على خطى الحرس الثوري: الحشد يصدم حكومة بغداد بتشكيل قوة جوية خاصة

على خطى الحرس الثوري: الحشد يصدم حكومة بغداد بتشكيل قوة جوية خاصة

تحول إعلان الحشد الشعبي عن تشكيل قوات جوية خاصة به، إلى مصدر للسخرية والتهكم في أوساط المعلقين من الحكومة العراقية التي تعهدت بإبقاء هذه القوة تحت سيطرتها، في وقت تسير فيه الميليشيات على خطى الحرس الثوري الإيراني وتتحول إلى قوة غير قادرة على الضبط.

وجاء هذا الإعلان، في وقت يشهد جدلا كبيرا بشأن مستقبل هذه القوة، التي تشكلت بسبب فتوى أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني العام 2014، للتطوع في صفوف القوات المسلحة، بهدف مواجهة زحف تنظيم داعش آنذاك، الذي احتل أجزاء واسعة من البلاد.

وبالرغم من أن السيستاني يتجنب استخدام مصطلح “الحشد الشعبي” الذي ابتكره رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في وصف هؤلاء المتطوعين، إلا أن ميليشيات مسلحة موالية لإيران زجّت مقاتليها في هذا الكيان وسيطرت عليه.

وصدرت وثيقة عن نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس يطلب فيها تشكيل “مديرية للقوة الجوية تابعة للحشد يديرها بالوكالة صلاح مهدي حنتوش”.

وقوبل إعلان المهندس بسخرية في أوساط المتابعين، إذ تساءل بعضهم عن كيفية وجود قوتين جويتين منفصلتين عن بعضهما البعض، في بلد واحد.

لكن مراقبين عبروا عن خشيتهم من أن يكون هذا الإعلان مقدمة لعملية نقل دفاعات جوية إيرانية إلى الأراضي العراقية على أنها أسلحة اشتراها الحشد الشعبي.

ولم يستبعدوا أن تحول هذه الخطط الحشد الشعبي إلى قوة أكثر كفاءة وأفضل سلاحا من المؤسسة العسكرية الرسمية التي تملك دفاعات جوية متخلفة، في استنساخ لقوة الحرس الثوري داخل إيران.

وبُعيد التفجيرات التي طالت مخازن السلاح في مدن عراقية تسربت معلومات عن ميل جهات داخل الحكومة إلى اعتبار تلك التفجيرات “بفعل فاعل يسعى لإثارة البلبلة والسماح لإيران بالدخول على خط الأزمة”، خصوصا وأن “جزءا من العتاد والسلاح الذي دمرته التفجيرات خزّنه الحرس الثوري الإيراني على أراض عراقية، وهو ليس مملوكا للحشد الشعبي ولا للحكومة العراقية”.

وكان المهندس وجه اتهامات علنية إلى الولايات المتحدة بتسهيل مهمة إسرائيل في ضرب مخازن السلاح قبل أن يرد عليه رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، مؤكدا أنّ موقفه لا يلزم الحكومة.

وحاول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إبقاء الحشد الشعبي تحت السيطرة، عندما عين مستشاره لشؤون الأمن الوطني فالح الفياض رئيسا له، لكن التأثير الأكبر فيه بقي لأبي مهدي المهندس، الذي يرتبط بعلاقات قديمة مع الحرس الثوري الإيراني.

ومع رحيل العبادي، ومجيء عادل عبدالمهدي إلى رئاسة الحكومة، وجد المهندس مساحة كبيرة لتعزيز نفوذه داخل الحشد الشعبي، ما أثار الريبة في الأوساط السياسية.

وبالرغم من المخاوف الواسعة والأسئلة التي تطرح حول نوايا هذه القوة، ومدى خضوعها للهيمنة الإيرانية، إلا أن عبدالمهدي لم يقم بأكثر من إصدار تعليمات لضبط أدائها، من بينها منعها من إنشاء مخازن سلاح داخل المدن، والانسحاب من المراكز السكانية الحضرية إلى معسكرات خارجية.

وبدا واضحا أن أوامر عبدالمهدي لم تلق استجابة داخل هذه القوة، عندما أعلن المهندس، الذي يشغل رسميا منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، عن بدء خطوات تشكيل قوات جوية خاصة.

ويبدو أن الحكومة العراقية قد استضعفت بطريقة تدعو إلى السخرية. فبدلا من أن يستوعب الجيش العراقي فصائل الحشد الشعبي كما ينص القرار الحكومي، صار من المتوقع أن يلحق ذلك الجيش الضعيف بالحشد، فيكون بمثابة رديف أو ظل له.

وقد ينعكس هذا الأمر على الحكومة نفسها والتي ستتضاءل المساحة التي تتحرك فيها بعد أن يلتهم الحشد الشعبي الكثير من المواقع الحساسة ذات الصلة بالموارد المالية على غرار ما يفعله الحرس الثوري في إيران والذي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني.

واعتبر الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف إنشاء قوة جوية من العدم أمرا بالغ الصعوبة وليس في إمكان ميليشيا متعددة الرؤوس مثل الحشد الشعبي القيام به، لذلك فإن إيران هي التي ستؤسس تلك القوة عن طريق حرسها الثوري.

ولم يستبعد يوسف في تصريح لـ”العرب” أن يغطي هذا الإعلان الصادم على حقيقة أن تكون إيران مقدمة على إنشاء قواعد ومنصات جوية داخل الأراضي العراقية وهو ما يعد بمثابة تحول خطير في عملية المواجهة مع إسرائيل، تكون الأراضي العراقية مسرحها هذه المرة أيضا.

وقال يوسف “إن الحشد الشعبي الذي سيبدو كما لو أنه يمتلك قدرات جديدة تؤهله للتصدي لغارات إسرائيلية متوقعة لن يقوم إلا بدور الحارس الذي يغطي وجوده على تدخل إيراني جديد، لكن من نوع أكثر حساسية بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما يمكن أن يسرع من وتائر المواجهة التي سيلعب فيها الحشد الشعبي دورا على مستوى استفزاز إسرائيل”.

وترى مصادر سياسية عراقية أنه سواء تعلق الأمر بإنشاء قوة جوية خاصة بالحشد أو إقامة قواعد جوية إيرانية في الخفاء فإن ذلك الأمر يمكنه بكل تأكيد أن يدفع بالعراق إلى الخط الأول من المواجهة، حيث سيشكل توجيه ضربات له أولوية إسرائيلية لا يمكن الاستهانة بحجم الدمار الذي ستخلفه.

العرب