لعقود من الزمن، بشكل غير متناسب مع أعدادهم. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة حملة توزيع صناديق الدجاج التي كُتب عليها # Knifefree في محلات بيع قطع الدجاج المطهوة لشرح مشكلة جرائم الطعن، وهي سياسة ذات صبغة عنصرية وطبقية، كما قدمت اقتراحات حول التعليمات الرامية لمنع هذه الجرائم بين الأطفال بسن 12 عاماً وما فوق والذين تنطبق عليهم المواصفات.
لم يجرِ الحديث عن ذلك بصراحة، ولكن التسويق وتوزيع صناديق الدجاج باتجاهات محددة، جعلتنا نشعر بلا شك أن الحكومة كانت تستهدف الأطفال الصغار الذين يعيشون في مناطق معينة تكثر العائلات الملونة بين سكانها. كان الاقتراح واضحاً، لكن لم تكن هناك اتهامات واضحة. كان هذا النهج معاكساً تماماً لنهج “فلنخرجهم جميعاً” الخاص بترمب. فكروا كيف أن هذه التلميحات تدعونا إلى حل الأحجية بأنفسنا وأن نعزّز بالتالي الصور النمطية. فكروا في الطريقة التي تؤثر بها هذه الأعمال الخبيثة نفسياً على الأمة.
إذا نظرنا إلى تصرفات جونسون من خلال عدسة “ترمب البريطاني”، فسيكون من السهل أن نستنتج أنه لا يعرف حقاً ما الذي يفعله، بينما من الواضح أنه في واقع الأمر، عكس ذلك تماماً.
وفي حين قد تعتقد المعارضة أنه من الحكمة استخدام ذلك التعبير المختزل لتسجيل نقاط ضد جونسون، أود أن أذكرهم أن الجمهور البريطاني، حتى ولو تعب من ذلك ، فإن معارضي رئيس الوزراء وأنصاره الجانبين يقدّرون الشخص الذي يفعل ما يقول.
عندما يتعلق الأمر بتصرفات جونسون على المسرح العالمي، فإنه يدرك أننا بحاجة إلى شريك تجاري جديد – وأظن أنه سيتحمل ذلك اللقب طالما أنه يقدم له ما يحتاج. وربما يجب علينا أن نهتم بهذا.
اندبندت العربي