بعد عشر سنوات من المفاوضات مع ايران حصل الرئيس اوباما اخيراً على ما طمح إليه وهو ترك ارث بتوقيع الاتفاق النووي مع ايران. كم كان إرثه أهم وأضخم لو استخدم كل الزخم والثقل اللذين وضعهما مع ايران للتوصل الى حل سلمي عادل ومتوازن بين الفلسطينيين وإسرائيل؟ ولكن مكاسب ادارة السيد اوباما من الاتفاق حول النووي الإيراني يليه تطبيع مع هذا البلد هي اهم وذات جدوى اكبر بكثير في نظره من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وماذا بعد هذا الاتفاق؟ اولاً سمعنا الكثير في تحليلات الإعلام الأميركي ان اسعار النفط هبطت بنسبة ٢ في المئة اثر الإعلان عنه. لكن جميع الخبراء والمتابعين للسوق النفطية يؤكدون ان اسعار النفط بدأت تهبط منذ شهر بسبب ازمة اليونان وخصوصاً مع اضطراب سوق الأسهم في الصين الذي ادى الى المزيد من مبيعات النفط بعد ان جمدت الصين التعامل بجزء من الأسهم فلجأ كثيرون الى بيع النفط. والكل يجمع على ان كميات النفط الإيراني لن تظهر في الأسواق بكميات ملموسة قبل نهاية هذه السنة او السنة المقبلة.
إن هذا الاتفاق بين الدول الست وإيران هو بالفعل بداية صفحة جديدة للمنطقة بأسرها لأنه مقدمة لا مفر منها للتطبيع بين الولايات المتحدة وإيران ولن يكون مستغرباً ان يقوم اوباما قبل نهاية ولايته بزيارة ايران بعد ان انجز التطبيع مع كوبا. وقد يرغب في ترك صورته يصافح المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران. الا ان هذه الرموز العديدة ليست بأهمية ما سيحصل بعد هذا الاتفاق. فإيران ليست البلد الديموقراطي المهتم برفاه شعبه. هذا الاتفاق ورفع العقوبات سيكون لمصلحة «الحرس الثوري» الذي يوزع عائدات الدولة على وكلائه في لبنان وفي طليعتهم «حزب الله» ونظام الأسد وميليشيات العراق المؤيدة لإيران التي كانت تتلقى اموالاً اقل من ايران اثر انخفاض سعر النفط للمزيد من التخريب والهيمنة.
تبلغنا عبر الإعلام الغربي ان مسؤولاً اميركياً لم يكشف عن اسمه ولا ندري لأي سبب اكد ان الإدارة الأميركية ستبقي «الحرس الثوري» الإيراني على لائحة الإرهاب. ويمكن وصف السياسة الأميركية بأنها بطلة الغموض والإزدواجية. فهي تقول عن «الحرس الثوري» انه تنظيم ارهابي وفي الوقت نفسه ترغب في تطبيع العلاقة مع النظام الإيراني وعنصره الأساسي هو «الحرس الثوري».
سيترك اوباما ارثاً كارثياً لمنطقة الشرق الأوسط حيث يعطي فرصة اكبر لبشار الأسد اول مهنئي النظام الإيراني بتوقيع الاتفاق كي يستفيد من المزيد من الأموال الإيرانية والمزيد من المساعدات العسكرية لـ «حزب الله» للاستمرار بالقتل والتهجير. كما سيستفيد الحوثيون من الدعم الإيراني للمزيد من القتال في اليمن وسيزداد العراق تمزقاً اثر مكاسب ايران من هذا الاتفاق. قال احدهم ان النفس الطويل الذي جعل من الإيرانيين اكبر صانعي السجاد وحياكته علّم النظام على حياكة الحجج والدوران حول تنفيذ التزاماته. واستعجال ايران لقبول ما طلب منها بالنسبة الى التفتيش الذي يمثل خرقاً لسيادتها سببه ان النظام و»الحرس الثوري» بحاجة ملحة للمال الذي لم يذهب الى الشعب المتعطش اليه بل لمجازفات خارجية وتغذية زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ان شعب ايران عريق والبلد له تاريخ وتراثه غني ولكن صانعي سياسته من المرشد الى قاسم سليماني وغيره من المتشددين في منطقة الشرق الأوسط يتبعون سياسة غير مشجعة على التفاؤل بتداعيات هذا الاتفاق. الا ان رغبة اوباما وأمثاله في الولايات المتحدة كبيرة جداً لفتح صفحة جديدة في السياسة الأميركية، حتى ان احدهم كان يحلم بأن يعمل سفيراً للولايات المتحدة في طهران. ان المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات عديدة وعميقة واسم اوباما سيبقى في تاريخ الولايات المتحدة الرئيس الذي قام بتطبيع علاقات اميركا مع نظام نعتها بـ «الشيطان الأكبر» ودعا باستمرار الى موتها.
رنده تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية