هذا هو الوعد الانتخابي لبنيامين نتنياهو الذي نأمل تطبيقه: ضم الغور إلى إسرائيل. ليس هناك الآن وعد انتخابي يبعث على الأمل أكثر من ذلك. وليس هناك حزب صهيوني يقترح فكرة من شأنها إيقاظ الوضع القائم مثل اقتراح الضم هذا. الوضع القائم ينادي بهزة كهذه. لن أصوت لنتنياهو بالطبع، لكني آمل أن يفي بوعده هذه المرة.. أن يضم الغور، وبعد ذلك جميع الضفة، وأن يحول الواقع على الأرض إلى واقع سياسي بدون مزيد من التخفي. لقد حان الوقت للحقيقة.. حان الوقت لوضع حد لحفلة التنكر الأكبر لإسرائيل والعالم، التي تستمر منذ 52 سنة.
الواقع على الأرض والثابت، ويبدو أنه سيبقى إلى الأبد، يجب ترجمته إلى لغة القانون. غور الأردن تم ضمه منذ زمن، والضفة أيضاً. الخط الأخضر محي ولم يبق منه شيء. والاعتراف أمام الإسرائيليين وأمام العالم: كفى للاحتلال، يجب الضم. لم تعد هناك مستوطنات، بل هي بلدات. حل الدولتين أُعدم، حدث هذا منذ زمن. ثمة دولة واحدة سيكون الصراع الوحيد الذي يجري فيها على النظام.
لم يبق أي نقاش حقيقي في إسرائيل. فوراً بعد وعد نتنياهو بالضم ظهر بني غانتس، أملُ المتنورين، وقال قول المعارضة: هو أيضاً مع بقاء غور الأردن إلى الأبد. إذا كان الأمر كذلك.. فما هو الانتقاد الموجه لنتنياهو؟ ألأنه لا يفي بوعده؟ على يسار نتنياهو ينتقدونه لأنه لا يضم، وماذا نريد أكثر من ذلك؟ بين اليمين الذين يريد الضم والإعلان عن ذلك، وبين الوسط الذي يريد الضم والتضليل؟! النقاش الوحيد الذي بقي هو على مستقبل بؤرة “عيدي عاد” الاستيطانية. وهذا أصبح غير مهم. أما إخلاء البؤرة الاستيطانية “هبلدين” فلن يغير شيئاً.
إن انتخاب نتنياهو ليس صدفة، فيه شيء رمزي: عملية أوسلو بدأت بـ “أريحا أولاً” وسيعلن عن موتها مع “الغور وشمال البحر الميت أولاً”. لكن هناك كثير من وراء الرمزية.. فالغور لم يعتبر في أي يوم أرضاً محتلة في نظر الإسرائيليين، منذ بداية العملية الكولونيالية هنا اعتبر المستوطنون فيه ساكنين، وحتى رواداً، واعتبرت مستوطناته كيبوتسات وموشافات – نموذج صهيوني آخر. لا توجد هنا أهداب متدلية، بل ثمة سادة يهود وعمال من تايلاند، مثلما في كل كيبوتس وموشاف. وهناك أقنان فلسطينية بأجر معيب واستغلالي ومخالف للقانون. حزب العمل، حزب الاحتلال الأول، اعتبر الغور جزءاً لا يتجزأ من أي اتفاق منذ خطة الون، سيئة الذكر، لأنه لم تكن هناك خطة خلدت الاحتلال أكثر منها.
بدأت الإجماع حول البقاء في المناطق بالضبط من هنا، بين مستوطنة حمدات ومستوطنة الموغ. كانت تلك “كتلة المستوطنات الأولى” التي دخلت الإجماع، بل لم تسمَّ مستوطنات حينذاك. حسب معظم الإسرائيليين، لا يوجد فرق بين مشخيوت وبيت الفا، وبين روعي وحفتسيبا، جميعها في الغور الإسرائيلي. إلا أن هذه هي إحدى مناطق الأبرتهايد والترانسفير الأكثر تهديداً التي نماها الاحتلال. خلف تلك الأسماء الحديثة لا توجد نار مقدسة ولا عودة شعبية، إنما يختفي مزارعون جشعون وأحياناً عنيفون، هنا ينفذ الترانسفير الهادئ لتجمعات الرعاة مثلما في جنوب جبل الخليل.
إن الذين ما زالوا يشككون بوجود الأبرتهايد، عليهم السفر إلى الغور. المياه والأراضي والحرية التي هناك بفصل قومي فاضح، بدون خجل، تحكي قصة الأبرتهايد كلها. لا يوجد صدق أكثر من القول بأن توراة الضم تخرج من هنا.
في أرض إسرائيل قام الشعب اليهودي، وفي غور الأردن قامت دولة الأبرتهايد. إذا طبق نتنياهو وعده – كما قلنا.. ونأمل ذلك– فسيعرف الإسرائيليون والعالم أن دولة الأبرتهايد الثانية في التاريخ أقيمت هنا. عندها سنرى كيف سيعيش الإسرائيليون مع هذا الواقع، وبالأساس كيف سيرد العالم على ذلك. باسم الأمل “الضئيل” بأن يحرك الضم أحداً ما أو شيئاً ما، نأمل ألا يقتصر نتنياهو بقوله هذا على الوعد. من فضلك، يا رئيس الحكومة، قُم بالضم.
القدس العربي