أكثر من عشرة فصائل عراقية مسلحة تحتشد في منطقة الحدود العراقية السورية منذ عام 2017، وقد تصاعدت أعدادها بعد ذلك تدريجاً، وباتت تتوزع على شطري الحدود في مساحة تصل إلى 240 كيلومتراً من أصل 620 كيلومتراً مجموع الحدود البرية بين الدولتين. الهدف المعلن هو تأمين الحدود العراقية السورية من أي محاولات تسلّل لبقايا مسلحي تنظيم “داعش”، الذين تناثروا على طول الخارطة ويقدر عددهم ببضع مئات، بحسب ما أعلنته بيانات لحكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي عام 2017 وتصريحات لقادة في “الحشد الشعبي”، أكدوا أنّ وجود فصائلهم المسلحة هو لتأمين الحدود العراقية السورية. غير أنه ومنذ ذلك الوقت، تحوّلت المنطقة الحدودية إلى نقطة جذب لمختلف الفصائل المسلحة، وخصوصاً من محور القائم ـ التنف ـ البو كمال العراقي السوري. وأبرز هذه الفصائل، مليشيات “كتائب حزب الله” العراقية و”النجباء” و”العصائب” و”سيد الشهداء” و”لواء الطفوف”. ويرى مسؤولون عراقيون ومراقبون أنّ ملف تأمين الحدود من خطر “داعش” بات الغطاء الرئيس لوجود تلك المليشيات، علماً أنّ قوات الجيش العراقي باتت تمسك الملف بتمكّن واضح، ويتحدّث هؤلاء عن أنّ الهدف الرئيس هو ما بات يطلق عليه مشروع طريق طهران ــ بيروت الذي يمرّ عبر الأنبار، إلى جانب أهداف أخرى تتعلّق بالوجود الأميركي في مناطق شرق وشمال سورية.
”
وجود هذه الفصائل وتوغلها داخل العمق السوري، جعلها عرضة لقصف جوي لأكثر من خمس مرات منذ مطلع العام الماضي
”
ولا تملك الحكومة العراقية أي تفاصيل حول عدد تلك الفصائل أو عديد أفرادها، سواء الموجودين في الجانب العراقي أو في الجانب السوري. كما لا تملك الحكومة تفاصيل حول الترسانة التي تملكها هذه الفصائل، في ظلّ تصاعد عمليات التهريب عبر الحدود لمواد مختلفة، أبرزها النفط الأبيض، والبنزين وزيت الغاز والأدوية والسجائر والخراف، ومواد وأجهزة كهربائية مختلفة تخرج من العراق إلى سورية بوصاية تلك المليشيات.
وجود هذه الفصائل وتوغلها داخل العمق السوري في مناطق محددة تصل إلى 20 كيلومتراً، جعلها عرضة لقصف جوي لأكثر من خمس مرات منذ مطلع العام الماضي؛ مرة عبر طيران التحالف الدولي وآخر مجهول قيل إنه “إسرائيلي”، وكان آخره سلسلة التفجيرات التي استهدفت أكثر من ست فصائل مسلحة، بينها عراقية مثل “حزب الله” و”النجباء”، وأخرى توصف بأنها خليط من بلدان عدة، مثل إيران وأفغانستان والعراق لدعم نظام بشار الأسد مثل “حيدريون” و”فاطميون” و”زينبيون”، وكلها خاضعة لقيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في منطقة البوكمال وصحراء التنف بالجزء الواقع داخل الأراضي السورية.
ويتحدّث مسؤول عراقي رفيع في الحكومة، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، عن تحوّل الحدود العراقية مع سورية، وتحديداً ضمن محور القائم ـ البوكمال ــ التنف إلى نقطة جذب للمليشيات المنفلتة التي تمتلك إيران سلطة عليها أكثر من الحكومة العراقية.
وبحسب المسؤول ذاته، فإنّ “ما لا يقل عن 20 مليشيا موجودة على الحدود بتسميات مختلفة، منها أكثر من 10 على الجانب العراقي، فيما الحدود مفتوحة بين الجانبين لجهة التنقل”، معتبراً أنّ ذلك الوجود “يعود لأسباب عدة، أوّلها أنّ المنطقة الحدودية تلك تمثّل بعداً استراتيجياً للأميركيين في شمال وشرق سورية، وغرب العراق، ولهم قواعد ونفوذ فيها. كما أنّ المنطقة هي ذاتها التي يمرّ بها مشروع طريق طهران بيروت، وهو الطريق البري الذي أعلن عنه مسؤولون إيرانيون في أكثر من مناسبة في الأشهر الماضية، ويجري الحديث عن ترخيص النظام لإقامة قاعدة عسكرية إيرانية ضخمة في البوكمال أيضاً”.
