من خلال استقبال رئيس الدولة الجزائرية، عبد القادر بن صالح، صباح الأحد، وفد هيئة الحوار والوساطة بقيادة كريم يونس، الذي نقل إليه مقترحات تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، تعطي رئاسة الجمهورية انطباعاً مبدئياً عن توافق تام مع مقترح المؤسسة العسكرية تنظيم الاقتراع في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسط تباين في الآراء بين المراقبين حول إمكانية نجاح الموعد في استقطاب عموم الجزائريين.
وبشكل يترجم إلى حد كبير توافق رئاسة الجمهورية ومؤسسة الجيش، حول موعد الرئاسيات المقبلة، قال بن صالح إن “مقترحات الهيئة هي ضمانات كافية لتنظيم انتخابات رئاسية”. وأضاف أن “هناك تقارباً في وجهات النظر على تنظيم الانتخابات الرئاسية في أقرب الآجال”.
وكلف بن صالح، يونس، بمواصلة مهامه في قيادة الهيئة حتى “تشكيل وتنصيب السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات”. ومعنى ذلك، “إشراك” هيئة يونس في اختيار أعضاء السلطة الوطنية تفادياً لانتقادات تطال مشروع تأسيسها من الآن، بعد تسرب أنباء عن تنصيب أعضائها من قبل رئاسة الجمهورية.
وأشار بن صالح إلى أن “الدولة أوفت بالتزامها بعدم التدخل في هذا المسار، وعملية الحوار سمحت بإشراك مختلف أطياف المجتمع من ممثلين عن المجتمع السياسي والمدني، وأفضت إلى تقارب واسع في وجهات النظر حول ضرورة الذهاب إلى انتخابات رئاسية في أقرب الآجال كحل عملي وديمقراطي أوحد لتجاوز الوضع الراهن”.
أما منسق الهيئة، فقال إن “العناصر الأساسية لتقرير الهيئة يركز بشكل خاص على نتائج الحوار والمقترحات والتوصيات المقدمة من قبل الأطراف التي تمت استشارتها والتي حظيت بإجماع واسع. وهي المقترحات التي ترجمت إلى مشروعي نصين تشريعيين، أولهما يعدل ويتمم القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي والثاني يُنشئ السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات”.
“استعجال” أم توفر الظروف؟
ألغت الجزائر موعدين رئاسيين العام الحالي. الأول في أبريل (نيسان) والثاني في يوليو (تموز)، بسبب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم استمرار وجوه النظام نفسها. فهل زالت الأسباب التي ألغت آخر استحقاق رئاسي؟
يقول المحلل السياسي رضوان بوهيدل، لـ”اندبندنت عربية”، إن “لجنة يونس أمام رهانات عدة. فمن الواضح أنها لا تريد أن تتصادم مع موقف المؤسسة العسكرية أو مع الحراك الشعبي”. لذلك، “لاحظنا أن هناك تسريعاً في عملها خلال الأيام الماضية، لدرجة أنها قدمت تقريرها النهائي لرئيس الدولة على الرغم من معارضة بعض الأطراف لمضمونه”.
وبالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال “لا يمكن أن تجرى في الظروف والمعطيات نفسها التي أسقطت في السابق انتخابات 4 يوليو. لذلك، فإن ما هو منتظر من قبل السلطة هو تقديم تنازلات مستعجلة في هذا الإطار”. وهي “بداية تشكيل لجنة تنظيم الانتخابات الرئاسية ومدى قبولها لدى الأطراف الأخرى، والتركيز على إعطائها كل صلاحيات الحكومة والإدارة المحلية، إضافة إلى بعض صلاحيات المجلس الدستوري”.
وهذه الإجراءات يجب أن تتزامن، وفق بوهيدل، “مع التعديلات على قانون الانتخابات، قبل لعب الورقة الأخيرة من قبل السلطة، وهي التضحية بحكومة نور الدين بدوي في أقرب الآجال، وإلا فلا يمكن المراهنة على الحراك الشعبي، كونه الوعاء الانتخابي للتوجه إلى صناديق الاقتراع مهما كانت الظروف حتى لو استدعى بن صالح الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر (أيلول) المقبل”.
تصعيد خطير وأفق مظلم
يتصور المحلل السياسي جمال شرفي، في حديث مع “اندبندنت عربية”، أن “الجزائر أمام نفق مظلم وغير واضح، لأننا باتجاه استحقاق لانتخاب رئيس فاقد للشرعية ومنقوص الإرادة ومسلوب القرار”.
ويشير شرفي إلى أن “مسار الإعداد للانتخابات كان خاطئاً من البداية، والخطأ الكبير كان في هيئة الحوار نفسها، سواء رئيسها أو العدد الكبير من الانتهازيين في فترة بوتفليقة، الذين عادوا في ثوب جديد”. ويضيف “الأمر الآن لا يتعلق بإمكانية إجراء الانتخابات من عدمها، إذ قد ندفع الناس إلى التصويت، لكن الثمن سيكون غالياً. وأعتقد أن إجراء الانتخابات في ديسمبر هو تصعيد خطير. لكن المشكلة ليست في تاريخ إجرائها، بل في الآليات والممارسات التي سيرفضها الحراكيون”.
ويتمنى شرفي أن تراجع من يسميها “السلطة الفعلية”، ويقصد المؤسسة العسكرية، “الوضع من أجل خسائر أقل. لكن الإصرار على بناء دولة لا تمثل أراء الشعب سيكون ثمنه مكلفاً جداً. كنت أتمنى من رئيس الأركان أن يقوم بتصحيح عمل هيئة الحوار وتكون هناك تنازلات بتقديم شخصيات وطنية مقبولة. أما المكابرة فهي تذكرنا بنظام بوتفليقة وممارساته”.
اندبندت العربي