الكثير من العراقيين العالقين في الخارج ليسوا في أفضل حال، بل إنهم مهددون بالموت. من جهة، ترغب الدول التي لجأوا إليها في ترحيلهم بحجة أن مناطقهم باتت آمنة، ومن جهة أخرى يجدون أنفسهم مهددين بالقتل من قبل داعش والمليشيات
لا تملك السلطات العراقية أو الأمم المتحدة بيانات حول أعداد العراقيين الذين غادروا البلاد عقب الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003 أو بعد عام 2014، الذي شهد موجات نزوح كبيرة إلى خارج البلاد عقب اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مساحات واسعة من شمال وغرب البلاد. إلا أن مسؤولين في وزارة الخارجية العراقية أشاروا إلى أن إجمالي العراقيين الموجودين خارج البلاد يصل إلى نحو ستة ملايين نسمة تتوزع غالبيتهم في الأردن وتركيا ولبنان ومصر والولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا، إضافة إلى دول أوروبية عدة أبرزها ألمانيا وفنلندا والسويد. وحصل الكثير منهم على جنسيات الدول التي يقيمون فيها.
إلّا أن قسماً آخر يقدّر المحامي عاكف عبد الصمد القريشي عددهم بالآلاف، ما زالوا عالقين في الخارج ومهددين بالطرد وإعادتهم إلى العراق بشكل قسري، ما يعد خطراً على حياتهم. كثيرون من هؤلاء مهددون من قبل تنظيم “داعش”، أو من قبل فصائل مسلحة مرتبطة بإيران بدوافع طائفية أو سياسية لانتمائهم أو أحد أفراد أسرهم إلى حزب البعث أو الجيش أو جهاز الاستخبارات العراقي قبل عام 2003. يضيف القريشي أنه يتوسط حالياً لثلاثة عالقين ترفض النمسا استقبالهم، إذ تعتبر أن مدينتهم الموصل باتت آمنة بعد طرد داعش منها. يتابع: “أقوم حالياً بمهام هي خارج إطار المحاماة والمحاكم. أتوسط مع طرف آخر لرفع أسماء أحد الثلاثة من قائمة المطلوبين لكتائب حزب الله العراقية، فيما لدى الاثنين الآخرين تشابه أسماء مع آخرين مطلوبين، ويجب إثبات أنهما ليسا المعنيين ويمكنهم العودة إلى العراق من دون أن يعتقلوا لأشهر عدة. لذلك، يخشى العراقيون الثلاثة العودة إلى العراق والنزول في مطار بغداد”. ويبيّن أن الحكومة العراقية مطالبة بحل إنساني لملف العراقيين العالقين، وضمان طريقة تحافظ فيها على حياتهم وكرامتهم.
يقرّ مسؤول في وزارة الخارجية العراقية في بغداد بالمشكلة، موضحاً أن العراق يرفض الإعادة القسرية لمواطنيه في الدول الأجنبية، “لكننا نسعى إلى طريقة لحل مشاكلهم التي تجعلهم يخافون العودة إلى العراق”. ويقول في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”: “يمكن اعتبار المشاكل القانونية مع الحكومة من أسهل المعوقات. المشكلة أن الحكومة لن تضمن سلامتهم، إذ إن هناك جماعات مسلحة ستستهدفهم حال عودتهم للعراق”. وعن تلك الجماعات، يقول إنها “خلايا داعش ومليشيات منفلتة”. من جهة أخرى، فإن أبرز تهم العراقيين العالقين في الخارج هي الانتماء لحزب البعث المنحل في السابق، أو العمل مع الأميركيين كمترجمين أو موظفين في دوائر حكومية خلال فترة احتلالهم للعراق، وأخرى تتعلق بتنظيم داعش الذي يعتبر 99 في المائة من الأعمال محرمة وتستوجب القتل. والمشكلة أن غالبية العراقيين لا يملكون ما يثبتون به صحة ادعائهم.