”
ما لا يقل عن 20 مليشيا موجودة على الحدود بتسميات مختلفة
”
ويشير المسؤول إلى أنّ “الفصائل تتخذ الآن داعش وخطره كغطاء لوجودها لا أكثر، فيما الجيش العراقي وحرس الحدود هم من يتولون مواجهة هذا الخطر، على الرغم من أنه تراجع بنسبة 70 في المائة عن العام الماضي”. ويلفت إلى أنّ “جميع تلك المليشيات مراقبة من قبل الطيران الأميركي من جهة سورية، وفي العمق العراقي أيضاً، ولكنها في الوقت ذاته تؤسّس لنفسها مساحات نفوذ قوية وحلفاء محليين من خلال شبكة زعماء عشائر عربية سنية تمنحهم الأمن والحصانة والنفوذ مقابل ذلك. ولعل أبرز هذه العشائر حشد البو ريشة وحشد البو محل وحشد الجغايفة وغيرها”.
في المقابل، يقول ضابط برتبة عميد في قيادة العمليات العراقية المشتركة في بغداد، لـ”العربي الجديد”، إنّ تلك الفصائل “قاتلت بشراسة عامي 2016 و2017 في المناطق الحدودية لانتزاعها من تنظيم داعش، ونالت دعماً من طيران التحالف الدولي بشكل غير مباشر عبر الضربات التي كانت مقاتلات الأخير توجهها لعناصر التنظيم في المنطقة الحدودية ذاتها مع سورية”. غير أنّ الضابط الذي طلب عدم ذكر اسمه، يعترف في الوقت نفسه بأنّ وجود هذه المليشيات حالياً “تراجعت أهميته بالنسبة للعراق، أمنياً على الأقل، فالجيش موجود بكثافة في المنطقة الحدودية مع قوات حرس الحدود، فيما يرى البعض أنه يجب التخفيف من أعدادهم هناك”.
غير أنّ عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عباس السروط، يتحدّث عمّا يصفه بـ”أسباب موجبة” لوجود هذا العدد من الفصائل المسلحة على الحدود مع سورية. ويضيف في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “الحدود العراقية طويلة ومفتوحة مع الجانب السوري، والقطعات العسكرية العراقية لا تملك القدرة الكافية للسيطرة على كل هذه الحدود التي قد تحتوي على منافذ تسلل لعصابات داعش”، لافتاً إلى أنّ “بعض الفصائل العراقية ضمن الحشد الشعبي كانت قد انسحبت بعد تحرير نينوى وصلاح الدين إلى الحدود، لتأمينها وسدّ العجز في عديد القوات العراقية”. ويعتبر السروط أنّ “وجود الفصائل المسلحة على الحدود ضرورة وقتية، إلى حين تأمينها بالكاميرات والأجهزة المتطورة”.
”
تؤسّس الفصائل لنفسها مساحات نفوذ قوية وحلفاء محليين في المنطقة الحدودية
”
وقد أدى وجود المليشيات على الحدود بأعداد كبيرة إلى تهجير أهالي القرى والبلدات المحاذية للحدود العراقية السورية. وفي هذا الإطار، يوضح الخبير في الشأن الأمني العراقي هشام الهاشمي، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “بعض القرى تبعد عن البلدات التي هي على تماس مباشر مع النقاط الحدودية نحو 8 كيلومترات، وأخرى 15 كيلومتراً، فيما القرى التي هي على تماس مع الحدود كلها مفرغة من سكانها ومهجورة، وبعضها تمنع عودة سكانها المحليين إليها لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية”.
ويؤكّد الهاشمي أنّ “المنطقة المحصورة من ناحية ربيعة وصولاً إلى ناحية الرطبة، تحتوي على 314 قرية مهجورة ومفرغة من أهلها، وتُمنع عودة السكان إليها لأسباب مختلفة، بعضها طائفي”. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017، استعادت القوات العراقية آخر مساحة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش” على الحدود مع سورية، وأمّنت الصحراء الغربية، الأمر الذي شكّل نهاية الحرب ضدّ التنظيم، بعد ثلاث سنوات من اجتياحه نحو ثلث أراضي العراق.
العربي الجديد