من جهته، يتحدث عضو منظمة بغداد لحقوق الإنسان فاضل الحميري عن قرب تشكيل حلف من منظمات عدة في بغداد للضغط على الحكومة من أجل تسوية ملف العراقيين العالقين في الخارج. يشير لـ”العربي الجديد” إلى “تشكيل الحكومة خلية عمل من وزارتي الداخلية والخارجية بهدف زيارة الدول التي علق فيها العراقيون حيث رُفضت إقامتهم وحل مشاكلهم القانونية أو توفير حماية لهم لإعادتهم”. يضيف: “يعاني هؤلاء أوضاعاً مادية ونفسية سيئة، ويريدون العودة لوطنهم أكثر من أي شيء آخر. لكن الخوف من القتل يجعلهم عالقين في الخارج. حتى أن أهلهم يطلبون منهم ألا يعودوا إلى العراق خوفاً من أن يقتلوا. ويؤكد أن قسماً منهم لا يقدر حتى على بيع منزله في العراق لتدبر أموره المعيشية في الخارج أو الانتقال إلى دول أخرى أملاً في الحصول على إقامة.
والأسبوع الماضي، أعلنت السلطات العراقية أن مدنياً قتل في ضواحي العاصمة بغداد. ووفقاً للنقيب في الشرطة العراقية هيثم الشويلي، فإن الضحية كان مقيماً لسنوات في أستراليا وعاد إلى العراق بعد ترحيله منها، لكنه قتل على يد جماعة مجهولة بعد خطفه ليوم واحد من أمام دار شقيقته.
غادر عبد الكريم البياتي (40 عاماً) العراق قبل سنوات إلى السويد بعد تهديدات اضطرته إلى الهرب عبر مراحل عدة، إلى حين وصوله إلى السويد. البياتي الذي شارك في تظاهرات واعتصامات نظمت في محافظة الأنبار ضد سياسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ضمن خيمة نصبت في ساحة الاعتصام في الرمادي عاصمة محافظة الأنبار المحلية، والتي باتت غالبية أعضائها مطاردين من قبل قوات موالية لإيران أو من قبل قوات حكومية تستند الى مذكرات قبض صدرت في زمن المالكي عام 2013، يعد اليوم من “المهددين الدبل” (بشكل مضاعف)، بحسب المصطلح الشائع في العراق، إذ إن داعش والمليشيات القريبة من إيران يعتبرونه هدفاً. في الوقت نفسه، البياتي عضو سابق في حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي الذي حلّ، والذي بات غالبية أفراده مطاردين بعد حملة قرارات أطلق عليها اجتثاث البعث. وتوجد مذكرة قبض بحقه من دون أن يعلم السبب الحقيقي.
يقول البياتي الذي يمر بظروف صحية سيئة، وأجرى عملية في أحد المستشفيات الحكومية، في اتصال مع “العربي الجديد”، إن ترحيله هو بمثابة توقيع إقرار مساعدة لمن يريدون له الشر في العراق، مشيراً إلى أنه منذ سنوات يحاول إبلاغ السلطات في السويد ذلك لكنهم لا يريدون أن يصدقوا خطورة الموقف في العراق. ويتساءل: “من منا أساساً يرغب بالغربة، إلا إذا كان مضطراً؟ لا أملك غير الأمل. عودتي إلى العراق تعني إنهاء حياتي”.
أما عمر أيوب الحمداني (38 عاماً)، فرفضت حجته في الدولة التي يقيم بها، أي إسبانيا، ومن المتوقع تسفيره وإعادته إلى العراق مع آخرين قريباً. يقول لـ”العربي الجديد”: “أرفض الدولة الإسلامية وأؤيد الدولة العلمانية. وبسبب ذلك، اعتبرت ملحداً وكافراً. وفي عام 2013، صدرت فتاوى بقتلي من جهات عدة، فساعدني أهلي على الفرار وركبت البحر وانتهى بي الحال مع مهاجرين آخرين في إسبانيا. وما من إثبات على هذه القصة غير تقرير تلفزيوني، لكن لا شيء يثبت ما تعرضت له من تهديد. وترى السلطات الإسبانية أن الموصل باتت آمنة، وذلك ينحصر بداعش وليس المليشيات”. وسبق للحكومة العراقية أن أعلنت عبر بيان لوزارة الهجرة والمهجرين رفضها عمليات الإعادة القسرية لمواطنيها في دول اللجوء، وهو ما أدى إلى رفض استقبال طائرات تحمل عراقيين مهاجرين رفضت دول أوروبية أوراق إقامتهم.
العربي الجديد